Muhammad Al Maghut

أيقونتا دمشق - مسرح المدينة 23 حزيران 2006 - جوزيف حرب

أيقونتا دمشق - مسرح المدينة 23 حزيران 2006 - جوزيف حرب 
(توفي محمد الماغوط، وعبد السلام العجيلي، ودفنا، في يوم واحد)

1

بين قبرين أنا الآن. سلاما  أيها 
القبران. اني أي ميت فيكما قد زرته، 
بعضي أزور

لم أودع غير اجزائي. فكلي لم يعد في الأرض كلي. وطريقي أصبحت معروفة اني اذا سرت. فمن قبر الى قبر.

أسير 
أيها العمر ابتعد عني قليلا . انني 
قبل مماتي امتلأت مني 
القبور

2

وفتحت قبرك يا عجيلي المتوج 
بالمحابر، لم أجد أحدا  سوى كفن 
له لون الضباب

لا مريمات، 
ولا ملائك، 
لا، ولا قمر توشح بالسواد، وراح يرسل دمعه الفضي حتى صار طيفا  من هلال، ثم ذاب 
ما بين قمصان الحقول ندى ، وغاب

ما من عجيليً هنا! لا شيء موجود 
سوى أن التراب

يدري بأنك يا عجيلي المتوج بالمحابر، 
قد أتيت من التراب كما الجميع أتى، 
ولكن، لن تعود الى التراب. 
وسألت عنك الدمع. لم تجب الدموع! 
سألت عنك جنازة شيعت فيها. لم يكن في النعش 
قالت. قلت: يا ليل الغياب رأيت في الموت 
العجيلي المتوج بالمحابر، بين من دخلوك؟ 
لم يجب الغياب! 
وسألت قافلة  لبدو الغيم: "هل في الركب أو ما بين رحلك العتاق، سليل من حرسوا الفرات، وزينوا بالصيف هارون الرشيد، 
وخيلهم من ضمر الريح المسومة العراب؟ 
وخيامهم للضيف نيران، وأيديهم سحاب؟

ولهم جبين شامخ، حر، شآمي، 
وفي أعماق أعينهم صقور، أو حراب؟

بالأمس مات، ولم أجده بقبره. 
لم يلتفت في الركب بدو الغيم نحوي. 
الرمل غص. الغيم أمطر، والصدى يعلو نخيلا  رافلا . 
لكأنه هذا النخيل الآه بينهما عتاب.

ومضيت أسأل. لم يجبني الخبز، والكرسي، والسماعة الملتفة الدقات بالأحزان. زرت القبر مرات لعلي واهم. لكنني لما أجد. 
الا التراب! الا التراب! الا التراب! 
لم يبق غير دمشق أسألها. دمشق 
الهة الصهوات قارئة الزمان، السدة الأعلى. ومن 
هذي الجهات الأربع الحمراء جدران لها. والقوس من غار، ومن سيفين، 
باب، والزرقة الفيحاء سقف 
أو قباب، 
لم يبق غير دمشق أسألها. فدلتني. 
مضيت، وكان أدركني المسا، فاذا العجيلي المتوج بالمحابر، والرؤى الخضراء، حي في كتاب.

3

بين قبرين أنا الآن. سلاما  أيها 
القبران. اني اي ميت فيكما قد زرته 
بعضي أزور 
لم أودع غير أجزائي. فكلي لم 
يعد في الأرض كلي. وطريقي أصبحت معروفة 
اني اذا سرت. فمن قبر الى قبر. 
أسير أيها العمر ابتعد عني قليلا . انني قبل مماتي امتلأت مني القبور

4

افتح – سألتك يا محمد- تحت أجفاني 
يديك 
وأجلس قليلا  قرب هذا الدمع، كي أبكي عليك. 
فاذا تبقى لي لكي أشتاق 
انسان، فلن أشتاق يا زين المحابر مرة الا اليك.

