Maha Bayrakdar El Khal

مها بيرقدار - اللغة العربية

"مها بيرقدار" .. توحد حميمي بين الشعر والتشكيل
هذه الرؤية الرومانسية التي توحد بين الطبيعة والشعر والفن، نجدها متجسدة بكثير من الوضوح، في غالبية لوحاتها التسع والعشرين التي ضمها معرضها الأخير في الثقافي العربي، لاسيما تلك التي جمعت بين الإنسان والطبيعة، ضمن كوادر غير مألوفة أو مطروقة في اللوحة الحديثة، مما يقرب لوحاتها من خصائص الرسم التوضيحي " الموتيف" الذي يرافق القصيدة، محاولاً ترجمتها الى خطوط وألوان وإشارات بصرية، تعكس، بشكل عام، رؤى ومضامين هذه اللوحة، وفق رؤية الرسام لها، ولوحة الفنانة بيرقدار – بشكل عام- طافحة بالرؤى الرومانسية المحلقة المتماهية بحس صوفي أو روحاني رفيع، يطل من ملامح شخوصها وهيئاتهم، كما يطل من طريقة رسمها للطبيعة وعناصرها المختلفة. 
تشرين 20 كانون الثاني 2003 العدد 8528

ولا تغفل مها بيرقدار الهم العام... والهم القومي تحديداً... فثمة أعمال هامة " رسالة الى كلينتون- الشهيد محمد- العروس قانا- ليل قانا". تصبّ في دوامة الوجع اليومي من جراء العدوان اليهودي على الأرض وساكنيها، فالأولى ( رسالة الى كلينتون) أرض ممزقة على شكل ورقة، الحروف التي خطت بها ضحايا وشهداء... ودم نازف ودمار... و" الشهيد محمد" رسالة بحد ذاتها الى العالم تنعي انسانية أعدائنا وكيف أنهم القتلة الذين لا يمتلكون الرحمة... و( العروس قانا) إخبار عن المجزرة ومثلها " ليل قانا" الموشح بالأحمر الدموي.
26 عملاً، كلها مواضيع حارة تخاطب العقل والعاطفة،.. تميزت بلونية رفيعة المستوى،.. شفافة وواضحة وفيها حيوية المناخ الذي نعيشه،.. عدا بعض الأعمال التي أرادت لها الفنانة أن تجيء بفضاءات معتمة وداكنة، لتعلي من خلالها شأن البياض والسطوع.
إضافة إلى بعض اللوحات التي رصدت الطبيعة بلونية حالمة وتفاصيل مغايرة لواقع الطبيعة الحية،.. فالشجر مضاء بالصفرة والاخضرار،.. والجذوع منصات عالية لهتاف البرعم،.. والمدى أزرق دون اعتكار.
26 لوحة،.. استطاعت مها بيرقدار، أن تقدمها كنص تشكيلي وشعري في آن، واستطاعت أن تجعل منها أشبه بمعزوفات موسيقية قادرة على الاطراب والادهاش والمفاجأة.
البناء العدد 927/20- 6-1998

قصائد تأبين للجسد زهير غانم
مع مها الخال، كما مع قيس وجميل وعمر، وكما مع إيلويار وأراغون ولوركا ونيرودا، نتلظى بالشعر، فيبعثرنا بانفجاراته، نتجمع في الكلام على وهم، ونشارف هاويات الحقيقة، كل شيء فينا ، ما دام كل شيء خارجنا غير معقول، سوى أن الشاعرة كمن مسها مسّ، أو طاف بها طائف الحب، أو أصيبت بضربته، كما نصاب بضربة، شمس؛ وأحيانا وصلت حد التخبط، والغيبوبة والبحران دون أن تبالي، فراحت تتهادى مع خيالاتها وظلالها واشباحها، تنشطر وتتوالد لهفا وحنينا، ويفاجئها طلق الأصوات البدئي فتئن وتتلوى، وتحتمل العناء، أكثر من امرأة شاعرة، أكثر من سماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم، أكثر من بحر وارض وتراب، أكثر من شجر يتحرك ولا يطير، أكثر من وحشة ووحدة، وفزع ودهشة وذهول، أكثر من قصيدة كان يمكن لنا ألا نستطيع احتمال غواياتها. 
الناقد العدد التاسع عشر كانون الثاني 1990

