Articles

Art in the press

كتاب تاريخ الأزمنة للعلامة الكبير اسطفان الدويهي البطريرك الانطاكي الماروني

نشرنا في العام الماضي كتابين جليلين عن تواريخ الطائفة المارونية لعلامتنا الكبير البطريرك اسطفان الدويهي المعتبر بحق من أعاظم المؤرخين الشرقيين الذين كتبوا عن الموارنة و جيرانهم التواريخ الممتعة الصادقة،جمعهما من شتات المستندات المبعثرة هنا و هناك و على هوامش الكتب القديمة و على حيطان الكنائس و الاديار و في الابنية الاثرية الباقية، و مهّدنا لنشر هذين السفرين بمقدمتين كبيرتين كاملتي الشروح و الاستشهادات و الاوصاف، و ذكرنا بعض الاعمال التي اتاها هذا المؤرخ الشهير في سبيل الاصلاح و النفع العام و تصنيف التواريخ و الكتب المختلفة المواضيع.

ذلك ان المؤلف المثلث الرحمة كان، قبل أن ينتخب في قنوبين سنة ١۶٧٠، لاعتلاء الكرسي الانطاكي البطريركي الماروني خلفا للبطريرك جرجس السبعلي،كان يطوف في الابرشيات و يختار معاونين ذوي علم و تقوى و يتفحص الكتب و المخطوطات و يصلح ما اوقعه النساخ و اصحاب الاغراض الملتوية من اخطاء متعمدة تشوّه الحقائق، و يبعث جميع العادات العريقة و يرتّبها قدر الامكان،مستندا الى مراجع المؤرخين الصحيحة و مصنفات الآباء من شرقيين و غربيين. فوضع من كل ذلك كتبا متعددة مفيدة سليمة، كالمنائر الطقسية و الفردوس الارضي و الالحان البيعية و الشرطونية و شروحاتها و القداس الالهي و تواريخ الطائفة، و ردّ التهم و المحاماة عن عقيدة الموارنة و غيرها. و كان علاّمتنا يهتم على الأخص بنقل الحوادث التاريخية و يدقّق في ضبطها متمسكا بأذيال الحقيقة و الجهر بالحق مهما كلّفه الأمر،و بهذا تظهر عظمته و حكمته و يبدو سمو عقله و علو مقامه. و من بين مصنفاته المشهورة تاريخ الازمنة الذي نحن بصدده الآن.

و قبل أن نقول كلمتنا في هذا التاريخ تمهيدا لنشره بنصه الأصلي دون ما تصحيح و لا تبديل، نرى لزاما علينا أن ننقل للقراء ما قاله المؤرخون و النقاد عن الطبعة المختصرة التي نشرها العالم الاب فرديناند توتل اليسوعي سنة ١٩۵٠،بعد بذل جهد مشكور في هذا السبيل.قال المونسنيور مخايل الرجي في مجلة المشرق المحجوبة (صفحة ٧٧ و ما بعدها)سنة ١٩۵۴ ما يلي:

«طالما عطش عشاق الآداب اللبنانية الى ظهور مؤلفات البطريرك اسطفان الدويهي و لا سيما كتابه «تاريخ الأزمنة» (و الظاهر انه لا يدعى تاريخ الازمنة، بل المختصر،كما سنرى،وفقا لما سماه الدويهي نفسه في المقدمة). فنشر أقساما منه مضافة الى سواها من كتبه المعلم رشيد الشرتوني،فلم ترو غليل العلماء المدققين لما اعتور النص من حذف و بضع او تصليح او تحوير. و قد تكون ظروف زمانه هي التي لم تؤاته عملا اكمل (تاريخ الطائفة المارونية،المطبعة الكاثوليكية،بيروت سنة ١٨٩٠). و قد انبرى حضرة الاب فردينان توتل اليسوعي لابراز تاريخ الازمنة بطريقة علمية،مستعينا بنسخه المعروفة لديه و عددها ١٢، فأدى للعلم و للتاريخ خدمة يشكر عليها(تاريخ الازمنة سنة ١٠٩۵ م- ١۶٩٩ م، نشره عن اصوله للمرة الاولى الاب فردينان توتل اليسوعي، المشرق السنة ۴۴-سنة ١٩۵٠). و لكن يعزّ علينا الا يكون الكتاب المنشور و قد تمّ طبعه على احسن وجه، يضاهي نشره نصا جماله طبعا.و لسنا الآن في معرض نقده بالتفصيل.و انما نقتصر على الاشارة الى ان فيه عدة اغلاط طبع أو نقل كان من المفروض اصلاحها،و ارقاما في الجداول لا تتفق مع الاصل،و خصوصا قراءات مغلوط فيها، و هي المأخوذة عن النسخ المخطوطة بالحرف السرياني أي الكرشونية،و خاصة المسودة. و قد اتخذ حضرته اساسا لطبعته نسخة بالكرشونية دون ان يخفي صعوبة الأمر... فما كان احرى به العدول و الحالة هذه عن النسخة الكرشونية إلى سواها عربية،و على الاقل،عن هذه النسخة المنخورة المكتوبة سنة ١٧٩٧، و لديه من النسخ اقدم منها و اقرب الى عهد المؤلف و خصوصا الى شخصه.خطها حسن و سهل القراءة كما قال في النسختين الفاتيكانيتين رقم ٣٩۴ و ۶٨٣...و عندنا ان كتاب تاريخ الازمنة لا يصحّ نشره الا عن النسخة الواتيكانية رقم ٢١۵ من القسم السرياني،فهي بخط المؤلف نفسه و قد هذّب و اصلح و زاد و نقص فيها و ارسلها الى روما مع كتب أخرى،على امل أن يطبعها مجمع نشر الايمان المقدس،و هي على حالها قبل ان يتمكن من تبييضها، و كان ذلك سنة ١۶٨۵،صحبة الخوري يعقوب عواد،او سنة ١۶٩۵ صحبة المطران بطرس مخلوف،و الافتراض الاول ارجح. و البرهان على ذلك ما وجد في محفوظات المجمع المذكور من ان مقرره عرض للسادة الكرادلة سنة ١٧۶٧«أن بطرك انطاكية على الموارنة يرجو من هذا المجمع المقدس ان يطبع بعض كتب ارسلها اليه مع موفديه:و هي العهد الجديد و الشرطونية و كتاب الطقوس و تاريخ الازمنة» (خزانة المجمع،المراسلات،رقم ۶٨ ورقة ٩٩)».