5

... وأتيت مطرودا  من الأبواب. لم 
يفتح بوجهك غير باب السجن، واستجوابك الدموي، 
والمنفى. ولم يفتح يديه لكي يضمك غير باب الدمع. 
ليس لديك في الدنيا صديق غير شاهد قبرك المكسور، 
أو جنازك الآتي الى المقهى لكي تتحدثا عن راحة الموتى. 
وأبواب. ومطرود من الأبواب. 
حتى النوم قد طردوه عن باب الوسادة. 
والرغيف الخبز مطرود فمي من قمحه. كل الزوارق صوتها في الريح: 
مطرود، ومطرود، ومطرود، ومطرود من المجذاف. في هذا الجبين. 
ويا حصى الحسرات في نهر أقيل من المياه. مزين بالجمر 
يا عيد الرماد. وليس لي خيط ليرفأ بي قميص الجرح 
يا بجع العشية. لا بحيرة لي. وبي كفان أم 
هذي صحارى؟! كم سأحتمل الخيانة بعد ؟ كل 
مقدس في كف لص. كل سارية لراية أمة في كف حطاب. وكل نشيد شعب مالح في كف مذبحة. 
توكأ يا محمد. هذه العكاز. سر نحو الضريح. 
ولا تخل لنا وراءك غير أجراس من اللعنات 
تقرع في الرياح من المحيط الى الخليج. ولا تخل 
لنا وراءك غير صلبان يوشحها الدخان 
على الخرائب. 
لا رجال هنا وراءك بل لصوص. 
والنساء صعدن في رقص المراثي. انما عفن لدينا لا تراب. 
والغمام يرى على جسد الهواء كبردتي برص. 
ما من سكر فينا يذوب وليس مرا . 
طالع شجر الحقول كأن حمالين قد رفعوا على أكتافهم أكياس دفلى يا محمد. 
كم صرخت بوجه هذي الأمة: اشتعلي. قفي. ليس النحاس بركبتيك لتركعي. 
وجبينك العالي، هو العالي لتشرب منه فضتها الكواكب. 
انما قد جئت حتى تنتمي روحي اليك. وليس كي أحيا بعارك. انني مصلوبك. التفتي كمريم. آمني أني القيامة. عشت فيك نبي شعبك. 
لاحقوني كالكلاب أنا الغزالة. ثم ألقوا حرم قاضيهم علي. وحطوا صوتي كناي أنكرته أصابع الرعيان. ما هذي الشعوب؟! أقول: نادتك الشموس الى ملاعبها، فتغفو. وانهضي، نادتك ريح البحر، تخلع موجها عنها. 
وأهتف: اذهبي للخيز، تبعد عن سنابله مجاعتها، وللحرية، افتتحي بنهديك الرماح، فلا تفوح زر نهديها لغير القيد كي يمتص حلمتها. 
اضفري للحب اكليل البنفسج، لا ترى في كل قامتها بنفسجة. 
ألا يا أمتي ارتاحي بقبر خالد لا تستحقين القيامة منه. اني لاعن الرحم التي قد جئت منها، ان تركت اللص. 
والحوذي، والقرصان، يقتاتون ما زرعت يدي، أو يشربون دمي الذي شمت بوردته الرياح في الفق رائحة الجراح. 
واذا لهذي الأرض من شمس، فان دمي هو الشمس التي ستطل حاملة لأمتي الصباح.