ان احتدام الأضواء والظلال في اشكالها يتأتى من كون الفنانة تنأى وتتجامح في تصوراتها وخيالاتها، وتحويل رغباتها، ومن محاولتها إخماد الدوي الذي يسفها ويعصفها، وكأنها مبلبلة مسكونة بهاجس الإبصار والاستبصار، وكأن اللوحات تأخذ سيماءها منها وتنوشم بوشمها، بل هي أكثر من ذلك، تسعى جاهدة الى أسطرة الواقع وتخريفه، وخاصة المرأة ومن اختلاط الديني بالدنيوي، والايقوني. بالعيش تطلع هذه الأعمال موثقة حياة كأنها لم تكن، واحلاما كأنها لم تكن، واحلاماً كأنها توارت وذهبت الى الأبد، وكوابيس كأنها تنتج وتستنسل كوابيس، ولا نهاية لهذه الفدائح والخسرانات، سوى بالموت، لكن الفنانة تحاول القبض على الزمن، والبحث عن عشبة الخلود كما جلجامش. وتحاول تأبيد لحظاتها ، وترى الى الحب ذلك الملاط الكوني، خشبة خلاص في الوجود، ودريئة وقناعا متينا ضد العدم.
زهير غانم اللواء الثقافي الثلاثاء 16/ 6/1998

في الحلم 
تشبه لوحات بيرقدار الأحلام أكثر مما تشبه الواقع، وتشبه القصائد أكثر مما تشبه القول المباشر، وتتوازى مع الشفافية الرقيقة أكثر مما تصد وتسطح المساحات والأشكال، إلا أنها تعيش في عالم آخر غريب عنا، عالم ربما تخيلناه في ألف ليلة وليلة وقصص الخيال والحلم.
حتى في لوحاتها التي تحمل عناوين واقعية مثل " العروس قانا" و" الشهيد محمد" وسواهما، نراها تميل دائما الى سحرية الشكل، فالنساء الباكيات، كأنهنّ بدأن البكاء من قرون ماضية وانساب بكاؤهن في الزمن، هو بكاء يتعمم ويسيل ويتضاعف صدى، من دون أن يستقر في مكان وزمان. كذلك هي الحال في اللوحات الاخرى، فلا زمان ولا مكان للوحة والأشخاص والطبيعة والهواء.
موجة شاردة؟
غريبة تماما في عالمها، لا تقع لوحاتها على واقع، حتى أشجارها تبدو مزروعة في فضاء حالم. فمهى بيرقدار لم تثر فينا غرائزنا، ولا حسنا، ولم تجعلنا نمس امرأة من نسائها، أو نتهجى ذكورة رجالها وأحصنتها، ولا هي تريدنا أن نتفاعل مع طبيعتها، كأنها ترسم وتصور لعيون معلقة في كواكب أخرى. 
أحمد بزون السفير 18/6/1998

الشاعرة ترى في السماء منهل الإبداع في النحت، في الشعر وفي الترانيم الأولى، والسماء والأرض في صراع وفي تماه ومماثلة. والليل، وما أدراك ما الليل! إنه رفيقها الدائم كما الذكرى كما الروح، كما الجسد في الهواء لا يلمسه أحد. ويسمع صوت الحبيب الآتي من سماء ثانية والصمت الخافت في غياب، والسر يبقى هو السر، والقلب والنظر في مراوحة مزدوجة، والملح الى الملح يمضي، والسر في الملح يا " عشبة الملح" ويا " رحيل العناصر".
جسد، بصر، ذاكرة، خيال، دمع، نجوى، روح وموت . كلها تلوذ بليل فسيح، والمطر المتعس والملاك ووجه الحبيب وطيعه في حيرة، وتضاد، والحبيبة تحال نفسها قمراً لا يكتمل إلا بالحبيب.
والحبيب ورحيق الليل والانتظار والعينان والصوت وتستمر الحكاية، حكاية حب كبر لمليكة، حسن ترمي العتمة ولا مناص، حبيبة " عشبة الملح" والوسيقى والسكنة، والرماد تشكو للدهشة اقراها، والصمت يبقى ولا يقي لحبيبة عتمة السقوط.
خلقت الحبيبة للارض والسماء، زمان صامت وهي تلضم الماء فينفرط، وخابية الجسد يعروها ثقب وكسر وهواء ووحل، وكل شيء ضاع في وحدة السماء.
رسمت الحبيبة الفنانة وجها لأسماء ورسمت السماء بحبر الجسد المضيء، وكانت وصيتها ان يكون الموسيقي الشهير " باخ" شفيعها قائلة:" العقل صحراء والقلب نداوة" وجسدها الخامد لم يكن يشبهها، وانتهت السماء والارض ووحدة الشعر يتذكر.
ريمون قسيس ثقافة الثلاثاء 3 تشرين الاول 2006

