Fouad Ephrem Boustany

فؤاد أفرام البستاني

فؤاد أفرام البستاني

ولد فؤاد أفرام البستاني في دير القمر نهار الثلاثاء في 15 آب 1906. باشر دروسه، كجميع اولاد دير القمر في مدرسة راهبات مار يوسف الظهور. ثم انتقل الى معهد الاخوة المريميين واتمها في جامعة القديس يوسف ببيروت.

ظهر، منذ صغره، ذا ميل شديد الى اللغة العربية. يدفعه الى ذلك وراثة أصيلة في تقاليد الأسرة، وما فتحت عليه عيناه، في عهده الأول بالقراءة، من كتب أصيلة في لغة الضاد، كانت مبذولة في مكتبة البيت. ومن النوادر التي لا ينساها ، انه كان مكبا  ، في يوم عطلة من السنة 1920، على ديوان اسعد رستم، يطالع ، فيبتهج ، ويضحك، مستأنسا  بهذا الشعر الهزلي، البسيط في سهولة مأخذة، ولطف دعابته.

مجالس الأدب في دير القمر

وعزز ميله الى الأدب، والى الصحافة بنوع خاص، تردده، مع بعض أترابه، على تلك الاجتماعات الادبية الصحفية، التي كانت تعقد في مكتب جريدة "دير القمر"، وقد استأنفت صدورها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. فكان فؤاد أفرام البستاني، وبعض رفاقة من الانسباء والاصدقاء، لا يكون لهم يوم عطلة، الا قصدوا الجريدة، فتغلغلوا في غرفها يسمعون الكبار يتناقشون في الأدب، ويروون الشعر، ويتداولون في التعليق على الأحداث والاخبار.

ثم ينقلبون الى مكتب التحرير يعجبون بما يتساقط من منظومات كبارهم ومنثوراتهم تأليفا وترجمة  . ويكون في طليعة هؤلاء الكبار: ميشال الجاهل، وكرم ملحم كرم ، وادوار عيد البستاني ، وجوزف ابو خير، وفيليب ابو نادر وغيرهم.

وفي بيروت اتسع الأفق لفؤاد أفرام البستاني دروسا ، ومطالعات، وعلاقات أدبية واجتماعية.

الانصراف النهائي الى الادب – اساتذته المؤثرون

في اثناء الدراسة الثانوية، برز ميل فؤاد أفرام البستاني بكل وضوح الى الرياضيات والعلوم ، فوجه الى الفرع العلمي من البكالوريا الفرنسية ، وهي الشهادة الرسمية الوحيدة في لبنان، اذ ذاك. وقد نجح فيها نجاحا   متفوقا . وكان يستعد لدخول كلية الهندسة، عندما عهد اليه بتدريس صف البيان في كلية القديس يوسف، فكلفه الأمر اعدادا  وجهدا ، فمال الى دراسة علم أسهل من الهندسة، وتسجل في كلية الحقوق.

وكان أن رئاسة جامعة القديس يوسف عهدت اليه، سنة 1927، على اثر وفاة الأب لويس شيخو اليسوعي، بامانة تحرير مجلة "المشرق"، التي كان يديرها الأب الراحل منذ انشائها سنة 1898. فاتجه نهائيا  جهة الأدب والتاريخ وما اليهما من دراسات وابحاث. وتتلمذ للمستشرق الكبير، الاب هنري لامنس اليسوعي، (1862-1937)، صاحب الاختصاص المنقطع النظير في جزيرة العرب قبل الاسلام، وفي نشأة الاسلام وتطوره حتى اواخر العصر الاموي، وفي تاريخ لبنان، وآثاره، وجغرافيته. وكان قد كلف ادارة مجلة المشرق المذكورة. فلازمه فؤاد أفرام البستاني طوال عشر سنوات. وأفاد منه التشدد في طلب الحقيقة الكاملة، والتدقيق في صلاح النصوص جميعها، مع استغلالها البالغ على وجهها الصحيح، وتفهم الحدث التاريخي بدراسة العصر والبيئة اللذين حصل فيهما، مع الوضوح في الفكر، والدقة في القياس، والسداد في الحكم، والصراحة في التعبير بالاسلوب الأدبي الرفيع، والتعبير النشيط الأخاذ، اذ ان البحث العلمي لا ينفي الاخراج الفني في عرضه.