6

ومحمد يضحك 
ومحمد يبكي. 
ومحمد يجد النبيذ وسيلة في الأرض كي يمر اليوم. 
فالأيام باتت لا تطاق، فانها العكاز. 
والشيخوخة الملأى اقترابا  من مجيء الموت. لا امرأة. 
ولا جسد. ووهم كل شيء. ليت حين أموت أحرق 
لا أوارى. لم أفكر مرة بالقبر الا أنني حي به. كفن، 
تراب في سواد، واهتراء. أيها الدود الذي سأصيره 
يا ليتني في الأرض لم أولد. واني خائف. فلأعترف 
بالخوف. اني خائف. بالله ساعدني قليلا  يا نبيذ. 
يا لفافاتي أراني في رمادك حين تنطفئين. اني خائف. 
يا ليتني لما أزل ولدا  أعد الحور. أغرق قامتي في الريح. 
أستف الطحين. أرى الصحارى موغلات موغلات في المدى 
الرملي. أكتب بالعصا مثل الرعاة قصيدة تدعى القطيع. 
أسوق في الصبح الطيور الى حقول التين. 
كنت أظن ان 
لرحلتي في الأرض قصة ذلك العنقود، من كرم العريش 
الى النبيذ. فاذ بوجهي راية للدمع. كفي خيمة للجوع. 
قلبي غابة ملأى بسرو للمرارات الطويلة. رقبتي البيضاء 
ممسحة الحذاء العسكري. 
ولدت عند مداخل الصحراء، آلمني 
امتداد الرمل، قلت: لو انني نخل وواحات وماء. غير 
أني يا دمشق رحلت ملتجئا  اليك، فلم أجد فيك سوى 
الصحراء. قلت: لارتحل نحو العواصم. لم أجد فيها سوى الصحراء 
والصحراء، والصحراء، 
قلت: احمل نخيلك للصحارى. طاردت جسدي الرمال. 
جلدت مثل الخائن الوطني. لاحقني الخراب. ولم أجد عطشا  يعادل منتهى عطشي سوى عطش المسيح على الصليب، وغير ما في كربلاء مع الحسين. 
ورفعت معترضا  يدي، فعدت مقطوع اليدين.

7

ألويل للأمم التي قبضاتها مكسورة. 
وظهورها نبتت بها خضر العصي. وروحها تأتي وتذهب فوقها الممحاة. 
يا يا عرب الفجيعة، كنت يوحنا، وصوتي كان في برية لا في مسامعكم. وكنت ديوجين، لكن، لم أجد رجلا . 
كنت نبي دين الحبر في أوطانكم بغير الحب والحرية 
المسكية الشفتين، والخبز المدور مثل نهد الأقحوانة. يا نبيذي اجلس قريبا  من كآباتي. تعالي يا أزقة. 
واقرعي يا حانة الأجراس لي. يا شارع الخلعاء توجني عليك. 
ويا رصيف اذهب وجئني بالحفاة من الرفاق. 
لسوف أصنع من جبين السادة النجباء أحذية لهم. 
ولنبد في الأعناق راي سيوفنا. ولنعط للريح انقلابا  ضد من صنعوا الخريف لنا.
تسكع أيها الوطن الفقير معي. 
ووزع ما بأسمال الغيوم السود فينا من مناشير العواصف. 
فاض فينا العار والعهر. انغلقنا كالخزانات التي عفنت بها راياتنا. 
يا حبر، لا وطن، ولا قمح، ولا قمح، ولا امرأة، ولا حرية. ماذا تبقى 
كي نحب نشيدنا الوطني؟ والتاريخ؟ والقومية الممدودة الأيدي على حصوات قارعة الطريق؟ وكيف أعطي رايتي دمي الغريف؟ 
وليس تخفق بين أضلاع الهواء لغير من صلبوا على كتفي جناح الأسئلة! 
ولغير من قطعوا يدي على مجاذيف السنين المقبلة 
ولغير من ألقوا بعنق السنبله في الجوع تحت المقصله

