Henri Zoghaib

قصيدة بـيروت - ربـيـع الصـيـف الـهـنـدي

“J’ai en moi une certaine vision de ce poème que je vois NEUF de par le sens, l’énonciation et le fond: Une ville qui se tient Fière d’elle-même, Forte de par ses composantes, Arrogante presque, Défiant l’univers par sa vulnérabilité et sa sensibilité. Voilà comment je sens Beyrouth… une ville qui a su rire des tempêtes et des obstacles et qui ne s’est jamais mise à genoux. Une Âme princière !”.

من صَحوة التاريخ جئتُ... ولا أَزالُ ربيبةَ التاريخْ
تَمضي العصورُ بِـجانبي مُتـتاليَه
ونُقوشُها تبقى على صدري شواهِدَ حالِـيَـه
وأَنا صَـبِـيَّـتُـها العصورِ الدّالِـيَـه
في عَتمةِ النسيانِ ماضيةٌ تَشيخُ... ولا أَشيخْ

***

هذي أَنا بيروتُ تَحضُنُني وأَحضُنُها العناصِرْ
وأَعيشُ...
أَربعةُ العناصر جُمِّعَت بي منذ كانت في تَكَوُّنِها أَواصِرْ
وأَنا اختصرتُ وجوهها من يوم كاغت طفلةً
حتى هُداها اليوم في فمِها المعاصرْ
لم يطْغَ في زمني اغترابْ
بيروتُ سيّدةُ الرياحِ أَنا
وسيّدةُ المياهِ... النارِ...
سيّدةُ الترابْ
تتصارع الدنيا على أَرضي وتنسحق الظُّلامَه
وأَظلُّ أَرفلُ حُرّةً مرفوعة التاج المرصّع بالكرامه !

***

بيروتُ الهواء

هذي أَنا بيروتُ سيّدة الرياحْ
في كلّ صقْعٍ من دمي ريحٌ
فَـريحٌ للحصادِ وللمواسم والثَّمَرْ
والريحُ في الغابات ناياتٌ وتنفُثُها عطوراً للشّجَرْ
وفمي حكاياتُ العصور وليس يُدركها الصباحْ
جمحَت ببعض الريح عينُ العاصفَه
صِقلوبُها يرنو إِلى الإِعصار يضربني بِـريح قاصفَه
وتوطّدت عندي مآسي الدهر تَهدمني بريحٍ راعفَه
لكنما غنّى هوائي بالنضارةِ والصفاءْ
وتوطَّنت عندي رياحُ الأَنبياءْ
طوّعتُ ريح الشَّرّ تحملها سيوفٌ حاربت عبثاً طواحين الهواءْ
وحملتُ في ريحي حضاراتٍ تلاقَت فوق أَرضي
وابتَنَتْ عهد الثقافات السخية بالعطاءْ
عصفي أَنا الحبُّ الوفيُّ الوعدِ
حصّنني من الغدر المقنّع بالودادْ
ريح تدمّرني وريحي نهضة الفينيق من قلب الرمادْ.

***

بيروت الماء

هذي أَنا بيروتُ
سيّدةُ المياه الناصعَه
أَلبحر حاصرني وأَعتى موجهُ نَوّاً بقصف الفاجعَه
وتَمَرَّد الطوفانُ يُغرقني بليلٍ من مِداه القاطعَه
شرقَت سُهولي بالسيولِ
ورنّقَت حولي الجبال ولم تشأْني خانعَه
لكنّ مائي حيّةٌ
بزغَت من الحلُم/الندى
تَروي حياةً هانئَه
تَسقي عقولاً هادئَه
بَحْري مراكبُ تَحمل النورَ المصفّى من أَقاصي الأَرض تأْتيني برؤيا رائِعَه
ومراكبي بالنور تُقلِعُ صوب أَقصى الأَرض حاملةً رؤايَ الذائِعَه
روّضتُ إِعصار العُصورِ فَـلانَ منه جحيمُهُ وتقصَّفَت صَعَقاتُهُ المتتابِعَه
طوّعتُ طُوفانَ الدمار إِلى ينابيع الحقول الشاسعَه
مائي دمٌ لعُروق أَرضي
خصبُها لعروق أَهلي
ليس في مائي سوى نسْغٍ يغذي كلّ روح جائعَه !