و بعد هذا العرض نشر المونسنيور الرجي ثبت الخطاطين في القرن السادس عشر،كما جاء في المسودة بعنوان:«النساخ بهذا الجيل»بينما نقله الاب توتل تحت عنوان: «النساك بهذا الجيل» عوضا عن النساخ،ذاكرا أنه وقع في هذا الغلط لأن للحرفين العربيين ك و خ مقابلا واحدا في الكرشونية هو.فيقرأ ك او خ بحسب المعنى و القرائن...»

ثم نشر الاب بولس مسعد سنة ١٩۵٧، في الاصول التاريخية (طالع المجلد الثالث،ص ۵۶-١۴١) تحقيقا انتقاديا مستفيضا تناول طبعة الاب توتل المشار اليها،مع ذكر المقابلات بين النسختين المطبوعة و الباقية خطا لتأييد كلامه، ننقل منه ما يهمنا ذكره هنا توضيحا للموضوع الذي يعود على القاريء بالفائدة المرجوّة،لأن المقال طويل يتجاوز خمسين صفحة من الاصول.قال رحمه اللّه ص ۵۶ ما نصه:

«اما كتب الدويهي التاريخية فهى سلسلة البطاركة الموارنة و تاريخ الازمنة و المختصر و الاحتجاج،و هي كلها تعدّ من اصول تاريخنا الوطني و الديني...في سنة ١٩۵٠ نشر الاب فردينان توتل اليسوعي ما اسماه«تاريخ الازمنة» (١٠٩۵-١۶٩٩ م) في المطبعة الكاثوليكية لمناسبة مرور ٧۵ عاما على تأسيس جامعة القديس يوسف في بيروت». و قال مستطردا:«لقد ابتهج الجميع لخبر هذا النشر.. الذي سهّل اطلاع العامة على تاريخ الدويهي و لكنه افقد هذا التاريخ الكثير من المعلومات،كما شوّه الكثير مما وضع بين يدي القراء فلفت ذلك انظار المعتنين بتاريخنا،و لقد كنا شرعنا في السنة ١٩۵١ مع المأسوف عليه المونسنيور بولس قرا علي بنشر النص الاصلي لأبي تاريخنا مقرونا بترجمة فرنسية و شروحا باسهاب في الحواشي،ثم اختلفنا و قرا علي. فظهرت بالفعل اربع ملازم نشرت في المجلة البطريركية (سنة ١٣) كجزء اول بقلم قرا علي و الشيخ نسيب وهيبه الخازن (مطبعة لاباتري-مصر) و أرسلت منها نسخة لمكتبة الشرقية للآباء اليسوعيين في بيروت قبل أن ينشر الاب توتل كتابه.و لكن هنا توقف العمل في نشر التاريخ لتكليف جاء من روما الى الخوري قرا علي بنشر كتاب عن علاقة الفاتيكان بالبطريركيات الانطاكية من تاريخ مجمع فلورنسه إلى تاريخ تثبيت المجمع اللبناني الشهير(١۴٣٨-١٧۴١) و قد تمّ طبع المقدمة في ١٠٧ صفحات سنة ١٩۵٢، و هي السنة التي مات فيها المرحوم الخوري بولس قرا علي».

