Naim Yazbek

نبذة عن حياة الأديب نعيم يزبك

في قرية حصارات وعلى بعد سبعة اميال من بيبلوس جبيل مركز القضاء ومهد الحضارات والديانات,ابصر نعيم يزبك النور سنة 1919,في كنف حي عرف بإسم الوعرة نظراً لوعورة وقساوة طبيعية الأرض فيه من صخور ورِجَم . تَرعرَع في ربوع القرية وفي بيته الوالدي الوادع الهانىء
.
والدهُ شهوان طنوس حنا يزبك كان مختاراً للضيَّعة والدته مريم الحويّك من حصارات ايضاً...

وفي جوِّ بيته الابوي يقول:

" خُلقتُ للشعر أستوحي روائِعَهُ     من جوِّ بيتٍ كحدِ السيفِ مسنونِ
ما غيرُ شيطانهِ يوماً يجرِّبني       أعوذُ بالله من شرِّ الشياطينِ "

تلقَّى علومه الأولى في الضيعة على يد المعلمين نجيب ابي عبدالله من عبادات ويوسف ابي رزق من غلبون القرية المجاورة لحصارات . وبعدها انتقل الى المدرسة الوطنية في عمشيت لصاحبها الأديب المرحوم أديب لحود ومن ثمَّ إنتقل الى مدرسة الفرير للأخوة المريميِّين في جبيل. نظم الشعر وهو بعد في سن الرابعة عشرة .

ومن مدرسة الفرير إنطلق الى الحياة وبدأ حياته المهنية كمعلم للغة العربية في مدارس عدة : درَّس مع الأب ديلور اليسوعي في بشعله قضاء البترون وفي مدرسة بير الهيت قضاء جبيل التي كان يشرف عليها الخوري جبرائيل سعيد. ودرَّس أيضاً في معهد سيدة ميقوق للرهبنة اللبنانية المارونية نيفاً وعشرِ سنوات وانتقل منها سنة 1954 الى معهد الاخوة المريمين في جبيل ليبدأ مشواره الطويل مع تلك الإرسالية العريقة في التعليم في لبنان وظلَّ بين معهدي جبيل وجونية للأخوة المريمين, وسنة 1968 إنتقلت الرهبنة المريميَّة من جونية الى ديك المحدي وأصبح لها معهداً كبيراً لا يزال حتى اليوم يعرف بـ Collège Mariste Champville ووحَّد عمله في الشانفيل وبقي حتى سنة 1982 حيث تفرَّغ للكتابة نثراً وشعراً وجمع مؤلَّفاته تحضيراً لطبعها وفي الفترة بعد العام 1984 درّس في مدرسة راهبات القربان الأقدس المرسلات في بيت حباق قضاء جبيل .

نظم الشعر يافعاً وشجعهُ معلمهُ أديب لحود في المدرسة الوطنية في عمشيت.
حصد نعيم يزبك عدة جوائز عن قصائد متفرِّقة المواضيع في مباريات في الشعر أبرزها جائزة إذاعة لندن عن قصيدةٍ بعنوان التسامح، كما وفاز بالجائزة الأولى عن قصيدته بالشهداء في مهرجان الشعر للحركة الثقافية في انطلياس المتن الشمالي .

عَمِلَ مع كوكبةٍ من الأدباء والمثقفين من منطقة جبيل وكان من ابرز المؤسسين الى جانب الأساتذة : نسيب عازار من عززوز وأديب الصعيبي من بجه وجوزف الهاشم من جاج وناصيف الحسيني من بجَّه ونسيب نمر من شيخان وغيرهم من أصحاب اليد الطولى في نشر العلم والثقافة والمعرفة في لبنان .

تميَّز شعره بالسَّلاسة وكان الشعر عنده تهذيباً للفكر والعقل وكلُّ شعره عامودياً كلاسيكياً موزوناً ومقفىً.

