Articles

Art in the press

يوسف الحويك الحفار والفنان اللبناني

قليلون هم الذين يعرفون هذا الوجه اللبناني اللامع لان الفن كما يقول السيد الحويك نفسه لم يتبوأ في بلادنا حتى اليوم المنزلة العالية التي تقع عليها جميع العيون ولم يصل الى المستوى الرفيع الذي حفظته له الامم الراقية فهو شيء ثانوي، لذلك كان المشتغلون به بعيدين عن عناية الصحف وعن اهتمام القراء. على اننا يجب ان لا ننسى ان الفن كنز ثمين في أوطان الامم المتمدنة وان كلمة الفن يراد فيها في قاموس النهضات كلمة المدنية.

اننا نحيي النابغة اللبناني الذي كان لفنه في قلب باريس منزلة سامية بين اقطاب الفن هناك، والذي رفع اسم اللبناني الى مستوى الامم الراقية وجعل من الوطن اللبناني صورة سامية في اعين الذين يجهلونه.

قال السيد الحويك محدثا احد صاحبي مجلة لبنان في باريس " لقد ولدت كما يولد اكثر اللبنانيين في قرية صغيرة من قرى الجبل تدعى " حلتا" وهي قرية متغلغلة بين الصخور واشجار السنديان والزيتون. لقد نبت فيها كالعشبة في الحقول تحت سماء هي اصفى سماء عرفتها الارض. تقوم حوالي الجبال الشامخة المكتسية بالثلوج في الشتاء وتترامى تحت انظاري الاودية السحيقة الزاهرة الطاهرة التي تتراءى من وراء قممها مياه البحر المتوسط.
لقد سجنني اهلي في ثلاث مدارس وكنت في كل منها اتعذب كثيرا فلم اتعلم شيئا وكان عمري سبعة اعوام عندما ابتدأت ارسم على الحجارة وعلى الجدران رسوما مختلفة من ماعز وخيول واجسام بشرية.

ولم اكد ابلغ العشرين حتى صرت ارى المدارس في نظري شبه سجون مظلمة تكاد تخنق انفاسي. هذا بالرغم من ان والدي كان في اسمى مراكز الحكومة وان عمي هو سيد بكركي.
لذلك لم البث ان جمعت حوائجي وهيأت حقائبي قاصدا رومة حيث التحقت بالمدرسة الحرة للفنون الجميلة. وهناك عدت الى الدراسة من جديد وكنت ازور زمنا بعد زمن لبنان فكانت عوداتي تستجلي امام عيني الفروق القائمة بين الشرق والغرب.

ولقد جلت اوروبا من اليونان الى نروج فكانت مشاهد الطبيعة وجمالها تزيد في ثروتي الفنية وتشحن دماغي بالوف من الصور والتأثيرات واني اذكر زيارتي القسطنطينية ومثولي امام السلطان عبد الحميد في ايام حكمه. واذكر انني بعد سقوطه تنزهت حرا بين حدائق قصره وزيناته الفخمة التي تدوخ الرأس.

واتفق ان الحرب العمومية اعلنت وانا في لبنان فعسكرت في اعالي الجبال اللبنانية التي يسمونها ( اللقلوق).
وما ان وضعت الحرب اوزارها حتى تركت لبنان الى اوروبا. وقد كانت كل هذه السنين تجول في رأسي ببطء وهوادة فكرة اهمية الفن في هذا العصر. وانني اشكر العناية الالهية التي سددت خطواتي في هذا الطريق المحبوب، طريق عبادة الفن .

انني ارى هذا العصر عصر المدهشات وتراني مسرورا ليقظة الشرق بعد غفلته الطويلة وانظر بلهفة الى كل ما يجري في القاهرة وانقره وفي طهران وكابول.

والان تراني اشتغل في باريس معبد الفن الواسع منذ ثلاثة اعوام. ولكنني افتكر دائما بلبناني العزيز، افتكر دائما بقريتي الصغيرة المتغلغلة بين الصخور وبين اشجار السنديان والزيتون".

هذا هو السيد يوسف الحويك الفنان اللبناني الذي ذكره منشىء " المعرض" في احدى برقياته القائلة ان مدرسة الفنون الجميلة في باريس اقترحت تعيينه منظما فيها وهي مهمة تدل على اهلية السيد حويك واقتداره ومنزلته السامية.

فنهنئه ونهنىء لبنان بهذا الفتى الذي انجبته الارض اللبنانية.

المعرض العدد الرابع والعشرون كانون الثاني- نيسان 1929 ص 16.