و تابع الاب مسعد في صفحة ۵٧ يقول:«و قد لاحظنا كما لاحظ الخوري قرا علي و المونسنيور مخايل الرجي و غيرنا من العاملين في هذا الحقل،لاحظ الجميع ان ما نشره الأب توتل فيه خلط ما بين تاريخ الازمنة و المختصر (يعني بالمختصر التاريخ المنشور، و بالازمنة التاريخ الذي ننشره نحن هنا)... و عليه فقد رأينا و نحن نعتني بجمع اصول تاريخنا ان نذهب الى روما للمرة الرابعة لنتثبّت من النصوص الاصلية في مصدرها، و عزمنا ان نكمّل بعض النقص في نشرة الاب توتل الى ان تسنح لنا الفرصة لإعادة طبع تاريخ الدويهي بأكمله...».
و في صفحة ۵٩ قال ما يلي: «اجل ان الاب توتل نقل في الهوامش بعض الاحداث عن مسودة بكركي المحفوظة،كما قال لنا الزميل الشيخ نسيب،ضمن علبة تحمل رقم ۴٧ مكرّر من مخطوطات مكتبة بكركي (و هي مكتوبة بالكرشونية على ورق صكوكي قديم و مؤلفة من عدة كراريس متفاوتة الاحجام اغلبها بقياس ١۵X٢١ و قد تهرأت بعض اوراقها لكثرة الاستعمال و اكل زاج حبرها بعض صفحات منها خاصة ۴۵-۵۴،و كانت خالية من الارقام فرقمها الخوري بولس قرا علي و بلغت ٢٠۵ صفحات و كتب على جلدها بخط المطران بطرس شبلي هذه الاشارة:«المسودّة بخط المؤلف») انما نسخة الفاتيكان الكاملة من تاريخ الازمنة فهي اوفى من المسودة.ثم ان الناشر نفسه اعترف في توطئة الكتاب المنشور بأنه قد التبس عليه امر قراءة الاحرف الكرشونية،فاستعان بمخطوطة بكركي العربية التي نسخها الخوري بولس برهوش من قرية ساحل علما في ١۵ حزيران سنة ١٨۵۴.كما انه اعترف ايضا بأنه اعتمد في النشر على مخطوطة الفاتيكان الحاملة رقم ۶٨٣ من القسم العربي و المخطوطة الأخرى الحاملة الرقم ٣٩۴ من القسم السرياني في المكتبة نفسها. مع اننا نرى ان اهم النسخ الفاتيكانية هي النسخة الكرشونية الحاملة الرقم ٢١۵(التي نحن آخذون بنشرها هنا)لأنها الاولى المنقولة عن المسودة المحفوظة في مكتبة بكركي.الا ان الناشر في مقدمته قد حذف هذه النسخة من حسابه لأنها بحالة سيئة تتعذر على العين قراءتها في مواضع كثيرة،كما قال في التوطئة نفسها ص ه‍...».

بعد هذا العرض الذي رأيناه ضروريا جم الفوائد،تنويرا للاذهان و تصحيحا للأوضاع و تأكيدا للحقائق، نورد هنا ما كتبناه بهذا الخصوص في الصفحة الثانية من المجلد الاول الذي طبعناه لعلامتنا الدويهي، و هو كتاب الشرح المختصر (لا علاقة البتة لهذا الكتاب«الشرح المختصر»بتاريخ الموارنة الذي نشره الاب توتل، و يعرف بالتاريخ المختصر كما رأينا،كما لا علاقة له ايضا بتاريخ الازمنة الذي نحن آخذون بنشره هنا،و لذا يلزم الانتباه للتمييز بين هذا و ذاك و ذلك.) في اصل الموارنة و ثباتهم في الامانة و صيانتهم من كل بدعة و كهانة» قلنا:

اما المجموعة الثانية من التاريخ التي وضعها العلامة الدويهي فهي المعروفة عند علماء الطائفة اليوم بتاريخ الازمنة "Annales" و هي كتابان او تصنيفان متمايزان في غالب الاحيان. الاول تصنيف مؤرخ بحسب سني الهجرة الاسلامية،و احيانا المسيحية معا، و هو يتعلق بالتاريخ المدني اذا صحّ التعبير و البيعي ايضا بوجه عام. بدؤه من ظهور الاسلام في سنة ۶٢٢ للميلاد،و انتهاؤه في سنة ١۶٩٩ للميلاد ايضا،اعني سنة ١١١١ للهجرة التي تبدأ في شهر حزيران، و يقال له عند العامة تاريخ المسلمين (كقول المعلم الشرتوني في كتابه المطبوع سنة ١٨٩٠،ص ٩٧.)، و هذا هو المخطوط الكرشوني الفاتيكاني الحامل الرقم ال‍ ٢١۵ من القسم السرياني.

و التصنيف الثاني من هذه المجموعة مؤرخ بحسب السنين المسيحية و هو يتضمن تاريخا كنسيا و مدنيا في بعض الامكنة،بدؤه سنة ١٠٩۵ مسيحية و انتهاؤه في سنة ١۶٩٩ للميلاد،و هذا هو المخطوط الكرشوني المحفوظ في المكتبة الفاتيكانية تحت رقم ۶٨٣،و قد نشره سنة ١٩۵٠ الاب توتل اليسوعي في بيروت بعد مقارنته اياه بعدة نسخ كما جاء في توطئة الكتاب و يدعى كتاب المختصر كما هو مذكور في المقدمة.

أما نحن و قد باشرنا منذ سنين طويلة درس المخطوطات و لا سيما مخطوطات علامتنا الدويهي و طبع جلها ليقف عليها المطالعون الراغبون في التنقيب و اكتشاف مخبآت التاريخ،فلا بد لنا تجاه ذلك من نشر الكتاب الاول من هذه السلسلة السالفة الذكر،على ما يعتور سبيلنا من صعوبات و عراقيل.و بدهي ان الكتاب لم يطبع بعد على ما فيه من مستندات عريقة و وثائق أكيدة و مشاهد حقيقية مؤثرة و أمور كثيرة ما يزال يجهلها بعض المؤرخين و عامة الناس حتى الآن.و طالما سمعنا و رأينا اناسا كثرا من الراغبين في الاطلاع و التفتيش يستعظمون هذا السفر الجليل و يودّون الوقوف عليه مطبوعا دون ان ينهض احد لدرسه و طبعه و ذلك لأسباب متعددة منها وجوده في حالة سيئة و صعوبة قراءته في عدة مواضع، على ما قال الاب توتل نفسه في صفحة ه‍ من التوطئة لنشره التاريخ المختصر حيث قال:

«ان نسخة الفاتيكان رقم ٢١۵ بين أيدينا صورتها الفوتوغرافية و هي بالخط الكرشوني و بحالة سيئة تتعذّر على العين قراءتها في مواضع كثيرة،و فيها تشطيب و تصليح و تعليق...اولها بدء الهجرة و آخرها سنة ١۶٨۶ مسيحية».