الصورة الشِّعرية عندَه واضحةُ المعالمِ والأوصافِ , صادقةٌ وعفويةٌ نابعةٌ من القلبِ , لا غشَّ عنده ولا مواربة كما كان تماماً في حياتهِ مع عائلتهِ وضيعتهِ ومجتمعه ومع تلامذتهِ...

علَّم اللغة العربية نيِّفاً ونصف قرن من الزمن , وكان التعليم عنده رسالةً ساميةً شامخةً كإبائهِ...

أجيال مرَّت على مقاعد الدِّراسة أمامَهُ ومن جميع المناطق اللبنانية , وقد حفر في أذهانهم والقلوب حبَّ الوطن , هنيئاً لك يا شاعر حصارات وجبيل ولبنان , ما فُطرت عليه وما علمته لتلامذنك صدقاً ومودةً ووفاءً على مرَّ السنين ...

توفي نعيم يزبك- أبو ناظم - في 15 آب سنة 2006 وأعاد الوديعة الى الخالق حاملاً زاداً من العمل والجهد والكدِّ وعمراً زاخراً بالعطاء ناهز الـ 87 عـامـاً ...

ألا طيَّب الله ثراك يا ابا ناظم , وأسكنك فسيح جنانه فقد حملت معك زاداً ومشعلاً لا ينطفئان أو ينفذان : زاد الفكر والروح ومشعل الكلمة الباقية بقاءالدهور فواحةً كالزهور , ولا شكَّ أنك وقفتَ بحضرةِ الربِّ وملائكتِهِ وقلمُكَ وكلماتُك تغمُرُها يُمنَاكَ ... في الأبدِّية ...

جبيل في 22/1/2007 - توفيق نعيم يزبك

أمام شعر نعيم يزبك لكأنك في كرم تدلَّت
عناقيده شقراء تحت خيوط الذهب الشمسية،
تحار من أية داليةٍ تبدأ والى أيهما تمدُّ يداً...
من فيض خاطره السخي اغدق فأجاد
وصخور حصارات لما تتفتقُ بعد...
 
***

شيطانُ الشعر يجربُهُ فيحيكُ من قلبه أوزاناً ويسرد من عقله قوافي فيجوبُ الفيافيَ عندليباً ويحلّقُ فوق العرش وتحت التاج أميراً من غير شهادات... فإذا به وهو المتربع على عرشِ الربيع الأروع في كلِّ عام!...

بدأ باكورة قصائده بالترحيب وإذ مسك الختام نقمةٌ و ترهيب على بعضِ ما رث من تقاليد المجتمع.
من مسرح شبايك في القرية المترامية اطرافها على المتوسط... من فرحك هذا الجزيل.
وترحك هذا الوافر،
اعطيت طلابك روحك يا أبا ناظم وذوبت حشاشتك طعاماً للدفاتر.
وها ديوانك يطل مطلع العام1997مكللاً بالغار والقصعين ولكم أحببت ولا زلت رائحة هذه الأُويسة كما يسموُّنها عندنا في القرية ويغمرونها لصنع العطور مطلع كلَّ صيف.

***

من قريتك الهادئة الى قريتي الصاخبة .
يا من زرتك في معهد الشانفيل يوماً والفتك اياماً على مقاعد الدراسة تنظم الشعر الموزون والمقفى في استراحة العشر دقائق فتردد على مسمعي ما كان يقول لك مارون عبود شيخ الأدباء في بلاد جبيل: «إنَّ الفكرة متى مرَّت ببالك دون اصطيادها، ذهبت ولن تعود وهي هي الطير يمرُّ ويخطِئُهُ الصياد، ولن يتكرر مروره...»

***

اما الكلمة فيقول فيها الخوري يوسف الحداد العلم الثاني لعين كفاع:
«الكلمةُ إذا امسكتها فهي لك، وإذا أطلقتها فهي إما عليك وإمَّا لك،
فأنفذها حمامةً تروح وتجيء حاملة غصن زيتون، لا غراباً ينعبُ في الخرائب».