مطالعاته – اقرب المؤلفين اليه

وكانت واجباته التعليمية في "صف البيان"، وطموحه الى الاتيان بشيء جديد في تدريس الادب العربي، - بل الى ادخال هذا الفن في اليرنامج، ولم يكن معهودا  في المدارس اذ ذاك، على ما تقتضيه اصول النقد الادبي والدراسة الأدبية المعروفين في التعليم الفرنسي الكلاسيكي والاوربي عامة - تفرض موالاة الاطلاع ، والدرس، والتثقف، حتى انه كان يقضي الساعات الطوال، كل يوم، في المكتبة الشرقية. ويذكر انه أنفق، على مدة سنة كاملة، ما لا يقل عن سبع ساعات يوميا   في دراسة الشعر الجاهلي. وهو يرى ان هذا الشعر، - مع ما يتصل به من شعر الخضرمة وصدر الاسلام – هو المظهر الوحيد للأدب العربي ، بمعنى أنه ادب شعب يعبر عن عقلية العرب وحدهم. اما ما وليه من أدب ، بل من "آداب" – وصيغة الجمع وافرة الدلالة على الواقع – فانما هو "آداب لغة" تكلمت بها عدة شعوب، بعد انتشار الاسلام ، ثم اتخذتها اداة   للتعبير عن مشاعرها وخواطرها، في اختلاف عقلياتها ، وتباين نزعاتها، وعاداتها، وتقاليدها، وتراثاتها، حتى غدت آداب اللغة العربية مجموعة آثار العرب، والفرس، والديلم، والترك، والكرد، والآراميين، والبربر، والاسبان ...

وكان طبيعيا   ان يقرن بمطالعاته العربية الواسعة ما يقابلها من الآداب العالمية قديمة وحديثة، الى امهات الكتب والدراسات المتعددة في اختصاصه من الاستشراق، والأدب، والتاريخ اللبناني.

ولعل من المفيد ان نشير الى ابرز المؤلفين الذين يأنس بهم حتى اليوم، ويسره محضرهم، ويعمل على الاستمتاع بحديثهم الجذاب بما فيه من حرية في الفكر، وصراحة في القول، وسداد في الحكم، وبناء في النقد، وحرارة في النكتة، ومفاجأة في الجواب المسكت، وطرافة في الصورة، وسخرية من السخف والابتذال. وهو يشتاق اليهم، حينا  بعد حين، كما يشتاق الى الاحباء والأصدقاء، بل يشعر بالحاجة الى التغذي بآرائهم ، ونظراتهم، وأحكامهم، ونوادرهم، في اسلوبهم الحي النافذ، وتعبيرهم الناشط المرح، كما يحتاج الى الغذاء المادي الناجع في قوام الحياة، وطاقة السعي.

وفي طليعتهم هوميروس في "الالياذة" (يقرأها في ترجمتها الشعرية لسليمان البستاني، وقد حفظ منها اناشيد عديدة). ويضيف اليها، منذ اكتشافات رأس شمرا، "ملاحم اوغاريت". وهناك "سفر ايوب" ، "ومزامير" داود ، و"الاقتداء بالمسيح" (يقرأه في ترجمة الاب فرنيه Vernier بنكهتها المعتقة).

ثم الجاحظ في كل ما كتب وفي الآداب الاوروبية.