***

بيروتُ النار

هذي أَنا بيروت
لَفّتْني البراكين الغضابُ
حمماً تشظَّتْ فِيَّ حتى زُلزِلَت مني سهولي والهضابُ
آويتُ في صدري المدمّى ما أَصابتني الحرابُ
عُصُراً تَهادتْني الحروبُ
وكلَّ عصرٍ كان ينهشني الخرابُ
لكنّ بي ناراً مقدّسةً تَماهت فِيَّ من فجر الزمانِ
تَحيا فتعصمني وتسكن أَضلعي ومدى أَماني
وتغلُّ في شعبي تواعدُهُ وتَخلق فيه أَنواراً جديدَه
ناري هي الروحُ المشعّة في حياة مستعيدَه
تنهلُّ فكراً، قوّةً، لِدَمي مَجيدَه
ناري لَفَفْت بِها دمي
فتدثَّرت فيها الأَساطير السعيدَه
ناري هي الأُوپال أَزْرَقها تَلأْلأَ في قلوب الأَنقياءْ
وتَوالَدَت بي شُعلةُ الشهداءِ
ردّتني لأَطيافٍ بعيدَه
فتعانقت أَرواح غُيّابي ونبضةُ وهجهم أَهلي
وقاموا بالشهامة ينصبون هياكلاً للحب يعبد كلُّهم قدس البهاءْ

***

بيروتُ التراب

هذي أَنا بيروتُ
أَرضي تربةٌ
جُبِلَت بِـهامات البطولة والهياكلْ
كُثبانُ خصبٍ نورُها عدلٌ شرائعُهُ الفضائلْ
أَلغدرُ داهمني فُصولاً واحتويتُ مدىً
وهَدَّتْني الزلازلْ
وتصدَّعَتْ في وهْجِ صدري الـحُـــرِّ راياتٌ على هامِ المنازلْ
لكنّ صدري رَيِّقٌ
بِمواسم الحُب الكبيرِ
ومواسِم الخير الكثيرِ
جنى العطاء ولا مقابلْ
أَلمجدُ غذّى تربتي شرَفاً
فأَطْلَعْتُ الرجال مع السنابلْ

***

بيروتُ الروحُ المَلَكيّة

هذي أَنا بيروت
أُفْقِي لانِهائيٌّ
وأَبنائي بُناةٌ لانِهائيّون في شَعّ الضياءْ
وِسْعَ المكان أَنا
وِسْعَ الزمان أَنا
فضائي الحُبُّ يوصل بي تُخوم الأرض من شَهْق الفضاءْ
غَنَّى بيَ الشعراءْ
وبكانِيَ الشعراءُ ظناً أَنني قدَرٌ تَمَلَّكهُ الشَّقاءْ
لكنّني حوريةُ البحر التي لا يَستبيها عُمْرُ ماءْ
ريح السوى زبَدٌ ولو عصفَت
وريحي هيبةُ الجبروت حين دمٌ يُضاءْ
الأَمسُ قَبَّل هامَتي
واليومُ يَنْهَدُ أَن يقبّل قامتي
وغداً وكلَّ غَدٍ ستُشْرق بالبهاءِ قيامتي
فأَنا المدى بيروتُ
ليس له حدودٌ عالِـيَه
تَمضي العصورُ بِجانبي مُتَتَالِـيَه
وأَنا صَبيَّتُها العصورُ تَمُرُّ بِي
وأَظلُّ في أَلَقِ الربيع مليكةً
وتظلُّ في صدري الشواهدُ حالِـيَه !!!

ربـيـع الصـيـف الـهـنـدي

* الصيف الهندي (أَو "صيف الهنود") موسمٌ شائع في أَميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) يأْتي غالباً في أَواخر أَيلول، ولا يعيش سوى بضعة أَيّام وينقضي. ومَدلولُه: "تَجديدٌ يأْتي مفاجئاً أَو... متأخِّراً".

المكان: ذاتَ شاطئ
الزمان: ذات يومٍ من عام 2023
الذكرى: الباب 31 من مطارٍ ما

***

غَداً، يا حبيبي، متى نَهرَمُ
ويَمضي بنا العمرُ صَوب الغروبِ
وما زال فينا شُروقٌ يُجدِّدُه حُبُّنا الْمُكْرَمُ
ونبقى
- كما نَحنُ - :
شَـعَّ هُيامٍ
ويبقى بِـنا وَلَـهٌ مُغْرَمُ
ويبلُغُنا في الخريفِ الخريفُ
ونَحنُ ربيعٌ
وأَنتَ ربيعي
تُخاصرني بِحنانِكَ، قال،
ونمشي على شاطئ البحر
نمشي
ومِن حولنا نورسٌ حُـوَّمُ
ورفُّ مُشاةٍ
ونَحن
- ولو حولَنا هُم -
بعيدان عنهم
يُذوّبُنا في الحنينِ الحنينُ
يُلوِّحنا الحبُّ وجهَين في مستهلّ الخريفْ
ونَجلس عند شفير الرصيفْ
يُرَذِّذُنا البحر:
أَنتَ خيالُكَ صوبَ البعيدِ المدى
وأَبقى أَنا :
بعينيكَ عينايَ
ملهوفةً بكَ
رُغم الذي كان مِمَّن مَدى حُبِّنا حَرَّموا
غداً، يا حبيبي، متى نَهرَمُ

