Articles

Art in the press

100 صورة تحكي ذاكرة التعليم في لبنان

من بين الأنشطة التي شهدتها سنة "بيروت عاصمة عالمية للكتاب"، استضافة مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة في خان الافرنج في صيدا معرض "ذاكرة التعليم في لبنان" (برعاية وحضور النائب بهية الحريري) من اعداد المهندس الدكتور خالد عمر تدمري راصدا ً فيه تطور التعليم بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وانتقاله من الكتاب وتحت السنديانة الى المباني المدرسية الحديثة والمكاتب والمعاهد المتطورة.

جولة تاريخية عبر 100 صورة قديمة ونادرة مستقاة من أهم مجموعة في العالم (بطاقات بريدية وصور فوتوغرافية قديمة من لبنان جمعها فؤاد دباس خلال 25 عاما ً من حياته ونشر قسما ً منها في كتابيه "بيروت ذاكرتنا" و"مصورون في بيروت 1840-1918") كما من محفوظات عثمانية في تركيا ومن أخرى أجنبية، وثقها تدمري بمعلومات تاريخية من مصادر ووثائق تاريخية عثمانية وفرنسية ومحلية. فماذا فيها؟

في أوائل القرن التاسع عشر كان التعليم الديني التقليدي موكولا ً الى طوائف مختلفة في البلاد، انحصر في المستوى الابتدائي ("المكتب"أو"الكتاب"). وفي مستوى أعلى ("المدرسة" ولا يزال منها عدد في طرابلس منذ عهدي المماليك والعثمانيين).

مثل الكتاب المرحلة الأولى من التعليم، يعلم فيه شيخ الكتاب ، وكان مختلطا ً من الجنسين بأعمار بين الرابعة أو الخامسة في المدن، والسابعة وما فوق في القرى. وكان عادة ً في زاوية من فناء جامع أو غرفة ملحقة به، أو في بناء دير أو كنيسة، أو في باحتها تحت سنديانة ظليلة، أو في حوش منزل شيخ الكتاب.

old0

old

(1) مدرسة تحت السنديانة في جبل لبنان، حوالى سنة 1905.
(2)المدرسة الانجيلية للصبيان في طرابلس، حوالى سنة 1940.
(3) طالبان من المكتب الاعدادي الملكي في بيروت، حوالى سنة 1885.
(4) طلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الانجيلية، حوالى سنة 1918.
(5) طالب في احدى مدارس جبل لبنان، حوالى 1890.

كان يجلس التلاميذ على حصير أو بساط، أو يفترشون العشب، فالتدريس في الهواء الطلق في أغلب القرى، من الصباح حتى المساء ستة أيام في الأسبوع ومعظم أيام السنة، وكانت العصا، قصرت أم طالت، من مستلزمات التدريس لشيخ الكتاب أو خوري المدرسة، يشير بها أو ينبه بها التلاميذ أو يعاقبهم. كان التعليم يقتصر على مبادىء القراءة والكتابة العربية والحساب، والقرآن الكريم في بعضها، والتعاليم الانجيلية في بعضها الآخر. وكان التلميذ يلتحق بالكتاب بضع سنوات حتى يختم القرآن قيقام له احتفال للأهل والأصدقاء وتكريم التلميذ ومعلمه.

old1

(6) طالبان يتعلمان كتابة الأحرف العربية، حوالى سنة 1900.
(7) كتاب لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية في بيروت، حوالى سنة 1875.
(8) تلاميذ المدرسة الثانوية بمكتب اليسوعيين في بيروت يمثلون مسرحية تروي قصة جان دارك، حوالى سنة 1913.

بعد زوال الاحتلال المصري وعودة العثمانيين الى بلاد الشام عام 1840، أجرى العثمانيون اصلاحات تربوية استمرت حتى نهاية عهدهم، فشكلوا لجانا ً درست أوضاع التربية والتعليم وقارنتها بأوضاع بعض الدول الأوروبية، وصدر في آب 1846 "قانون اصلاح التعليم" خول الدولة الاشراف على مراحل التعليم ومدارسه عبر مجلس معارف دائم، ونص على مجانية التعليم، وحق تعيين معلمين من غير رجال الدين، وعلى جعل التعليم ثلاث مراحل: ابتدائية وثانوية وعالية.