وهاك قارئي العزيز ديوان نعيم يزبك الشاعرُ الذي يدخلُ الفرحَ الى القلوب يطرحُ قوافيه على متن الشموس وصهوة الأقمار حماماتِ سلام لا عناقيد حقدٍ تنشرُ الرعب.

***

قصيدتُهُ العصماء بالمعلم خير دليل على شاعريته فاسمعه يقول:
"تبني وغيرك يهدمُ     تشفى وغيرك ينعمُ
تعطي بلادك حقها      ابداً وحقُّك يهضمُ
وتوزعُ الأنوار في الدنيا     وأفقك مظلمُ
إنَّ العقول مريضةٌ      وبراحتيك البلسمُ "
من غربتي فيكً إليك اشتياقاً
من غصَّتي بدموعك الحرَّة فرحاً وترحاً
من نفسي الذي ينقطعُ بدونك

يا من تهندسُ أبياتك رصفاً من ذاتك أمام الأجيال المتعاقبة على مقاعد الدراسةِ أمامك نيفاً ونصف قرن، تعلّمهم – حبَّ الوطن- من جود حبِّهم لعملهم صوناً للوطن الحبيب.

***

مكثتُ يوماً تحت القصف ولبرهةٍِ من الزمن آليتُ على نفسي نشر الديوان ليس إلاًّ، وها هو الوعدُ ينفذ بتوصيات أصدقائك يا ابا ناظم، ناظم الشعر منذ سن الثامنة عشرة.
... وانت الذي قلت :
" خلقتُ للشعر استوحي روائعه     من جوِّ بيتٍ كحدِّ السيفِ مسنونِ
ما غيرُ شيطانهِ يوماً يجربني        أعوذ بالله من شرِّ الشياطينِ
والخصب في الروح لا في الأرض نعرفُهُ       في طينةِ الناس لا في الماءِ والطينِ.

أنِّي لأؤثرن تركك مع ديوان الأديب وقبل ذلك تيقَّن أنَّ ما استشهَدتُ به من أبيات لهو دليلٌ قاطعٌ على شاعريتِهِ.

الناشرمن كتاب نعيم يزبك شعر - 1996

التسامح
سامح اخاك المعتدي    وبربِّك الفادي اقتدِِ
إنَّ التسامح سلَّمٌ     يعيلك نحو الفرقدِ
ليس البطولة طعنةً     بمثقفٍ ومهنَّدِ
او وثبةً يدعو لها     حقد كجمرٍ موقدِ
إنَّ البطولة خفضةٌ     من جانحٍ مستأسدِ
وتسامح ومحبةٌ     هذي طريق السُؤددِ

***

الشجـــرة
ظلُّ السماء على الأكوان ينتشرُ     وروعة ونسيم طيب عطرُ
نارٌ ونور وأفياء وفاكهةٌ    وبهجة يرتوي في فيضها النَّظرُ
وخضرة وجمال لا مثيل لهُ     وفتنة أين منها الشمس والقمرُ
وثروة في ربى لبنان تنعشهُ     وقوة من نداها يستقى المطرُ
وخيمة وعرازيل منصَّبةٌ     وموقد طاب في جنباته السَّمرُ
ومنبر وخوان نستلذُّ بهِ     وكلُّ طيبةٍ هذي هي الشجرُ.

***

الميـــلاد
كان عهد يسود فيه الطلامُ    دينه البغض شرعه الانتقامُ
آلهات تعددت من جمادٍ    والعبادات كلها أوهامُ
يغمر الكون بحر كفرٍ وجهلٍ     والبرايا في لجة البحر عامُوا
وعلى الأرض ظلُّ ليل كثيفٍ     يحجب النور والأنام ينامُ
عهد روما وألحقّ  في الناس سيفٌ     واغتصاب وبغضة وخصامُ
قوة تسحق الضعيف وتردي     لا عهود لا رحمة لا ذمامُ
والوجود الوسيع صحراء قفرٌ    تاه فيها الى الضَّلال الأنامُ .