***

وتَمضي
- وعيناكَ صوبَ البعيدِ ورأْسي على صدرِكَ المستهامِ -
تُعيد حكايتَنا
أَشرقَت لَحْظَ كنّا بعيدَين
ذاتَ مطارٍ بعيدِ
وكان اللقاءُ
كما يتصالَبُ يوماً شُعاعانِ بعدَ فراقٍ سعيدِ
كأَنْ نُطفةٌ ولَدَتْنا معاً ضِمن شرنقةٍ من حريرٍ شفيفَه
وطِرنا فراشَين
طِرنا إِلى وُجهةٍ فَرَّقَتْنا
افترقْنا
فكان فضاؤُكَ غير فضائي
افتَرقْنا...
بَعُدْنا...
نَسجْنا حياةً خَفيفَه
وظَلَّ الحنينُ يَشُدُّ بِنا كي نعودَ إِلى دفئِها الشرنقَه
يَشُدُّ بنا
نَـتَـتَـوْأَمُنا من جديدٍ
جنينَينِ حتى نعودَ إِلى رحمها الشّرنَقَه
وظلّ يَشُدُّ بنا الشوقُ
شوقُ اللقاءِ
ونَحنُ
يفتّش قلبٌ لنا عن وريدِه
وكانَ شتاءٌ
وكان ربيعٌ يفتّشُ في زَهره عن جديدِه
وفي الصيف لم يلتقِ قلبَهُ القلبُ رغم وَجيدِه
إِلى أَن تَـأَيْـلَـل "صيفُ الهنود"
وأَزهر من وهجه الليلكيِّ
فكان اللقاءُ
- أَخيراً !!!-
تَصالَبَ وقتٌ بِـوقتٍ
وتسأَلُ عينيَّ عيناكَ:
- "هَـل...؟"
فأَقولُ:

"نعَمْ... وجَدتُكَ أَنتَ، أَخيراً!!!
سأَحفظُ جوهرَكَ المُتأَتّي إِلى جوهري
ولن أَتَخلاّك عنكَ
الى آخر العُمر نَمضي معاً"
ومِن عمرِنا حبُّنا يغنَمُ
غداً، يا حبيبي، متى نَهرَمُ

***

وتَمضي على شاطئ البحر
هيمانَ بي
تداعبُ شَعري على صدركَ الدافئِ الأَريحيّ
نعيش بـ"غَمرتِنا" اللاهبه
تُذكِّرني
كيف من حُبّنا نُخصِبُ الوقتَ عمراً
تُذكِّرني
كيف كنتَ شريدَ الصحارى
وتَحلمُ أَنْ سأَجيئُكَ يوماً
وجئْتُ
فأَنقذُتُ عمرَكَ من تَيَهان الصحارى
أَتيتُ
- لشدّة حلمِكَ بي -
لأَمْحُو شرودَك والتيَهانْ
ونَحيا معاً حُبَّنا آنَ آنْ
ونُكملَه العمرَ دوماً معاً
سعيدَين أَنَّـا التقَينا
- أَخيراً!!!-
إِلى آخِرِ العُمر نَمضي معاً
ونَستقطع الوقت "منهم"
على غفلةٍ من سُموم العيون
و"صيف الهنود" يُزَهِّرُ فينا
وليس يغيبُ
على غفلةٍ جاءَ
مستأْخَراً كي يُقيمَ فلا يرحلا
ورُحنا
- مدى حُبِّنا –
نتهادى
وتَكتُبُ شِعرَك من نَبَضاتي
لنا الشمسُ زوغى من الكلماتِ
لنا البحر موجٌ من الأُمنياتِ
وتروي:
"امتلائي بكِ انْهَلَّ...
أَنْقَذَني من ضَياعِ الجهات
وقبلَكِ كان فراغٌ يَجرُّ فراغاً كبيراً يَجُرُّ فراغاً له أَكبرا
يُجَرِّرُني مُفْرَغاً من "أَنا"يَ
فأَملأُ ذاك الفراغَ بِما كان يُرضي
ومَن كان يُرضي
ولَم يَكُ ما كانَ
لَم يَكُ مَن كانَ
يُرضي
كما صُغْتِني اليوم مستَعْبَرا"
وتَذكُرُ...
تَذكُرُ كلَّ الذي كان من حُبِنا يَنعَمُ
غداً، يا حبيبي، متى نَهرَمُ

