Abdallah Lahoud

لبنان واللغة العربية لعبد الله لحود

من أقوال عبد الله لحود

الحوار حول الشؤون الوطنية والقومية مصيره الاخفاق والعبث اذا لم يستجمع عنصرين:

الأول: احترام كل محاور لحق الغير بأن يعتنق العقيدة التي يرى وينشر الرأي الذي يشاء.
الثاني: الاقتصار على المبادىء التي تتضمن أو تسهل اسعاد المرء وتمكنه من ممارسة حقوقه الانسانية الأصيلة.
مثل هذا الحوار الذي يسيره العقل ويرافقه احترام حرية الرأي لدى الغير ينفي كل عنف، ينفي كل اقتتال مخرب.

العلمانية ليست قاعدة أخلاقية بل هي قاعدة قانونية.

"عندما نقول لبنان لا لبنانان فيجب أن نطبق فورا  وبدون تردد تشريع لا تشريعان."

"كل ما يمتنع قانونا  على المرأة يجب أن يمتنع قانونا   على الرجل".

لبنان واللغة العربية لعبد الله لحود

من بعض مأثر هذا المعهد الرامي الذي يشرفني ان أدشن كل عام موسم المحاضرات فيه، انه الى جنب اهتمامه الكلي لتعليم لغة اجنبية او اكثر، يحرص كل الحرص على تعزيز اللغة العربية الثي هي لغتنا الوطنية عملا بالدستور اللبناني الذي ينص في مادته الحادية عشرة المعدلة، "ان اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرسمية."

وليس هذا النص الدستوري سوى تعبير عن حقيقة تاريخية ثابتة لأن العربية بعامياتها وفصحاها هي اللغة القومية الوحيدة للبنان منذ مدد تناهز الالف سنة في بعض المناطق وتزيد على ذلك في مناطق اخرى.

ويكفينا لتبيين هذه الحقيقة ان نعود الى مؤلفات امثال العلامة الفرنسي بلاشير اوكتاب الهدى الذي هو دستور الموارنة او كتاب المنونسنيور داغر عن بطاركة الموارنة او سواهم.

وقد اعتاد لبنان وابناؤه لا سيما في هذه العصور الاخيرة ان يرحبوا باللغات الاجنبية التي يتاح لها الانتشار في لبنان اويتاح لهم اولبعضهم اجادتها ولكن اللغة العربية ظلت وما تزال اللغة الوطنية المسيطرة.

فمن يزعمون ان لبنان هو من البلد ان المزدوجة اللسان او المتعددة اللسان هم مخطئون.

لأن الازدواج او التعدد لا ينظر اليه بالنسبة الى الطبقات المثقفة، فالطبقات المثقفة في جميع اقطار الارض تجيد عدة لغات، واذا قيس الازدواج او التعدد على هذه الطبقات المثقفة وجب القول ان جميع دول اميركا واوروبا والبلد ان المتحضرة في آسيا هي مزدوجة اللسان.

ولكن جمهور الشعب هو المقياس.

وجمهور الشعب في لبنان – ما عدا المجتمع الارمني – لا لغة قومية له سوى العربية بعامياتها وفصحاها.

ولا يضير لغتنا وجود عاميات منبثقة منها.
ففي معظم بلدان العالم عامية وفصحى للقوم الواحد.
والعامية اللبنانية هي ابنة الفصحى وليس بينهما تنافر كما اثبت في احدى محاضراتي بهذه الندوة.

ان خطة لبنان في حقل استقبال اللغات الاجنبية يجب ان تكون التالية:

الترحيب بكل لغة تسعى الى الانتشار في لبنان ثقافيا   او علميا  فرنسية كانت تلك اللغة ام انكليزية ام اسبانية ام بورتغالية ام ايطالية ام روسية ام صينية ام ايرانية ام غير ذلك، على ان تبقى للغة القومية مركز الصدارة وعلى ان يسعى دوما الى تعزيزها وانمائها واغنائها واعلاء شأنها. وكل سياسة تثقيفية لا تعتمد هذه الخطة هي سياسة تثقيفية خاطئة.

وقد قال شبلي ملاط شاعر الارز: من لم يصن لغة الحدود فليس من قومية – تنميه في الانساب.

قلت ان اللغة العربية اصبحت منذ قرون عديدة لغة لبنان ولقد حمل لبنان من قرن وربع قرن لواء الادب العربي وعلوم اللغة والصحافة والترجمة والقصة والمسرحية.

ولكن هل كان للبنان ولابناء لبنان قبل العهد الذي يدعى عصر النهضة او الانبعاث نتائج كتابي عربي؟

اقول نعم.

ويكفيني ان اذكر بعض الامثلة:

ففي بيروت وجد الامام الاوزاعي المولود في بعلبك في القرن الثامن اي منذ الف وما يتي سنة ونيف، وقد تتلمذ عليه عدد كبير من الفقهاء الذين انتسبوا الى بيروت، وكان عرب الاندلس في بدء الفتح العربي لاسبانيا اي من نحو الف وما يتي سنة على مذهب هذا الامام اللبناني المدفون على مقربة من هذا المعهد.
ويقول ياقوت عن بيروت: "وخرج منها بشر كثير من اهل العلم". ويعني العلماء ذوى البيان العربي.

