Youssef El Howayek

الرائد المنعزل يوسف الحويك

(EN-AR)

ولد يوسف الحويك في 9 آذار 1883 ، في قرية حلتا المنفيّة في أقصى جرود قضاء البترون، لعائلة مسيحية أعطت الرهبانية المارونية العديد من أفرادها. كان جده مخايل كاهناً، وكذلك عمه الياس الحويك الذي أصبح بطريركياً للطائفة المارونية، ومؤسس دير راهبات العائلة المقدسة في عبرين، التي انضمت اليها عدد من شقيقاته. كان والده سعد الله الحويك موظفاً في الدولة ارتقى الى رتبة عالية في عهد المتصرفية.

ظهر ميله للرسم منذ صغره، ولا بد أنه رسم ونقل في هذه المرحلة صوراً للقديسين بالاضافة الى أنه رسم أفراد عائلته، ومنهم والدته وجدته. درس في مدرسة مار يوسف البرج في عينطورة – قضاء كسروان، ومن ثم في مدرسة الحكمة في بيروت حيث جلس على مقاعد الدراسة مع جبران خليل جبران الذي ولد في عام ولادته نفسه. أرسله عمه البطريرك الحويك الى روما لتعلم الرسم حوالي عام 1908. وربما كان هدفه أن يرجع الشاب يوسف الى لبنان ويتبع خطى داوود القرم ( 1852-1930) في رسم صور القديسين وصور الشخصيات الكبار، وخطى حبيب سرور ( 1860-1938) الذي رسم له صورته.

إلتحق يوسف، على الارجح، بمعهد للفنون الجميلة في روما حيث تعلّم اصول الرسم والتلوين وتشكيل الطين وقولبة الجفصين. وبقي قريباً من أوساط الرهبان والراهبات اللبنانيين في روما، والمدرسة المارونية فيها التي احياها عمه وأدار شؤونها مدة سنتين قبل أن يصبح بطريركاً عام 1899 . وغير مستبعد أن يكون قد تعلّم اللغة الايطالية منهم، ورسم لهم صور القديسين.

مع جبران في باريس

سافر يوسف الحويك الى باريس في أوائل عام 1909 ليلتقي برفيق صباه جبران خليل جبران (1882-1921) ويترافقا طوال سنتين ويرسما مراراً معاً. تردد على محترفات الرسم العامة ليرسم المثال العارية التي دخلت لاحقاً أعماله النحتية لتصبح موضوعه المفضل. رسم خلال فترة وجوده في باريس (1909- 1910) عدداً من اللوحات الدينية منها " صورة العذراء مريم ام السبعة آلام" ، و " المسيح في بستان الزيتون" قدمهما لراهبات المحبة، أخوات شقيقاته في خدمة الله. تتميز هذه الفترة من حياته بالوضوح بسبب الذكريات التي استروتها منه الاديبة إدفيك جريديني شيبوب، بين عامي 1952- 1957 ونشرتها في مجلة " صوت المرأة"، ثم في كتاب " يوسف الحويك، ذكرياتي مع جبران".

يبرزلنا يوسف الحويك، الشاب في السابعة والعشرين، من خلال قلم إدفيك شيبوب : " ويوسف المستقيم الجسم المشرق العافية يحب المرح البريء وعِشرة الناس. يتناول الحياة من دروبها السهلة، سخي الكف ليس للمال عنده قيمة. لا يابه إن عمِر الكون أو خرب .. يبدو في الظاهر أقرب الى اللامبالاة، لكنه في الواقع يشغل فكره حتى الألم... أبداً تواق الى استطلاع النجوم وما وراءها : يدوّن ملاحظاته وانطباعاته الخاصة لنفسه ولا يهمه في شيء عرفه اناس أو لم يعرفه".

كان اهتمام يوسف الحويك منصباً على الرسم أكثر منه على النحت . وقد لفته جبران كما نقرأ في ذكرياته، اذ قال له : " انك حتماً نحات خير منك رسام... دونك النحت...تخصص بالنحت!". وفي مكان آخر : " في رأيي أن تتمرن على النحت... في الشرق العربي لا يوجد نحات... ستكون أول نحات..." . وقد ذكر الحويك في الرسائل المتبادلة بينه وبين النحات ميشال بصبوص، التي حققها الشاعر رياض فاخوري في كتابه " النفس الطاهرة" : " إن جبران هو الذي حرّضني على النحت بقوله : يا يوسف، الشرق بحاجة الى نحّات".

