Omar Abdul Rahman Onsi

بيروت تتذكر الفنان التشكيلي اللبناني الكبير عمر الأنسي البيروتي

في ذكرى وفاته الـ 51 في مثل هذا اليوم
جمعية تراثنا بيروت تتذكر الفنان التشكيلي اللبناني الكبير عمر الأنسي البيروتي.

ولد عمر بن عبد الرحمن عمر الأنسي عام 1901 في تلّة الخياط ببيروت. والدُه الطبيب عبدالرحمن الأُنسي، وجَدُّه الشاعر عُمَر الأُنسي. في العام 1918 بدأ دراسة الطب في الجامعة الأميركية غير أن نبوغه في الرسم جعله لا يتردد في العزوف عن الطب ليتفرغ للفن. سافر عام 1922 إلى عمّان لتعليم الملك طلال (جد العاهل الأردني عبدالله الثاني) اللغة الإنكليزية، لتمتد إقامته هناك خمس سنوات، قضاها وهو يرسم عالم الصحراء بكل ما يتضمنه ذلك العالم من مشاهد ساحرة وهبته القدرة على تمييز الأشكال والألوان التي لا تُرى بيسر.

أقام أول معرض فردي له وكان بعنوان “في القدس” عام 1927. لوحات ذلك المعرض هي حصيلة ما أنجزه في سنوات رحلته الأردنية. في العام التالي سافر الأنسي إلى باريس ليدرس الرسم في أكاديمية جوليان وهناك التقى بالنحات اللبناني يوسف الحويك رفيق صبا جبران خليل جبران وزميله في دراسة الفن بباريس. كان الأنسي محظوظا بلقائه الحويك الذي وهبه بعض المفاتيح الفنية لعاصمة النور، حيث كانت المدرسة الانطباعية هي سيدة العروض من غير منازع. وبمساعدة من الحويك أقام الأنسي معرضا لرسومه في باريس.

عام 1930 عاد الأنسي إلى بيته العائلي في تلّة الخياط وصار يقضي وقته في رسم المشاهد الطبيعية مقتفيا أثر رسّامي الانطباعية الفرنسية الذين تأثر بهم. فكانت لوحاته التي صور من خلالها عين المريسة وشاطئ الأوزاعي وأحياء من بيروت بأزقتها الضيقة وبيوتها العتيقة تجسد طريقته في التسامي بالنظر الواقعي تماهيا مع شفافية العاطفة، وبالأخص أنه غالبا ما كان يلجأ إلى الرسم بتقنية الأصباغ المائية، وهي تقنية لا تقبل الخطأ أو الإعادة.

تزوج عمر مرتين. الأولى حبيبته التي التحقت به إلى بيروت عام 1933 لتفارق الحياة بعد سنتين، والثانية وقد كانت فرنسية هي الأخرى التقاها في افتتاح معرضه الشخصي عام 1938. عبّرت يومها عن إعجابها بفنه واقتنت إحدى لوحاته، من غير أن تدفع ثمنها (25 ليرة لبنانية) فاتفقا على أن يكون التسديد بالتقسيط. بعد سنة من ذلك اللقاء تزوجا ليعيشا معا حتى وفاته عام 1969. كان معرضه الذي أقامه عام 1964 في غاليري “ون” الذي أنشأه الشاعر يوسف الخال وزوجته الرسامة هيلين هو تحية وداع ووصية استثنائية، من جهة ما انطوى عليه من خلاصات فنية.

قال عنه أمين الريحاني سنة 1940: في لوحات الأنسي قريةٌ مقفيّة عند باب البادية، يقدِّمُها بأُسلوبه الموجَز البليغ في شطحاتٍ من ريشته تَـجْمع بين قلبَين: قلبِ الطبيعة وقلبِ الفنّان، فترقص الشمس أَمام بيوت القرية وتتوهَّج الجدران بوهْج الـحُبُور.

وفي لوحات الأُنسي غزلانٌ سائرةٌ في البادية، جميلةٌ وديعةٌ ناطقةٌ بإرْثها الصحراويّ، حتّى لتخشى، وأنتَ تدنو من اللوحة، أن تَثِبَ الغزلان منها وتفُرَّ هاربةً منك. أمامها أحسستُها تتحبَّبُ إليّ وتغازلني.

وفي لوحة الأُنسي للحديقة أَمام بيته، فَنٌّ وفتنةٌ معاً، تتجلّى فيها المحاسنُ الثلاث: المتانةُ والتنميقُ والخيال وتمزج ريشتُه أَلوان البادية الغبراء بذَوَبَانِ أصفر ولُـجَين من معدن الهجيرةِ والفجر، وتشربها وَفْراً من النور".

وقال الفنان التشكيلي الراحل أمين الباشا عن الأنسي “لنجرّب للمرة الأخيرة الماء والزهور والصخور، المرآة، الرجل، الطير، الغزال، التفاحة، الدار، الحديقة، الساقية، النبع، البحر، الشاطئ، الجبل، الأزرق، الأصفر، الأخضر، البني، الأصفر، الليلكي، الحب، البغض، السلم، الحرب، الشرق، الغرب، الأمل، اليأس، الحب، الحب، الحب…. عمر الأنسي”.

و للفنانة والباحثة التشكيلية الدكتورة السا غصوب، التي كان عمر الانسي موضوع رسالتها لنيل شهادة الدكتوراة، تناولت فيها جرأته وخجله في آن وفلسفته في الحياة والفن، وجرأته في تناول مختلف الموضوعات التي كانت تشكل للبعض موضع شك ولغزا في الحياة، عن الجنة والموت والحياة الاخرى والايمان والمغفرة.

في العام 1967 أصيب الأنسي بِـمَرض صعْب في معدَته أَقعدَهُ عن العمل إلاّ في فتراتٍ متقطّعة وقليلة.

توفي في مثل هذا اليوم 3 حزيران سنة 1969 بعد وَهْن صحَّته وانقطاعه أَشهراً مريرةً عن زيارة محترفه. وكرمته بلدية بيروت بان اطلقت اسمه على احدى حدائقها العامة، مع تمثال له يتوسط تلك الحديقة، في منطقة السرايا بوسط بيروت .

المصادر:
- كيرستن شيد. "Necessary Nudes: Hadatha and Mu'asira in the Lives of Modern Lebanese" (لوحات العراة الضرورية: الحداثة والمعاصرة في حياة اللبنانيين الحداثيين)، مجلة دراسات الشرق الأوسط العالمية، العدد 42، 203 ـ 230.
- عمر الأنسي الانطباعي الذي انتقل من الصحراء إلى بحر لبنان لفاروق يوسف. صحيفة العرب 2016/06/26.
- ندوة مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأمريكية LAU بتاريخ 15حزيران 2016.
وانظر:
- صلاح ستيتية. "Le Jardinier des apparences" (جنائني الظواهر)، بيروت: مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، 1985
- جوزيف فالوغي، "الفنان عمر الأنسي"، أطروحة دبلوم، الجامعة اللبنانية، بيروت، 1978.