و كان الاب توتل قبيل ذلك و هو يتكلم على اهمية المخطوط،قد صرّح قائلا(صفحة ج):«هذا الكتاب جليل و حقيق بأن يعدّ من اصول تاريخ الشرق المعروضة لائحتها للنشر في برنامج النهضة التاريخية الحديثة،كما هو معروف في مجلة المشرق للسنة الاولى (صفحة ٣۶٢)و في تاريخ الغرر الحسان الذي نشره العالمان اسد رستم و فؤاد افرام البستاني».

اجل ان تاريخ الازمنة هذا الذي ننشر لا يتجاهل عاقل عظم الاهمية التي يعلقها عليه المؤرخون و العلماء،فهم يعتبرونه كاحدى الركائز الصلدة في وضع التواريخ الشرقية الحديثة،إذ يبدأ بالفتح الاسلامي سنة ۶٢٢ للميلاد و ينتهي في مطلع القرن السابع عشر أي قبيل افول نجم البطريرك العظيم اسطفان الدويهي،لأنه مات في عام ١٧٠۴. بناء على كل ما تقدم وطدنا العزم على نشر هذا المخطوط الجليل الفائدة نقلا عن النسخة الفاتيكانية رقم ٢١۵ و بالاستناد الى النسخ التالية التي اطلعنا عليها و هي:

اولا: النسخة الاولى تحمل الرقم ال‍ ٣٩۴ من القسم السرياني و هي محفوظة في المكتبة الفاتيكانية بالخط الكرشوني و مكتوبة على ورق عبادي سميك،لا توقيع فيها لناسخ و لا تاريخ ليوم او سنة نسخها،تبدأ بعد المقدمة بسرد حوادث سنة ١٠٩۵ مسيحية و تنتهي بتدوين احداث سنة ١۶٩٩ م، خطها جميل و قراءتها سهلة،يمكن الرجوع اليها عند الاقتضاء في مقارنة التواريخ و الاحداث المدونة فيها و اكتشاف العبارات المطموسة في سائر المخطوطات،عدد ورقاتها ١٣٩ ورقة جاء في آخرها ما حرفيته:

«هذا الكتاب باسم الخوري ميخايل الدويهي و هو من مصنفات المرحوم البطريرك اسطفان»و معلوم ان الخوري ميخايل الدويهي انما هو ابن شقيق البطريرك الدويهي كما اثبت الاب مسعد،حيث ذكر الفروقات التي وردت في هذه النسخة و في الطبعة التي نشرها الاب توتل اليسوعي في صفحة ۶٣ من الاصول التاريخية السالفة الذكر.

ثانيا: النسخة الفاتيكانية التي تحمل الرقم ۶٨٣ من القسم العربي كانت ملكا للعلامة يوسف شمعون السمعاني لأنه كتب بيده بالكرشونية على الصفحة الاولى منها ما نصه: «هذا الكتاب هو للخوري يوسف السمعاني»و باللاتينية على الصفحة نفسها ما مؤداه: «من كتب الخوري يوسف سمعان السمعاني الحصروني الماروني تقدمة من سيادة المطران سمعان عواد الحصروني رئيس اساقفة دمشق الكلي الاحترام صحبة الاب بولس اسرائيل الراهب الماروني المنتمي الى رهبنة القديس انطونيوس الكبير الذي شخص الى دير الرهبان في رومية في اليوم ١٨ من شهر كانون الاول سنة ١٧١۵ م». عدد اوراق هذه النسخة ١٢٠ ورقة من الصنف العبادي و هي مجلدة على ورق غزال و بحالة جيدة و مكتوبة على عمودين.

جاء في آخر صفحاتها ما حرفيته:«في سنة اعي(أي سنة ١٧١٠)مسيحية كملت هذه التواريخ على يد الشدياق يوسف بن حبقوق من قرية بشوعله(بشعله)المحروسة في تسعة ايام مضت من شهر نيسان المبارك،و كان ذلك بأيام سيدنا المفضال و رئيس الرؤساء المتعال البطريرك يعقوب عواد الحصروني،الرب يزيد عمره امين». و جاء بعد ذلك بخط آخر ما يلي:«وجه تحريره هو اني انا القس سمعان عواد الحصروني قد وهبت هذا التاريخ المبارك إلى ابن عمي القس يوسف شمعون الملفان المكرم.و قد كتبنا له ذلك لأجل البيان و منازعة كل انسان،تحريرا في ايلول سنة اتشيا رباني(اي عام ١٧١١ م)صح صح».و يلي ذلك ختم المكتبة الفاتيكانية ثم نقرأ بالعربية:«الحقير شمعون الحصروني رئيس اساقفة دمشق،و ختمه. ثم هذه العبارة:«و كان ذلك في رئاسة قدس قداسة سيدنا و عمنا البطريرك مار يعقوب المحترم و في السنة و نصف من رياستنا صح».