التحول الى النحت

لا بد أن يوسف الحويك تحوّل الى النحت بعدما تركه صديقه جبران في باريس في أواخر عام 1910، لأن جبران سأله في كتابه المؤرخ في 19/1/1911 في معرض سؤاله عن أشغاله، " ما هي الرسوم التي صنعتها في غيابي؟" ، ولم يأت على ذكر النحت. وخلال وجود جبران في باريس ، لم يظهر الحويك أي اهتمام بالنحات رودان الذي تأثر به، لاحقاً، بعض الشيء، والذي كان جبران يستميت للتكلم معه. ومع أن الحويك مارس التشكيل بالطين في هذه الفترة، حتى إن أحد أصدقائه قال عندما زاره " هذا محترف للنحت أكثر منه للتصوير". ولا بد أن الحويك عمل كثيراً في حقل النحت بعد العام 1910 مباشرة. نجد في لبنان عدداً من المنحوتات الكبيرة المؤرخة في العقد الثاني من هذا القرن قد يكون أقدمها تمثال مار الياس في بلدة عبرين المنحوت حوالي عام 1913، وعدداً من حوريات البحر والعاريات والوجوه المؤرخة بين 1915 و1920 حيث يظهر فيها أسلوبه الشخصي مكتملاً.

لم يمكث يوسف الحويك طويلاً في لبنان بعد عودته حوالي عام 1911. إشتعلت الحرب العالمية الاولى، فسافر في أوائلها الى روما ثم باريس. ولا بد أنه رجع الى لبنان قبل انتهاء الحرب لأننا نجد له منحوتة لرأس قرينه شارل كتانه غير مكتملة، قيل إنه نحتها في بيروت عام 1917. غير مستبعد أنه كان في لبنان عام 1916 عندما نفي والده الى انقرا. ويصعب القول انه لم يلتقِ مع عمه البطريرك عام 1919 في باريس بعد الحرب عندما ذهب الاخير على رأس وفد لبنان لمؤنمر السلام في باريس. إختلاف الاتجاهات السياسية في العائلة الواحدة تظهر واضحة. كان والده سعد الله الحويك ذا نظرة قومية واسعة رأى في الثورة العربية (1916) نقطة تحول رئيسة في تاريخ المشرق العربي. أما عمه البطريرك، فقد قبل بالانتداب الفرنسي ولكن بحدود لبنان الكبير. كان فكر يوسف الحويك السياسي أقرب الى تفكير والده. أخذ موقفاً سلبياً من الانتداب الفرنسي، وتعرّف إلى فيصل بن حسين ورافقه الى متاحف باريس وكان دليله فيها. وقد انتهت هذه المرحلة برجوع فيصل الى الشرق ليصبح الملك فيصل الأول ملك العراق عام 1921.

دعي في عام 1921 للاشتراك في معرض الفنون في السرايا الصغير في ساحة النجمة في بيروت. كان النحات اللبناني الوحيد بين الرسامين مصطفى فروخ ورشيد وهبي وغيرهما. لبّى الدعوة وجلب معه من باريس منحوتتين من الرخام الابيض من حجم كبير لعاريتين مستلقيتين (مجموعة موريس جاك تابت). رجع بعد المعرض مباشرة الى باريس. ثم عاد بعد وفاة عمه البطريرك (1931) وصمم ضريحه، وصنع تمثالاً من البرونز له في الحجم الطبيعي (1934) اضيف الى الضريح في دير عبرين- قضاء البترون.

ليوسف الحويك عدد كبير من الاعمال في دير راهبات عبرين في عبرين. نجد في باحة الدير تمثال مار الياس (رخام – حوالى عام 1913). وفي الكنيسة، له بالاضافة الى جداريتين كبيرتين والمذبح الكبير وضريح البطريرك حويك، تمثال من البرونز للبطريرك راكعاً (1934) وتمثال العائلة المقدسة، وامرأة تتضرع، وراهبة راكعة تصلي. وله في مدرسة السيدة لراهبات ديرعبرين في بيروت رأس المطران حويك من الحجر وعشر جداريات تغطي أغلب جدران الكنيسة.