واثبتت طرابلس في القرن الحادي عشر الميلادي شاعرا  معروفا   هو ابن منير، وكانت الحركة الادبية الفكرية العربية مزدهرة في طرابلس منذ تسعماية سنة ونيف اي في عهد بنو عمار ومن ادلة ذلك ان ابا العلاء العربي جاء عام 1058 الى طرابلس يستكمل ثقافته فيها.

واثبتت بعلبك من نحو الف وماية سنة شاعرا  معروفا  هو حسان بن ابان، وعالما  عظيما   هو قسطا بن لوقا المتوفى عام 923 أي من ألف وخمسين سنة وبلغ من علو شأن هذا الكاتب اللبناني العربي ان ابن النديم صاحب الفهرست فضله على حنين بن اسحق شيخ المترجمين العرب.

ومن ابناء بعلبك فقيه مشهور هو ابن الساعاتي ولد في القرن الثالث عشر الميلادي وكان من أكثر الفقهاء الاحناف، ولن مؤلفات كثيرة، وتتابع على شرح كتابه المدعومجمع البحرين وملتقى النييرين سبعة عشر شارحا.

ومن ابنائها المقريزى المؤرخ الشهير في القرن الخامس عشر الميلادي.

ويذكر العلامة عيسى اسكندر المعلوف في ابحاثه اسماء عدد كبير من ابناء البقاع القداس عرفوا بالعلم والادب ونظموا الشعر العربي البليغ.

وكانت منطقة الجنوب حديقة للنتاج العربي منذ العهد الاموى، واشتهر من شعراء الجنوب عدى بن الرقاع وعبد المحسن: الصوري من نحو الف سنة وله شعر رقيق فيه صفاء جو لبنان وعطر بساتين لبنان.

وانبتت منطقة الجنوب عددا   كبيرا  من الفقهاء.

ويقول السيد وسى الصدر بدون مبالغة ان خمس علماء الشيعة في العالم كله هم من ابناء جنوب لبنان.

وكان التنوخيون في شوف لبنان ومتنه يعنون قديما  بالادب واللغة والشعر العربي.

اما في المنطقة المارونية فنذكر مؤلف كتاب الهدى عام 1058 ميلادية وكتاب الهدى مكتوب بلغة عربية صافية مشرقة وقد اسماه الاباتي بطرس فهد دستور الموارنة في العصر الوسيط.

وينسب الى موارنة لبنان عالم كبير هو ابو الفرح ابن الطيب المتوفى عام 1034 أي من تسعماية واربعين سنة وهوسان كتب ارسطو وجالنيوس بالعربية.

اما منذ القرن السابع عشر حتى النهضة فقد ادى علماء الموارنة للغة العربية خدمات جلى اعترف بها المؤرخون واعتبروها من اهم اسباب التحركات التي ادت الى انبعاث اللغة العربية.

وللمدرسة المارونية في روما الفضل في تثقيف هؤلاء العلماء وتمرينهم على البحث العلمي الدقيق ومن اشهرهم الصهيوني والحاقلاني اني المحفور اسماهما على مدخل المعهد المعروف اليوم بالكوليده فرانس ويوسف سمعان السمعااني وهو سيد علماء الموارنة.

وهكذا ترى ان اللغة العربية عميقة الجذور في لبنان،

اما منذ عهد النهضة الذي كان لابناء لبنان فضل كبير في اعداد، وتأمين ازدهاره، فالاثر اللبناني بأرز مشرق.

ولن ننسى جهود رجال الدين ومآثرهم في هذا المجال، وقد كان لمدرسة عين ورقة وللمعاهد التي انشأنها الرهبانيات دور كبير في نشر الثقافة في لبنان وتعميقها وتنويع مظاهرها،

اجل ان الاثر اللبناني مشرق لامع في جميع حقول الثقافة ولا سيما في النواحي التالية:

المعاجم والموسوعات وقد خلدت اسماء البستانيين والشدياق واليازجي والشرتوني وقبل هؤلاء اسم المطران جرمانوس فرحات الذي هو سليل اسرة لبنانية.

ايجاد المصطلحات الحديثة وفي طليعة رواد ها ابراهيم اليازجي، واحمد فارس الشدياق والكونت رشيد الدحداح.

الصحافة، واللبنانيون منذ 1858 هم اساتذة الصحافة العربية الاول.

عززوها لا في لبنان وحسب بل في مصر وسوريا وفلسطين والسودان وتونس، واستامبول وفرنسا والاقطار الاميركية ويقول الدكتور محمد يوسف نجم:

"ان اللبنانيين احتكروا الصحافة في مصر في القرن الماضي واوائل هذا العصر."

وفي كتاب مصادر الدراسة الادبية الصادر في بيروت عام 1972 للدكتور يوسف اسعد داغر احصاء للصحف والمجلات في جميع الاقطار العربية يتبين منه ان 59 بالمئة من اصحاب تلك الصحف والمجلات هم لبنانيون.