الجسد الطاعن في غيابه زاهي وهبي
تنشد مها بيرقدار لحظة صوفية، او حالة روحية يتحقق فيها الصفاء وتحل عبرها السكينة، وتمنح صاحبها شيئاً من الانسجام أو من التوازن بين العالم الداخلي وما يحتويه من دهاليز وممرات سرية، والعالم الخارجي بصخبه وضوضائه وانكشافه المطلق. بل ان مها بيرقدار تبدو منسحبة من هذا العالم الى عزلة طوعية، وكأنها تعيش وحدها، أو كما يقول عبده وازن " لا مرجع لها سوى ذاتها ولا نبع سوى عالمها الداخلي".
من هذا النبع الداخلي تغرف الشاعرة ماءها، ومنه تسقي روحها الظمأى، وبه ترتوي وتكتفي، فلا حاجة بها الى ما هو خارجها، والى ما هو ليس منها، وهي في حالتها المذكوة اشبه ما تكون براهبة، اي انها تخلت عن كل المغريات الخارجية، والتفتت الى نبعها، آمنة، مطمئنة، مكتفية بما في هذا النبع من تدفق يخصب الروح ويملأ الجرار.
ولأن الشاعرة تفرط في توحدها، فلا المكان ولا الزمان، ولا العناصر ولا الاشياء هي ذات اولوية لديها، الا من خلال عبورها فيها، أي من خلال عبور المكان والزمان والعناصر في ذات الشاعرة، والذات هنا هي المصفاة، وهي المرآة التي من خلالها تتظهر صورة العالم، وما صورة العالم هنا، الا صورة الشاعرة نفسها او صورة عالمها هي ، وما تختاره هي من عناصر تعيد بها تشكيل هذا العالم الموازي، واكاد احس ان الكتابة لدى مها بيرقدار، مثابة شرنقة، تحيا الكاتبة داخلها، وتغزل حريرها بمفردها، وحتى عندما يحضر الآخر، فانه يحضر كجنين في رحم الشاعرة، أي كجزء منها، لا كعالم خاص، او كآخر مغاير او مختلف " في جسد الوحدة/ الطاعن في جسدي/ ماثل انت كفجر الرحمة/ تروي اثلام العمر".
النهار السبت 16 آب 1997