أقدم يوسف الحويك على الزواج بتسرع من امرأة ايطالية ذات لقب دوقة ولكن ليست ميسورة الحال. عاش معها مدة تقل عن السنة. إضطر أن يهجر زوجته الحامل في شهرها السادس عندما تيقن أن استمرار عيشه معها غير ممكن بوجود الاختلاف الشاسع في الطباع وطرق التفكير والتربية. كان على يقين أن ليس باستطاعته الحصول على الطلاق في الكنيسة الكاثوليكية وبخاصة بممانعة عمه. إستمر في تحمل واجباته المالية تجاه زوجته وابنه حتى بلغ ابنه سن الرشد وأصبح محامياً. وقد التقى ابنه مرة واحدة عام 1952 عندما زاره في عورا.

سبعة وعشرون مضت على وفاة شيخ نحاتي لبنان، وما زالت أعماله غير معروفة. لم يقم متحفنا الوحيد، كما لم يقم ورثته، بأي بادرة حتى الآن تجاه فنه. لم تجمع المعلومات عن أعماله المبعثرة في كل الانحاء، ولم يعدّ له معرض استيعادي للتعرف به، ولم تنشر أي دراسة عنه. عاش يوسف الحويك مغموراً وما زال بعد موته مغموراً. وبقي تأثيره في النحت والنحاتين بعد وفاته ضئيلاً، كما كان أثره خلال حياته الطويلة محدوداً. لم يلاقِ يوسف الحويك التشجيع من المثقفين ولا من الدولة. بعد ثلاثة أعوام من وفاته أزيل نصب الشهداء الحجري من ساحة البرج في بيروت. وهو العمل الوحيد الذي طلبته منه الدولة، واستعيض عنه بنصب برونزي للنحات الايطالي مدزاكوراتي لا يمتّ لاجواء البلد الثقافية والوطنية بصلة.

قال عنه جبران خليل حبران في رسالة الى ماري هاسكل: " ان الحويك ليس رساماً عظيماً، وقد لا يصبح ذلك قط. وهو ليس كاتباً عظيماً ... غير أن روحه روح فنان عظيم".

العودة الى لبنان

عاد يوسف الحويك الى لبنان ليستقر عام 1939، ولما لم يكن لديه مكان للعيش والعمل في بيروت، عرض عليه الشاعر شارل داوود القرم أن يستعمل تخشيبة في الحديقة الخلفية لمنزله، إحدى التخشيبات التي كانت تستعمل مخزناً قطع غيار سيارات فورد التي كان القرم وكيلها حينئذ في لبنان. إستعان في هذه الفترة في نقل بعض تماثيل الجفصين الى الحجر بعدد من النحاتين منهم حليم الحاج. وقد عرض في جناح لبنان في معرض نيويورك الدولي عام 1939 عملين كبيرين أحدهما حورية البحر.

ترك يوسف الحويك بيروت في أوائل الخمسينات لينزوي في بلدة والده عورا القريبة من مسقط رأسه حلتا في قضاء البترون. قرر أن يعتزل حياة المدينة ويعيش حياة تقشف بعيداً عن ميسوري بيروت، السطحيي الثقافة، الذين لم يقدّروا أعماله حق قدرها، فبقي بينهم أقرب الى الصنائعي منه الى الفنان. وقد ألقت إدفيك جريديني شيبوب أضواء على حياته في محاضرة القتها في النادي الثقافي العربي في بيروت عام 1963. شكّل بالجفصين، في هذه العزلة، العشرات من التماثيل اغلبها صغير. وقد يكون العمل الكبير الوحيد الذي صنعه في هذه المرحلة تمثال السيدة العذراء من خشب الجوز (1954) الموجود في كنيسة سيدة لبنان في حريصا. وقد منحه رئيس الجمهورية كميل شمعون ميدالية الاستحقاق اللبناني عام 1956 لعمله الرائد في حقل النحت.