والصحف اللبنانية اليوم هي في طليعة الصحف العربية، وهي دائبة على التحسن المستمر، ويبدو هذا التحسن طريقة الاخراج والتبويب ولاسيما في فن الكاريكاتور.

القصة: وقد بدأ الاهتمام للقصة في لبنان منذ اكثر من ماية سنة ومن روادها الاول سليم البستاني.

وكان لمجلة المكشوف في بيروت لصاحبها المرحوم فؤاد حبيش فضل كبير في تعزيز الفن القصصي في لبنان في الثلاثينات والاربعينات.

المسرحية والتمثيل: ولا جدال بأن لبنان هو الاول في هذا المجال مع مارون النقاش عام 1848، وأول مسرحية شعرية عربية مطبوعة هي المرؤة والوفاة لخليل اليازجي.

وانبت لبنان عددا  من كبار الممثلين اشرت الى بعضهم في محاضرة سابقة القيتها في هذه الندوة، من اشهرهم نجيب الريحاني وجورج ابيض وعزيز عيد.

والفن المسرحي يسير اليوم في لبنان على طريق الازدهار وهو يحتفظ طرقا   جديدة لا سيما بعد انتشار التلفزة، واملنا انه سيوفق في هذه المجالات وان يكن لا يزال في أول الشوط.

الترجمات الكبرى: ومن اهمها ترجمة العهد العتيق من التوراة لابراهيم اليازجي، وترجمة الالياذة لسليمان البستاني.

نشر النظريات الادبية والافكار الجريئة: ومن ابطال هذا الميدان فرح انطون وشبلي شميل ويعقوب، صروف، وأديب مظهر، وخليل مطران.

وعدد من كبار ادبائنا ومفكرينا الاحياء، ولهم آثار باهرة في حقول الشعر،

ولولا انني اخذت على نفسي السكوت عن ذكر الادباء الاحياء لنوهت باسماء البعض منهم وهي جديرة بان ينوه بها.

نهضة المرأة:

ومن الرائدات في الناحية الادبية:
لبيبة هاشم وزينب فواز وعفيفه كرم،

والحركات النسوية اللبنانية ناشطة داخليا   وعالميا . ولها عدة مؤسسات ومجلس اعلى.

توسيع انتشار البيان العربي:

ومن اهم المآثر في هذا المجال الادبي الذي اسموه الادب المهجرى.

ولقد اصدر اللبنانيون الصحف العربية في استامبول وفي فرنسا والاقطار الاميركية، ونبغ منهم ادباء ممتازون في اميركا، لا يجهلهم احد، وكان لهم مؤسسات ادبية مرموقة.

والادب المهجرى، وان انتقده البعض بقسوة، مليء بالالوان الجميلة، وبالنبرات الصادقة، وبروح التجديد. فهو من اصفي المفاخر اللبنانية الادبية.

وهكذا ترى ان دور لبنان في نشر التراث العربي وانمائه واغنائه وتجديدة هو دور طليعي فعال مثمر. ومن واجبنا ان نحافظ على هذا الدور الطليعي. لا سيما ان للغة الضاد مستقبلا   باهرا : فالعرب يناهزون اليوم ماية مليون، وافريقيا بكاملها تنجذب الى العالم العربي باستمرار، واعتقادى ان اللغة العربية سيكون لها في افريقيا شأن كبير وقد تصبح فيها اللغة المسيطرة الشاملة. فتنفتح امام النتاج اللبناني العربي ان يكون له اجواء او اسواق واسعة جديدة.

ولانفتاح هذه الاجواء فوائد فكرية وسياسية اذ ان الدول الصغيرة تكتسب النفوذ وتحتفظ به عن طريق الاشعاع الفكرى والادبي، ولانفتاح هذه الاجواء والاسواق منافع اقتصادية لدور النشر.

ومما يدل على بدء ازدهار اللغة العربية عالميا  ان مؤسسات الانسكو بدأت تعتمدها، الى جنب اللغات الراقية الواسعة الانتشار. ومن المنتظر ان تعتمد قريبا   في هيئة الامم.

اذن:

من واجب سلطاتنا الرسمية وغير الرسمية، ومن واجب رجال الفكر الثقافة، بل من واجب كل لبنان ان يسعى الى تعزيز اللغة العربية كل بما يستطيعه.

ومن اهم الوسائل لذلك، تبسيط قواعد اللغة وتسهيل اساليب تعليمها وتقريبها من اذواق الجماهير، والاقبال على الترجمة بطريقة مدروسة لا تزمت فيها بحيث لا نرى حرجا  عند الترجمة الضرورة في استعادة الفاظ اجنبية واستعمالها كلما صعب علينا ايجاد كلمات عربية تقابل مدلولات تلك الالفاظ.

وعلى معاهد التعليم، الى جنب اهتمام جدى ومستمر، بالثقافة الاجنبية، احلال اللغة العربية دوما في مركز الصدارة، وهذا ما نسجله باعجاب لمعهدكم الرامي.

ان في تعزيز لغتنا القومية تعزيزا  للبنان.

عبد الله لحود