***

حبيبي
سلامُ الحياةِ عليكْ
إِليكَ حناني يَفيءُ لديكْ
هو البحرُ مـدَّ مداهُ إِلينا
وآخُذُ رأْسَكَ بين يَدَيَّ
ونَنظرُ صوب البعيدِ
إِلى الأُفُقِ المترامي البعيدِ
وأَنتَ تُدنْدنُ شِعرَك بي
فأَقطفُهُ منكَ دنيا جديدَه
أُردِّد بعدَكَ كُلَّ قصيدَه

***

أَيا ذاكَ "صيفَ الهنود"
بدأْناكَ
لكنْ سَتُكْمِلُ وحدَكْ
لأَنّ حبيبي سيُكمِلُ بعدَكْ
هرِمنا من الأَمس
لكنّنا بصِبا العُمر في غدنا نَحلُمُ
نذوقُ خريفَ الحياةِ معاً
ربيعاً من الحبِّ لا يَهرَمُ
غداً، يا حبيبي، متى نَهرَمُ !

من مجموعة "ربيع الصيف الهندي"

ثُــنــائــيَّــات

على مشارِفِها، السِتُّون، أَحْمـلُني    إِلى بقِيَّة عُمْـرٍ يَحْذَرُ الْمِــزَقا
أَذوقُ نُضْجي، ويا خَوفي إِذا خَطَأً     خطَوتُ قولاً فَجاءَت خَطْوتي نَزَقا

***

هذا أَنا... سامِـحي مَن كنتُ قَبلَكِ بي     لا تَجْلُديني بـِماضٍ لَـم تكونيهِ
بَدأْتُ يوم "وُلِدْنا" من غَـدٍ نَـضِـرٍ     أَفضى إِليكِ! فصُوغيني، وصُونيهِ

***

ليس إِلاّكِ بي... استَحَلْتِ مَـزاراً     والفـراداتُ أَنَّـهُنَّ مَــزارُ
أَنتِ، والشمسُ، والحقيقةُ، ثالوثٌ     فريـدٌ... وما عداهُ مَـدارُ

***

هذي أَتَيْتِ!!! تَـتَوْأَمْنا، يَشُدُّ بنا     إِلى اللِّقاء حنـينٌ غـابِـرُ العَـبَقِ
كأَنْ وُلِدْنا معـاً في قلبِ شَرْنَقَةٍ     أَنْتِ الـ"أَنا"! وأَنا؟ ما مِن"أَنا"يَ بَقِيْ

***

كَتَبْتُكِ قبلَ أَن تَصِلي، فَشِعري     لِشِدَّةِ ما تَنـــاداكِ... استَجَبْتِ
وأَجْمـلَ مِن مُـخَيِّلَتي أَتيتِ...     استفَقْتُ... كأَنَّ بي أَنتِ الْـ كَتَبْتِ

***

كُنْـتُ وَحْدي ما بينهُم، لَم أَكُنْ     أَحيا حُضوراً لَـهُم، ولو كان حَـدّي
وإِذا منـذُ أَنـتِ نَبْضُ حُضوري     صِرتُ أَشتـاقُ أَن أَكونَ لِـوَحْدي

***

رَفَّـتَا عَينَين: إِحدى لِـ"الرضا"     بَعْدَ نَـــوٍّ خِلْتُهُ أَوْدَى بِـيا
و... لِـقَلبي دَمعَـةٌ حَــافيةٌ     من "نَداها"... بَلَّلَتْ أَهْدابِيا

***

تُكافِئُني الحياةُ بِكِ... اسْتَحَقَّتْ    حَياتي - مُنْذُ أَنتِ- بِأَنْ تُكافَا
يُغَلِّفُني رِضــاكِ فَأَسْتَقي مِن     رِضـاكِ هَنَايَ يَغْمُرُني كَفَافَا

***

كَـم حَياةً عَبَرْتِ حتّى تَعَلَّـمْتِ     تُحِبّينَني بِهـذا الـحَـنانِ؟
بِـرِضَى الأُمِّ تَحْضُنـينَ مَصِيري     وَبِنَفْحِ الْجَديدِ سَكْبَ بَياني

***

تَقـولينَني "سَيِّد الكلماتِ"     وأَبقى أَمامَكِ عَبْدَ ارْتِباكي
إِخالُ كَلامِيْكِ طالَ قِبابَكِ     لكِنْ... تَطاوَلَ دُون رُباكِ

من مجموعة "ربيع الصيف الهندي"