توفي يوسف الحويك في 21 تشرين الاول 1962 عن 79 عاماً في المستشفى اللبناني في بيروت، بعدما تدهورت صحته وفقد سمعه وضعف نظره وفقد الرؤية من إحدى عينيه. كان قد اضطر الى الانتقال الى حارة صخر في جونيه والعيش مع اخته محبة ريشا منذ أقعده المرض عام 1958.

تراثه الفني

في رسالة بالكرشونية كتبها في السادسة والسبعين من عمره الى ميشال بصبوص قال : " ... الفن أنا لم أجن فيه – مع الاسف!. ولا قمت بواجبه حق القيام ...والآن قد فات الآوان...".

لم يكن يوسف الحويك في طبعه طمّاحاً مثل صديقه جبران ليهدف بأعماله وتصرفاته الى الشهرة والجاه والمال، ولم يكن صاحب رسالة فنية أوقف حياته لنشرها، بكل الوسائل، رغم عدم مبالاة ورفض مجتمعه مثل مصطفى فروخ، ولم يكن الفن هاجساً دائماً ينام ويستيقظ معه مثل الكثير من الفنانين. كان الفن له موهبة نمّاها وأعطاها الكثير من وقته، غير أن مجتمعه لم يتقبّل أعماله، ولم يشهد له كفنان ويكافئه ليتمكن من العيش من فنه. كان فنه مثل بقية نشاطاته الفكرية والثقافية، مثل المطالعة والترجمة والكتابة، عمل فوقاني عقلاني لا صلة له مع عالم المادة. حسّه لتحصيل معيشته كان ضعيفاً بشكل واضح. لم يسلك طريق المعركة وفضّل الهرب على المجابهة، والانزواء على الكفاح. أخذ هذا المنحى مراراً خلال حياته، لذلك نراه في سفر دائم لم يعرف الاستقرار إلا شيخاً في عورا.

جاء في " ذكرياتي مع جبران" في معرض تعريف بنفسه " جئت الى باريس من روما لكي أتمرن... على ما يروق لي ... فن التصوير والنحت... علم الفلك... والحياة...". وروى أن جواب صاحبة زميله كان : " هذا شيء مبهم يا سيدي، من الضروري أن يكون للانسان غاية واضحة في الحياة. يسعى وراءها بنشاط...". وذكر بلسان صديق واصفاً توجهات يوسف : " يخيل اليّ أنه يهرب من الفلوس كأن بينهما عداوة! فهو بدلاً من الاهتمام بأشغاله الفنية فتدرّ عليه المال، يذهب ويتلهى بدروس عقيمة لا طائل تحتها: تاريخ الانسانية، تطوّر التمدن، علم الفلك، فلسفة الاديان، وهل في الكون أشياء أقل فائدة مادية من هذه الدروس؟".

ليس من الانصاف تقييم أعمال يوسف الحويك من خلال أعماله القليلة المعروفة لأنها، بالأغلب، لا تمثّل جميع أعماله. لا نكاد نعرف من أعماله في غربة عقدين من العمر في روما وباريس شيئاً. أما أعماله في موطنه، فهي مبعثرة في المجموعات الخاصة وفي كنيستي دير عبرين وبيروت. نعرف بوجود عدد لا يزيد عن المائة منحوتة في لبنان، دزينة منها رخام وثلثها حجر والبقية برونز وجفصين. مجموعة الفنان أغلبها جفصين ما زالت مهملة في منزله في عورا.

ليس مستغرباً أن يكون فناناً محافظاً في منحاه الفني، تقليدياً في رؤياه. فهو ابن عائلة محافظة، عاش في بيئة محافظة، وتعلّم الفن في ايطاليا في العقد الاول من هذا القرن حين كانت روما لا تزال تستلهم الفن الكلاسيكي، وتوظفه في نظامها الاكاديمي الجامد لتعطي أفضل ما عندها في المدرسة الكلاسيكية الجديدة.

لم يتأثر خلال إقامته الاولى في باريس بالفنان الشيخ رودان الذي كان قد خضّ باريس بثورته على المنهج الاكاديمي. لا شك أنه اعتبره فوضوياً مثل بقية الفنانين المحدثين الذين رفضوا قيود الماضي ومقاييسه. تقبّل، لاحقاً، بعض أعمال رودان المخضرم الرخامية والحجرية، ولكنه قطعاً رفض أعمال البرونز التي ميّزت أسلوبه. رأى في الفنانين المحدثين مثل بيكاسو وبرانكوزي وآرب زمرة تخبىء جهلها بالفن. وكان على يقين بأن إقبال الجمهور على الفن الحديث لن يدوم ولا بد أن يعاد الاعتبار في المستقبل للفن الكلاسيكي.