ومهى التي تجترح فنها، وتتطارحه معنا في لوحاتها، تندرج هي فيها، بكثير من العذوبة والافتتان، وقد تحمل اللوحة، الكثير من غوايات الانوثة، وجماليات الطبيعة، لانها لا تقرأ الجسد الفني والروح الجمالي من جانب واحد، بل تتقارأ ذلك وتتكاتبه بعين سرابية بانورامية، فيها الكثير من الهمس والوسوسات، والحفيف والحنين الى السكينة، والطمأنينة، وفيها توق جامح فياض الى الحب والفرح والحرية والإنعتاق، رغم ما تعانيه في جانب من لوحاتها، عبر تماسها مع الدراما الإنسانية، إلا انها تقاوم، وتستصرخ الضمير لأجل عدالة مفقودة، ثم انها تعرج على صبابات الحياة في فراديسها المفقودة، فتتناغم وتتشاغل فيها، كما لو انها تتطارحها بصوفية او غنوصية شفيفة، وما بين المآتم والأعراس يتوتر ويتنامى خيط الحياة النابض الخافق، القوي الجارف العنيف...!
وفي لوحات مهى الكثير من الصدق والوضوح، وفيها رموز وتجليات ملتبسة، لمن لا يعرفونها، مع ذلك، هي محمولات اعمالها، وهي التي تحتا فضاءاتها وتتساكن فيها، وتدعونا إليها، كوليمة فردوسية على الأرض، داخل الفن والجمال، وهي لا تفترض لنفسها مرجعيات فنية، بل انها غامرة بالينابيع التي تمتاح منها اعمالها، ولها هذا الخيال الشعري والفني، الخلاق الولود الودود الخصيب الذي لا ينضب، رغم انها مقلة في شعرها وفنها، إلا ان ما تستخلصه عبر زمانها الإبداعي، مختمر مكثف ومقطر، ومتجذر وأساسي في شجرة حياتها، من الجذور الى الأغصان والثمار، والضياءات المتجولة المتحولة، داخل لوحاتها ، وهي لذلك تغتني الآن بالألوان، تغامر وتقامر فيها. عبر رهانات رابحة، نقلت لوحاتها التي من لون واحد، الى قبائل وعشائر الألوان، وانسابها ودمها الذي يجري في أعراق اللوحات. في الأوردة والشرايين الملونة، المروية بالفيض والبحران الشعوري الذي تغدقه الفنانة في أعمالها.
زهير غانم اللواء الثقافي 1/5/2001

رحلة من " المطل الازرق" مع مها بيرقدار الخال
حققت الفنانة التشكيلية مها بيرقدار الخال مرحلة فنية جيدة في مسار الفن التشكيلي العربي وأصبحت من روّاد الفن الحديث المعاصر ولديها القدرة على معالجة الموضوعات والافكار الجمالية والفنية بخاصة الوجوه والشخصيات.
واثبتت تجربتها الفنية تمايزا وقدرة على العطاء والاستمرار لما تملكه من عناصر تشكيلية وتجريدية احيانا، وتوليد الاشكال والتكوينات المبتكرة. انها تتمتع بلغة فنية خاصة هي لغة (الحلم) وجعلها مسايرة للرؤى الفنية المعاصرة. 
وحتى نتمكن من إلقاء الضوء على لوحات مها، علينا ان نزورها في منزلها او محترفها الجديد في ( المطل الازرق) حيث جعلت من صالونها معرضا دائما ومتنقلا بين صالات العرض الاخرى.
اننا نرى في كل لوحة شيئا جديدا تولّده الرؤية الجديدة. ولكن هناك مناخا واحدا يوصل المشاهد الى اللامتناهي عن طريق الحلم، حيث يتسامى الانسان لدى مشاهدة لوحاتها من الواقع المرير الى جمال الرؤيا، من المرئي الى المدرك، ومن الظاهر الى الباطن.
هكذا تتجلى مها بيرقدار الخال في حلمها الطويل لتجعل منه اسطورة تحمل القيم الجمالية الجديدة الملائمة للعصر.
اتاحت هذه التجربة تقديم اعمال فنية هامة لها خصوصيتها واسلوبها، رغم تنوّع الموضوعات، فانها ما زالت تبحث بواسطة الحلم عن المجهول... وحالة الكشف الدائمة، وتسرق الرؤى الخاطفة كالشعاع من الطبيعة والجمال لتصل الى حدود المطلق، يشغلها الحلم الدائم واللاوصول.
لديها التلهف الاعمى لنقل الوجود الى حلم اجمل واكمل... تنقذنا من التشيؤ ومن الواقع المحدود.
تنقذنا من التشيؤ ومن البيئية، وتنقلنا الى عالم اوسع ورحب، نتغنى برؤياه كالاناشيد.. وتكتمل الصورة عند مها الخال بالكلمة الشعرية، ولا نعلم ايهما اسرع الى اظهار المكنونات الحسيّة والمعنوية الى البقاء.
ثقافة.