و نقرأ باللاتينية على الصفحة الثانية من المخطوط وصفه بقلم العلامة السمعاني نفسه،و في الورقة الثانية هذه العبارة المكتوبة بالقلم العربي: «هذا الكتاب المبارك هو برسم القس يوسف شمعون الملفان المكرم و قد أوهبه اياه ابن عمه القس سمعان عواد،و كان ذلك سنة الف و سبعماية واحد عشر ربانية.ثم باللغتين اللاتينية و الكرشونية يقرّر الكاتب ان الكتاب انما هو ملك السمعاني».

و يتناول هذا المخطوط سرد الاخبار و الحوادث من سنة ١٠٩۵ م إلى سنة ١۶٩٩ كالنسخة الاولى،و خطها جميل ايضا واضح و قراءتها سهلة.و قد بسط الاب مسعد الفروقات بين الكتاب المنشور و سائر المخطوطات، في صفحة ۶١ فصاعدا من الاصول التاريخية،فنحيل القاريء اليها.

ثالثا: نسخة ثالثة في خزانة مكتبتنا الخطية برومية تحت رقم ٧۵ كانت مفقودة فعثرنا عليها حديثا.و هي مكتوبة بالخط الكرشوني البيعي الخالي من كل تشطيب و كشط و اعوجاج في الكتابة،تجلوها العين بسهولة أولا لجمال الخط و تناسق حروفه و سواد الحبر،و ثانيا لتسطير ارقام السنين بالاعداد العربية المعروفة بالهندية مما لا يدع مجالا للحيرة و التفتيش عن فك الاحرف الابجدية،و ثالثا لكون الاخبار آخذا بعضها برقاب بعض تنسيقا و تدوينا دون عودة عن السطر أو توقف عند نهاية الخبر،و لكن استعمال الحبر الاحمر هو الدليل على الانتهاء من تدوين الخبر و الابتداء بخبر جديد.

و هذا المخطوط المحفوظ بحالة جيدة غير مرقومة صفحاته،و لكني وضعت لها ارقاما جديدة لمعرفة عددها فهي ٢۶۴ صفحة،و كل صفحة مكتوب عليها ٢۴ سطرا محشوا حشوا،تنتهي الصفحة الاخيرة بهذه العبارة الدالة على اسم المالك و تاريخ نسخها و هذا نصها حرفيا: «صح انا متى شهوان قد قرأت هذا التاريخ و وجدت فيه غلطا ليس بقليل قد جرى من الناسخ الذي نسخه على مصروفي في سنة ١٨۵٣ م صح».

و قد قابلنا تواريخ النسخة التي نشرها الاب توتل بتواريخ النسخة الحديثة التي وجدناها فظهر ان هذه المخطوطة الاخيرة انما هي أكمل و اضبط من سائر النسخ التي اعتمدها الاب توتل في طبعه كتاب المختصر،بل احسن لفظا و معنى،نورد مثلا على ذلك ما سطرناه في الحاشية رقم ۴٨ التي نشرناها في آخر هذا الكتاب،و نزيد قائلين: «انك تقرأ في مطلع النسخة الحديثة فعل«استصوب»ورد صحيحا فيها بينما تقرأه مغلوطا فيه هكذا في النسخة المنشورة:«اسطصوب» بالطاء.و كذلك فعل«بيع»المجهول الصيغة،كتب صحيحا في نسختنا هذه بينما في الكتاب المطبوع مكتوب بصيغة الفعل المزيد همزة في اوله اي«ابيع».و علاوة على ذلك نجد في الكتاب الذي نشره الاب توتل مقاطع كثيرة ساقطة في الطبع او مفقودة بينما نراها محفوظة في النسخة التي عثرنا عليها و غير ذلك امور كثيرة و فروقات عدة تفصل بين النسختين.

و الجدير بالذكر ان هذه النسخة الحديثة يدعوها مؤلفها العلامة الدويهي«بالمختصر»تمييزا لها عن تاريخ الازمنة الذي عمدنا الى نشره هنا لكبر أهميته و عظيم فوائده.و هذا الاسم«المختصر»وارد في مقدمة الكتاب في مطلع الصفحة الثالثة منه حيث تقرأ:«و اما نحن بهذا المختصر نقتدي بتاريخ السيد المسيح كونه مواسطة بين تاريخ آدم و اسكندر الكبير اللذان تقدماه،و بين تاريخ الشهداء و الهاجرة اللذان تخلفا بعده...»و ورد أيضا هذا الاسم في عنوان الكتاب نفسه حيث يبتدي بالبسملة و بعدها مباشرة بالعبارة المكتوبة بالحبر الاحمر و هي:«نبتدي بعونه تعالى و حسن توفيقه بنسخ مختصر التواريخ المرتبة من سعيد الذكر البطريرك اسطفانوس الدويهي الهدناني، و ذلك نقلا عن النسخة المحررة بخطه بالكرشوني صح صح».
و لكتاب المختصر هذا قيمة كبيرة لأنه منقول مباشرة كما رأينا عن النسخة الاصلية التي اطلع عليها المؤلف نفسه و هو اكمل و اوضح كما بيّنا اعلاه.