عندما رجع الى لبنان وجد أن المهتمين بالفن قلّة فلم يحاول إكثارها. وعلى الرغم من حماسته الدائمة للكتابة، لم يحاول نشر آرائه لتعليم بني قومه الفن كما حاول مصطفى فروخ. لا بل راى أن لبنان، الصغير بمساحته وعدد سكانه، لا يحتمل أكثر من نحات واحد، فثابر على عمله بانزواء حتى يحافظ على " سر المهنة" كي لا يبرز له منافس. عمل على منحوتاته دائماً في الخفاء، ولم يكن يدعو الفنانين الى مشاهدته وهو يعمل في تشكيل الجفصين الذي كان يفضّله على الطين. يذكر النحات حليم الحاج أنه طلب منه أن يعلّمه قولبة الطين عندما كان ينفذ له أحد الأعمال عام 1939 بالحجر في حديقة شارل القرم. ضحك الحويك ولم يدعه للدخول الى مشغله، ولكنه جلب كمية صغيرة من الطين وشكّلها خلال دقائق بشكل وجه حليم مظهراً له براعته، ثم هرسها بين أصابعه وأعادها الى الداخل.

قال يوماً رداً على سؤال، لماذا لا يعلّم الفن؟ : " إن الناس الجدد يشوّهون الفن ، أعتبر أن الفن الحديث يشوّه جسم المرأة المقدّس لذلك فهو ليس فناً، بل ثورة على الفن والجمال".
في رسالة الى ميشال بصبوص من سرير مرضه، عام 1959، كتب مقّيماً عمله: " أنا لم أعلّق أهمية كبيرة على ما عملته في حقل الفن... كان بوسعي أن أعمل احسن مما عملت، وإني أفهم الآن بالتمام الاسباب التي حالت دون اهتمامي الجدي بذلك. فاسدل عليها ذيل الكتمان والنسيان...".
عرف الحويك بعد فوات الاوان لماذا لم يعط الفن من نفس اكثر مما أعطى، ليحقق أقصى امكاناته، غير أنه فضّل ألاّ يبوح بها لأحد.

أعماله

قام يوسف الحويك برسم اثنتي عشرة جدارية في كنيسة مدرسة سيدة عبرين في بيروت وهي تغطّي أغلب جدرانها، وجداريتين في الكنيسة الصغيرة في دير راهبات عبرين في عبرين. موضوعات هذا الجداريات تشكل وقفات رئيسة في الايمان المسيحي، ومشاهد تقليدية في الفن الكنسي عبر العصور. " الطبيعة" موجودة بشكل قوي في أغلبها. نشعر فيها بحسّ واقعي يناقض روحانية المشاهد. يؤكد واقعية المشاهد قربها لطبيعة لبنان، ويلفتنا أن أغلب القديسين والاشخاص في هذه الجداريات يرتدون ثياباً قروية قريبة من الزي اللبناني التقليدي البسيط. يؤكد هذا الاتجاه الفولكلوري تصوير البيوت القروية وجرة بيد امرأة. أسلوب عمله الطبيعي فيه واقعية ساذجة. لولا وجود هذه الجداريات في الكنيسة لظهرت لنا بعيدة عن أجواء الايمان ولا تحمل معها نفساً روحياً. لم تعكس هذه الاعمال حسّ فنان مؤمن، ونتسائل اذا كانت تثير في المؤمنين مشاعر تتناسب وموضوعاتها.
رسم يوسف الحويك بالزيت والألوان المائية والبستيل وقلم الرصاص في بداياته الفنية وطوال حياته حتى مرضه الأخير، حيث كان يرسم بقلم الرصاص وهو طريح الفراش. أغلب أعماله تمثل مناظر طبيعية في لبنان، وأوعية فيها زهور وقرويات وعاريات. وأسلوبه مختصر قليل الخطوط والتفاصيل، ملوانته قليلة الالوان، تميل الى الانطفاء. اضواؤه محدودة. وظلاله خفيفة، ويشوب أغلب أعماله سكون الحركة.