اشتمل التعليم الابتدائي، الى العلوم الدينية، على القراءة والكتابة والحساب وحسن الخط، وعلى تأسيس المكاتب الرشدية والاعدادية في المدن الرئيسية (بيروت وطرابلس وصيدا) تدرس فيها القواعد والنحو والصرف والخط والانشاء والتاريخ والجغرافيا والحساب والهندسة. وخرجت تلك المدارس بيروقراطيين كثيرين في بيروت ومدن الساحل، فضلا ً عن مدارس مهنية (مكتب الصنائع الحميدي في بيروت) عنيت بتخريج فنيين وتقنيين.

التعليم العالي (الجامعي) انحصر بداية ً في استنبول بمكاتب طب وزراعة وفنون جميلة ودار معلمين. وسنة 1847 تأسست "وزارة المعارف العثمانية" ففتحت دوائر معارف في الولايات. وصدر سنة 1869 "قانون المعارف العمومية" نظم المدارس في فئتين: عمومية (رسمية) تديرها الدولة، وخاصة تديرها مؤسسات أو أفراد وتخضع لاشراف الدولة.

واشترط القانون حصول المدارس الخاصة على اذن رسمي لقيامها، وفرض عليها اتباع منهج تعليمي تصدق عليه السلطة، وعلى أساتذته شهادات تعترف بها الدولة التي شكلت "هيئة التفتيش والمعاينة" للمراقبة والمتابعة. وسنة 1882 صدر"نظام مجلس المعارف" ونص على فتح مجلس معارف في كل ولاية واقامة شعب له في مدن رئيسة. وسنة 1892 صدر"المنهاج المفصل لمواد وساعات التدريس "لجميع مراحل التعليم.

سنة 1900 صدر نظام امتحانات رسمية جعلها في ثلاث مراحل: "صنفي" (آخر السنة للانتقال من صف الى آخر)، "مكتبي" (الانتقال من مدرسة الى أخرى)، و"ملازمت رؤوس" (الانتقال الى مرحلة التعليم العالي/ الجامعي). ومع مطلع القرن العشرين كان التعليم العثماني انتظم واكتمل، في مدارس من فئتين: رسمية، وخاصة (أهلية وأجنبية). ورافق هذا التحديث انشاء عشرات المدارس والمعاهد والكليات. فأضحت بيروت منذ مطلع القرن العشرين رائدة النهضة التربوية والعلمية والفكرية والثقافية في منطقة شرق البحر المتوسط والعالم العربي، ومركز المطابع ودور النشر واصدار الصحف.

تميز القرن التاسع عشر بنشاط ارساليات تبشيرية مختلفة (كاثوليكية وانجيلية ومارونية وأرثوذكسية وبروتستانتية وغيرها) كانت تتبع دولا ً أجنبية أبرزها فرنسا وأميركا وانكلترا وألمانيا وايطاليا والنمسا واسكتلندا. كانت دوافع تلك الارساليات التبشير الديني المسيحي، لكن وفرتها أدت الى نتائج تربوية ايجابية، فكان تطور ايجابي لمصلحة السكان لأن الارساليات تنافست على فتح مدارس واقامة معاهد علمية لكسب ثقة السكان ورضاهم، وتحقيق مكاسب لها على حساب غيرها من الارساليات.

أحدثت تلك المدارس والمعاهد أثرا ً مهما ً في الحياة العلمية والفكرية بما نشرته من معارف وعلوم جديدة، وبما أقامته من مؤسسات تعليمية حديثة ساهمت في نشر العلم والثقافة في بلاد الشام عموما ً ولبنان خصوصا ً، كما كانت حافزا ً للسكان بانشاء مؤسسات تربوية مماثلة. واحصى كتاب "حصر اللثام" (1895) نحو 330 مدرسة مختلفة الحجم منتشرة في أكثر من ألف قرية في أنحاء متصرفية جبل لبنان.

old2

مدرسة القديس بطرس في بسكنتا بقضاء المتن ويظهر تجمع أهالي البلدة أمامها يوم تدشينها مطلع القرن ال20.