رابعا: النسخة الاخيرة التي بين ايدينا تحمل الرقم ال‍ ٢١۵ من القسم السرياني و هي مجلدة برق غزال و مكتوبة بالخط الكرشوني، و لا مقدمة لها بل تبدأ الصفحة الاولى منها بما يلي:«قال أبو جعفر...»و هذا اول الكتاب.و في هذه النسخة تشطيب و تصحيح و تعليق و حذف و زيادات على الهوامش و في المتن،مما يدل على ان يد المؤلف قد اعملت في النسخة اليراع مرارا و تكرارا،طلبا للصواب و رغبة في الوصول الى الحقيقة الناصعة،كما نرى فيها احيانا كتابات غير مقروءة بل يتعذر على العين قراءة حروفها لكون زاج الحبر طمس معالم الكلمة أو نخر السوس في بعض كلماتها.

فهذه النسخة الكبيرة الاهمية التي لم تنشر بعد،عقدنا العزم كما قلنا على نشرها محاولين بفضل المقارنات و المطالعات في النسخ المذكورة الوقوف على ما غمض منها و قد تمكنّا بعونه تعالى بفضل المجالدة الطويلة و قضاء الساعات في استقراء الحروف و مقابلتها بغيرها مستعينين احيانا بالكتاب المطبوع و المؤلفين القدامى كما سنرى.

و اليك الآن ايها القاريء الكريم علاوة على ما ذكرناه وصفا دقيقا لهذه المخطوطة الفاتيكانية رقم ٢١۵ مع بعض الملاحظات في هذا الشأن امعانا في ادراك الحقيقة:

اولا: ان مخطوطة«تاريخ الازمنة»المحفوظة في المكتبة الفاتيكانية تحت رقم ٢١۵ من القسم السرياني تبتديء بسرد الحوادث و الاخبار المختلفة منذ الفتح الاسلامي سنة ۶٢٢ للميلاد حتى سنة ١۶٩٩، متناولة الديار المصرية،على حد تعبير المؤلف،و البلاد الفلسطينية و السورية و الفراتية و جبل لبنان و بلاد الترك و العجم و الفرس و ما إلى ذلك من البلدان الاخرى كما سيأتي ذكرها. و مخطوطتنا هذه مرقمة بالورقات دون الصفحات،من القطع الكبير المملوء،و طولها ٣۴ بعرض ٢۴ سنتيمترا،محررة كلها بالخط الكرشوني و فيها على الهامش و في خلال الاسطر أحيانا بعض الكتابات و الارقام باللاتينية،و لا تاريخ لها في مطلعها و لا في ذيلها بسبب نقص لحق بها في الصفحات القليلة الاخيرة، و ليس عليها اسم المؤلف و لا الناسخ و لا القاريء شأن كثير من المخطوطات التي تحمل اسماء او القابا ذرية ينسبها الناسخ او المؤلف الى نفسه كصفة الحقارة و المسكنة و ارتكاب الزلات و الجهل طالبا ممن يقرأ نعمة الغفران و المسامحة و ما أشبه.

و ليس على نسختنا هذه اسم واضعها البطريرك الدويهي،انما العلامة يوسف السمعاني قال انها له بعد اجراء المقارنة بينها و بين سائر النسخ المحفوظة حتى الآن.و الخط الذي استعمله الدويهي و المرقوم على الهوامش يؤكد ذلك دون ما ريب البتة.و علاوة على ذلك نكرر القول ان نسخة بكركي هي المسودة و نسختنا هذه هي الاولى بين النسخ المنقولة عنها كما مرّ بنا.

ثانيا: على ان هذه المخطوطة ناقصة في آخرها بضع ورقات لأنها تصل في سرد اخبارها و حوادثها الى عام ١۶٨٧ مسيحية فقط، بينما المخطوطات الثلاث الاخرى تنتهي في سنة ١۶٩٩.و الكلام في هذه الفترة الوجيرة يدور كما نتحقق من مضمون النسخ الباقية و الكتاب المنشور،حول هزيمة الاتراك في حربهم مع المجر،و تحريك الفتن بين امراء لبنان،و ارهاق الناس بالضرائب،و حول وفاة آخر الامراء المعنيين و استشهاد الشيخ يوسف البشعلاني و استنجاد باشا طرابلس بالامير بشير الشهابي لتهدئة الخواطر و تأديب العصاة.و معلوم ان اخبار هذه المشاهد المذكورة لا يستلزم سردها اكثر من خمس ورقات وفقا للخطة التي انتهجها علامتنا الدويهي في وضع تاريخه هذا المشهور و كما يبين من سائر النسخ المحفوظة.

كما ان هذا المخطوط ناقص في اوله عند الورقة الثالثة منه سبع ورقات،و هي متروكة بياضا ضمن المخطوط دون أن يسجل عليها الناسخ شيئا البتة.بعدها يواصل الكاتب سرد الاخبار و الاحداث التي جرت في السنة الثلاثمائة للهجرة(اي سنة ٩١٣ م) ،و قد عيّنها المؤلف نفسه هكذا بالرقم اللاتيني على الهامش حسب عادته كما ألمحنا إلى ذلك قبلا.

و حتى لا تبقى هذه الفترة من الزمن شاغرة من تدوين اخبارها و احداثها،اعتمدنا تاريخ العلامة و المؤرخ غريغوريوس ابن العبري الذي كان من جملة المؤرخين المشهورين الذين استند اليهم علامتنا الدويهي في وضع تاريخه هذا. و لا عجب من ذلك فان كل من يطالع هذه المعلومات التاريخية الوجيزة في هذا الكتاب سيكون مرتاحا اليها و مكتفيا بها،و تبقى المواضيع المشروحة مستحكمة الحلقات جامعة الروابط بين مختلف اجزاء التاريخ.