نعرف للحويك اثني عشر عملاً في الرخام. إثنان منها في دير عبرين. أحدها يمثّل العائلة المقدسة، والآخر يمثل مار الياس. وهما عملان تقليديان. أما الأعمال الأخرى في المجموعات الخاصة، فهي لحوريات البحر وفينوس وعاريات مضجعات ورأس امرأة حالمة. قد تكون هذه التماثيل أفضل أعماله لما فيها اتقان في الصنع، وحسن تناسق ودقة في المقاييس. لا شك أن هذه الأعمال تبقى تزيينية همها الوحيد نيل الاستحسان لجمالها الكلاسيكي. لا نجد في اغلبها بصمات أسلوبه الخاص الذي يظهر جلياً في الحجر. فقد محت نعومة الرخام آثار إزميله وتركته دون توقيع مثل أغلب تماثيل القديسين في الكنائس.

وللحويك أيضاً عشرات الاعمال في الحجر، أغلبها رؤوس ونساء وعاريات. أكثرها موقّعة وغير مؤرخة. نجد في هذه الاعمال آثار إزميله التي تشكّل توقيعه الشخصي. كثيراً ما يروق له في تنفيذ الرؤوس بالحجر، صقل الوجوه وتركها تبرز من الصخرة التي ثقّفها إزميله دون ان يخفي طبيعتها. هنا يترك الضوء يلعب على تضاريسها وكأنها الستارة في الفن الكلاسيكي، فيعطيها بعض مميزات أسلوب التركيب والاضافة ومصبوبات البرونز. وكثيراً ما نجد خطوط التقاء المساحات ذات القماشة المختلفة تخسر حدتها بتنقيط ضربات الازميل ذي الطرف المروّس. لاعماله هذه وجود ترابي بعكس أثيرية أعمال الرخام وعمومية شخصيتها. نجد فيها نبضات يد الانسان. يلفتنا التفاوت في دقة استعمال الازميل لاستخراج الشكل النهائي في بعض الاعمال، ونتسائل إذا كان الفنان لم يستكمل رؤيتها في الحجر.

إشتغل يوسف الحويك منذ بداياته في صنع التماثيل المدارية بالجفصين. وعندما أقعده المرض استمر في العمل بحفر الميداليات، بالاضافة الى الرسم بقلم الرصاص. لا نعرف لماذا فضّل التشكيل بالجفصين على الطين. هل كان ذلك لتفضيل الحفر والحذف من الكتلة على تقنية التركيب والاضافة، أو لميله الى العمل بالمادة الناشفة، أو هل مال لاختصار الوقت والوصول الى صب البرونز بأقصر طريق، أو لأن مادة الجفصين تشبه في لونها لون الرخام، فتتميز في أعين مشاهديها البرجوازيين عن لون الطين الذي يذكّرهم بأواني الفخار القروية وبالعمل اليدوي البخس القريب الى التراب.
نجد في أعمال الجفصين، ايضاً، تفاوتاً كبيراً في إخراج العمل. ويبقى المنهج هو نقل الطبيعة بثباتها دون إدخال عنصر الزمن والحركة فيه. لذلك نجد ميل العديد من الأعمال الى الجمود، ويبقى موضوعه الرئيسي العارية في حالاتها المختلفة.

أهم عمل صبّ بالبرونز للحويك، هو تمثال عمه البطريرك بحجمه الطبيعي راكعاً يصلي على ضريحه. ونعرف له قطعة واحدة فقط من الحجم الصغير موقّعة ومؤرخة عام 1955.

أما بقية أعمال البرونز التي نعرفها وعددها اثنا عشر، فكلها غير موقّعة أو مؤرخة، والأرجح أنها صبت دون إشرافه، أو بعد وفاته، ونشك أنها تمثّله أفضل تمثيل.

مقتطفات من كتاب النحّات في لبنان لسيزار نموّر، منشورات دار الفنون الجميلة ، بيروت، 1990.

main[1]_1
Martyrs' Statue by Youssef El Howayek