8

لما أجد أحدا  من الشعراء قد عشق الحياة كما عشقت. رسمت راهبها. خفرت بنايها. وقرعت أجراس البنفسج في مغامض ديرها. وهتفت: 
انك لي. 
ولن أدع الشموع تضاء الا في غروبك، والبخور يطوف الا في قميصك، والنبيذ يصب الا روق زنار لخصرك؛ 
والمساء البجعي الا عيد نهديك الذي ألبست فيه فمي البياض؛ 
وليلة المشتاق الا طول شعرك؛ والخزامى 
الهف يعلي العنق الا تحت راني نقلتي قدميك. يا قديستي في الأرض. يا وطني لهذا العمر. يا عشقي لئلا 
يا حياة أموت. 
وامتدت يداك الى الحياة. فجن مغتصبو الحياة. هتفت: هذا حق اني جئت. وامتدت يداك الى الحياة. فجن من كانوا لصوصا . أو طغاة ، أو مشعبذة  ، وتجارا ، وكهانا . هتفت: الأرض لي. 
لا شيء لك. والقمح لي. 
لا شيء لك والورد لي. 
لا شيء لك والعرش لي؟ 
لا شيء لك. والله لي. 
لا شيء لك. لا شيء لك لا شيء لك . 
وهتفت: يا فقراء، يا كل المساكين، الجياع، امتعين، ويا جميع العائدين من الجراح، المقبلين من المجازر، أيها المطرود من قوس القضاة، الذاهبون عبارة  
رميت لممحاة السجون، العابرو جسر المرارة، والذين توزعوا 
دمع الأزقة، والرصيف، وحانة الحسرات، فلننهض الى حق لنا في القمح، والقبلات، والعصفور، والأعياد، والغرف السعيدة، والخزامى، والغناء، فانها قد كونت معنا 
بأرحام النساء، وانها سرقت، وانا ذاهبون الى أكف لصوصها لنعيدنا منهم. 
وقادوا صوتك العالي الى جلادهم: 
لاشيء لك 
ألقوا عليك القبض مرتديا  قميص مسيحنا: 
لا شيء لك 
لا شيء لك. 
ومضوا، فلم نمسح جراحك. 
لم نمد أكفنا كي ننزل المصلوب عن دوياته. 
خنا دمك 
خنا فمك. 
لم نعط زينب أي منديل، ومريم 
أي يوحنا. اختبأنا كالجبان. وكلنا في الصبح أنكرناك. 
انا غيمة لا تستحق الملح. ها اني وحيد يا محمد ذا المسا، 
ابكي علي متى أنا أبكي عليك. 
ارنو الى جرحي صليبي في يدي 
تقطر الدم منهما، فأرى يديك. 
ما زال لي وقت لأصلب يا محمد مثلما 
صلبوك فوق غروب بواباتهم، فاذا انتهوا، أمضي اليك.

9

هذي النصوص الوحي فيها. أم أباريق المدام؟ 
نوم هي الأوراق أبيض، والرؤى فيها منام. 
وتظن في الجمل الرشاقة وردة تجري على حدي حسام. 
لغة لدين البرق، قد ملئت عجائب. 
مثل أشكال مصورة على قلق الغمام. 
اجلس قريبا  يا محمد من فمي، حتى أقبل حبرك العاري كخصر طالع من جلنار. أو لكي أصغي الى حف البيارق فوق خاصرتي دمشق، 
وألمح العصفورة الحمراء قد غطت على خوخ العبارة في الدواة، 
وألمس الكلمات قد قامت كليعازار من قاموسها، 
وأدور مثل الزار حول الدهشة الكحلية الايقاع، 
أو ألقى الكتاب كأن ماء النهر مفتوح، وقارئة الشجر. 
وارى الحروف كأنما في المد زنبقة، 
وجري البسط حقل، أو بتدوير لنون أو لهاء 
ياسمين او قمر 
وأرى الحجر قد صار غيما  في يديك على البياض، 
وراح ينزل من أصابعك المطر.

10

انهض قليلا  يا محمد كي أودعك. 
السواد الآن لا يكفي. ولا يكفي البكاء على ليالينا العتاق. 
انهض قليلا  مثل رمح أخضر، لأضم 
فيك شهيدي الممتد من أعماق أرز المغرب 
الأقصى، وتاج النيل، أو عيني فلسطين، ورايات الشآم، وجمر زيتون الجنوب، 
الى مواويل العراق. 
والله له ناديت باسمك، لانثنى هذا 
المدى الصافي صدىً، 
والأفق ضاق. 
خذ ما تبقى من نبيذ. انما لولاك 
هذا الكرم لا أبقى معاصره، 
ولا دمه أراق. 
وانهض قليلا  كي أعانق صاحبي. 
أواه ما أقسى العناق. 
هو ليس يأتي يا محمد من سنين العمر 
الا عندما ياتي الفراق. 
بين قبرين أنا الآن. سلاما  أيها القبران. 
اني أي ميت فيكما قد زرته، بعضي أزور.
لم أودع غير أجزائي. فكلي لم يعد في الأرض كلي. 
وطريقي أصبحت معروفةً. 
اني اذا سرت، فمن قبر الى قبر، أسير.
أيها العمر ابتعد عني قليلا . انني قبل مماتي امتلأت مني القبور.