ثالثا: ان الورق الذي سطر الناسخ عليه هذا السفر الجليل انما هو من النوع الجيد لكن حبره سيء بسبب ما أضيف اليه من مواد كيماوية فعطّل الورق و طمس الحروف و اكل بعضها و جعلها غير مقروءة في بعض الاحيان حتى صعب على العين تمييزها و قراءتها. اما النسخة التي عثرنا عليها في ديرنا بروما فهي اجلى و اوضح و احسن خطا و ترتيبا،انما هي مختصرة كما قلنا اعلاه،و كذلك النسخة التي طبعها الاب توتل اليسوعي فهي أحسن حالا من نسختنا الآخذين بطبعها،و خطها جميل ظاهر و قراءتها سهلة لكنها كما لا يخفى لا تتناول حوادث الشرق و أخباره من الفتح العربي الاسلامي سنة ۶٢٢ نظير مخطوطتنا رقم ٢١۵ الفاتيكانية بل منذ قدوم الصليبيين الفرنج سنة ١٠٩۵ إلى الشرق،و لذلك لم نعتمدها كأصل في نشر تاريخ الازمنة بل كمرجع فقط نستعين به وقت الحاجة القصوى لاكتشاف ما غمض فهمه و امحى آثره.و يا حبذا لو كان الاب توتل اطلع على النسخة المحفوظة في ديرنا بروما لكان وفّر عليه تعبا جزيلا و جاءت طبعته وافية كاملة.

رابعا: ان تاريخ الازمنة الذي قام الدويهي بوضعه بعد ما قضى عدة سنين في البحث و التنقيب و المطالعات،يجب اعتباره دائرة معارف واسعة الاطلاع عميقة الغور تجمع بين دفتيها مختصرا منسقا لاخبار و اعتبارات و حوادث جرت في الشرق على مدى أحد عشر قرنا متواصلا،ابتداء من سنة ۶٢٢ للميلاد حتى سنة ١٧٠٠ تقريبا، و هذا ليس بالشيء اليسير طبعا،و كما جاء في المقدمة(ص يا):
«ليس الغرض من هذا التاريخ البنيان التاريخي عن التصميم الظاهرة فيه الوقائع مع علاقاتها بالزمان و المكان و بالنسبة الى الشخصيات البارزة فيها حكاية لذيذة و عبرة قريبة المنال بل هو الالمام بأهم ما يتوجّب على الاديب الشرقي معرفته من حياة جدوده السياسية و الاجتماعية و الدينية،و لست ادري هل ظهر قبل الدويهي من وضع كتابا مختصرا شاملا كاملا مثل كتابه هذا؟!».

خامسا: اما لغة هذا المخطوط(رقم ٢١۵)التي تداولها علامتنا الدويهي فهي ركيكة احيانا مسايرة للعصر الذي يكتب فيه، و فصحى احيانا اخرى لاتخاذه القصة المروية عن مصدرها الاصلي المعلوم دون اعمال التغيير و التصحيح في كلام قائلها.فكان الدويهي اذا عرّب تاريخ غليلموس الصوري اللاتيني أو غيره من المؤرخين القدامى برزت في ترجمته العربية الركاكة في الالفاظ و العبارات و سوء انتقاد الكلمات و تبيّن الاصل اللاتيني او الفرنجي،و اذا استشهد بابن الحريري او بابن العبري او سباط او الاثير او الفداء او بغيرهم من المؤرخين العرب أتت لغته بليغة محكّمة التركيب،دقيقة التعبير، جميلة الاسلوب، لكونها منقولة عن هؤلاء المؤرخين المشهورين.على انه اذا تكلم على تواريخ المماليك و الاتراك و من انتسب اليهم اخذ من كتبهم الاصطلاحات الأعجمية في ذكر الوظائف و الالقاب و تعداد الاسماء المختصة بهم و آلات الحرب و كل المتعلقات بحروبهم.و اما اذا عمد الى تدوين اخبار بلاده العزيزة و لا سيما المقاطعة الشمالية الحبيبة الى قلبه فهو يستعمل الكلمات المتداولة في ذلك العصر و تلك الجهات اللبنانية و سائر معاملاته المتباينة علما و عمرانا و تمسكا بأهداب الدين.

و اننا نجد في صفحات هذا التاريخ أغلاطا كثيرة تتعلق بقواعد الصرف و النحو و الاملاء و بطريقة وضع التنوين و استعمال المنصوبات و المرفوعات و التذكير و التأنيث و التنقيط مما لا يقتضي لمعرفة كل ذلك اجهاد فكر و امعان عميق.و قد تركنا كل شيء على حاله،شأننا في كل ما نشرناه من مخطوطات،ما عدا اوضاع الهمزة و الشدّة و المدة و العناوين و النقط فوق بعض الحروف و ما الى ذلك من الامور السهلة الادراك كما نبّهنا.و اذا رأينا اسبابا ملحة لوضع تفسير او شرح او زيادة او ملاحظة عمدنا عندئذ إلى وضع ذلك بين معكوفين تمييزا للكلام الذي نزيده عن كلام المؤلف،وفقا للتقاليد المرعية الاجراء عند الباحثين،أو جعلنا ذلك في حاشية منفصلة عن الكتاب في آخر الصفحة أو في آخر الكتاب اذا كانت الحاشية تستدعي كلاما مستفيضا كما سترى.

سادسا: و قبل الاقدام على النشر و الوصول إلى هذه النتيجة، اخذنا النسخ المختلفة التي ذكرنا و درسناها و بعد الوقوف على مميزاتها، قسمناها الى فرعين متقابين حسب تصنيفهما:فرع يتناول اخبار الحوادث منذ بدء الهجرة الى سنة ١۶٩٩ للميلاد،و آخر يتناولها منذ قدوم الصليبيين إلى الشرق حتى ايام المؤلف الأخيرة تقريبا. و بعد اجراء المقارنة بين النصين تبيّن لنا ان النسخ بفرعيها لا يختلف بعضها عن بعض كثيرا الاّ في مواضع معلومة بل يطابق بعضهما بعضا تطابقا حرفيا في امور كثيرة.و هذه ملاحظة نراها جديرة بكل انتباه و تقدير،لأن كثيرين ممن كتبوا في هذا الموضوع قالوا ان النصين يتمايزان تماما،حتى انهم دعوا نصا بتاريخ الاسلام و آخر بتاريخ المسيحيين،مما لا ينطبق تماما على الحقيقة التي اراد الدويهي نشرها،و من اجرى المقارنة بين النصين اي بين المختصر المطبوع و تاريخ الازمنة الذي نحن جادون الآن بطبعه يتحقق تماما صدق كلامنا دون أدنى صعوبة.

سابعا: اما المصادر التي تناولها علامتنا الدويهي ابتغاء الوصول الى معلوماته الصادقة في وضع مؤلفه التاريخي الجليل فهي كثيرة و متباينة و قد عدّدناها في الصفحة الثانية من كتاب الشرح المختصر للعلامة الدويهي الذي طبعناه في العام الماضي،نقلا عن ترجمته التي وضعها له المثلث الرحمة المطران بطرس شبلي(ص ٢٠٧)،و سيادته نقلها بالتفصيل عن المسودة المحفوظة في خزائن بكركي الخطية، و تشتمل هذه المسودة على عدة كراريس و اوراق متفرقة و متفاوتة الحجم و الطول و العرض تشغل اكثر من ثلاثمائة صفحة،و نشرها ايضا الاب توتل في كتابه المطبوع(ص ۴٩)على الوجه التالي:

«الكتاب الثاني الذي يتكلم عن إمارة الغرب التنوخي الذي بدؤه سنة تسعماية و سبعة و عشرين للهجرة الى سنة تسعماية و اثنتين و عشرين(اي ١١٣٢ الى سنة ١۵١۶ م)فيحتوي و الحالة هذه ولاية اربعمائة سنة من ملوك دمشق و مصر و الترك و امارة الغرب التنوخي. و كتاب دوحة الازهار الاسحاقية يبتدي من بدي المهاجرة الى سنة واحد و ثلاثين و الف للهجرة.تاريخ قطب الدين اليونيني اربعة مجلدات...تاريخ مرآة الزمان مبسوطة بنحو ثلاثين مجلدا كبيرا. تاريخ المختصر في اخبار البشر لابن ايوب.تاريخ القاضي شمس الدين خليقان.عيون التواريخ للشيخ المؤرخ صلاح الدين محمد بن شاكر الكتبي.تاريخ المسعودي.تاريخ الكاتب جرجس بن العميد النصراني. تاريخ حمزة ابن سباط و ابن الحريري.تواريخ غليلموس مطران صور اللاتيني من دخول الفرنج الى بلاد الشام... تواريخ لوريدان عن ملوك قبرس الخ».

ثامنا: إحاطة بموضوع هذا التاريخ الهام من كل جوانبه،ننقل الى القراء الكرام ختاما لكلمتنا في هذه التوطئة،بعض ما ذكره العلامة الدويهي في تاريخه المختصر الذي عثرنا عليه في مكتبتنا الديرية بروما عن غرضه في تأليف هذا التاريخ،قال بعد الحمدلة في مقدمة الكتاب ما حرفيته:

«لما خرجنا سنة ١۶۶٨ م إلى افتقاد الرعايا الذين أوتمنا على زيارتهم لئلا نهدر باطلا الزمان الذي يفضل عن الارتشاد استصوبنا التقاط بعض اخبار تخصّ هذه البلدان المقيمين بها من الكتب التي نقف عليها و قصدنا الابتداء منذ بدي الهجرة لكون الاب الطاهر يوحنا مارون تملك الكرسي الانطاكي في سنة ۶٨۵ لربنا،فاعتمدنا و جمعنا اخبارا شتّى من تواريخ اصحاب ذلك العصر.و لكن حين تأملنا غالب الاخبار تنسب الى الامم الغريبة و التي تخصّ هذه البلدان زهيدة و غير مرتبة على توقيع السنين،فاقتصرنا عن ذكرها و جعلنا مبتدا هذا التاريخ من سنة ١١٠٠ للتجسد الالهي لكون بالقرب من دخولها كان استيلاء الفرنج على سواحل هذه البلدان...».

هذه معلوماتنا عن هذه المخطوطة الفاتيكانية ذي الرقم ال‍ ٢١۵ من القسم السرياني ذكرناها هنا اسهاما في تبيان الحقائق التاريخية و تسهيلا للمطالع في ادراكها دون تعقيد و غموض.