في خدمة لبنان

وشهد فؤاد أفرام البستاني في بيروت، بفضل "المجلة الفنيقية" La Revue Phénicienne لشارل قرم وأصدقائه. بوادر نهضة وطنية لبنانية، قومية، ثقافية، متأصلة الجذور في الماضي حتى العهد الفنيقي، شامخة الجبين كرامة وعنفوانا   بشخص الأمير بشير الكبير.
وغذى الفكرة مؤالفة مستمرة لنهضة مماثلة في الشبيبة الفرنسية، على اثر الحرب العالمية الأولى، كانت تصل اصداؤها الى لبنان بفضل جريدة الأكسيون فرانسيز L’Action Française

وكانت فرنسة، بعد انزلاق انتخاباتها الاخيرة، وبالتالي سياستها، نحو اليسار، قد عينت حاكما  على لبنان لم ترض عنه الاوساط الوطنية. فازداد النفور من الحكم الاجنبي.

فاندفع فؤاد أفرام البستاني الشاب، في اواخر السنة 1925، الى تأسيس جمعية سرية وطنية، سياسية ثقافية، من اصدقائه الأدنين، في محيط جامعة القديس يوسف. هدفها تخليص لبنان من الحكم الأجنبي، مع بقائه على صداقة فرنسة التقليدية، واعادة الامارة اليه بشخص احد حفدة الامير بشير الكبير.

بيد ان الشعور الأصيل المكين بالوطنية اللبنانية الصافية، والايمان بفضيلة الثقافة اللبنانية المميزة، ظل يمتلك مشاعره، حتى الاستئثار أحيانا ، في جميع اعماله ومساعيه تعليما  ، وتأليفا  ، وارشادا  ، وتوجيها  ، وانشاءً للجمعيات والمؤسسات. وكان يتجلى هذا الشعور، فيبرز متحديا  ، متصديا ، مناضلاً، في الظروف العصيبة، والمآزق الحرجة.

فكرة الروائع

كان فؤاد أفرام البستاني منذ اول عهده بدراسة الأدب الفرنسي، قد أنس بمجموعة مدرسية جديدة، همها تسهيل درس ذاك الأدب بابراز أعلامه وعرض آثارهم في اطار طباعي شائق من صغر الحجم وصلاح الورق، ووضوح الحرف، ورخص الثمن. ثم في اطار تعليمي سهل المتناول، من صحة التبويب، وظهور التقسيم، وشمول المقدمات، وحسن اختيار النصوص، ودقة التحقيق، وموضوعية النقد. هي مجموعة هاتيه Hatier

فتجلت الفكرة لديه. وما هو ان باشر التمرس بالتعليم، مدشنا  تدريس الأدب تدريسا   نقديا  جماليا  ، حتى تحققت الفكرة، بشكل مخطوطة كاملة، خاصة بشخصية أديب واحد، هو علي بن ابي طالب في "نهج البلاغة". وقد رأى ان يخالف بعض الشيء اسلوب المنشورات الفرنسية، فيتوسع في المقدمة التاريخية، وفي الدراسة النقدية.

فلما جهزت لديه مخطوطة الجزء الأول من المجموعة، حملها الى مدير "المطبعة الكاثوليكية" فعرض عليه المشروع، واعلمه بهدفه من تسهيل نشر الآثار الادبية في اطار جديد من النقد الفني، والدراسة التاريخية، وفي اسلوب سهل، واخراج يكون في متناول الطلاب. وبالتالي فهو مستعد للاكتفاء بالكسب القليل، بل بالتنازل عنه، اذا لزم الامر، وجارته المطبعة، في خدمة النشء.

وظهر الجزء الأول من الروائع خاصا  بنهج البلاغة لعلي بن أبي طالب في حزيران 1927، من خمسة آلاف نسخة.

وما هو ان تتابعت اجزاء السلسلة الاولى في السنة نفسها، حتى شرقت الروائع وغربت. فاستقبلتها اوساط التدريس في المدارس الثانوية والكليات الجامعية بالتأهيل والترحيب، كما ذكرتها اقلام النقاد من عرب ومستشرقين بالرضى، والتقريظ، والاستزادة.
اما الروائع فقد ادركت، الى اليوم، جزءها السابع والخمسين. واقتضى رواجها اعادة طبعها مرات في طبعات منقحة، ومزيد عليها، حتى تجاوزت نسخها المليون. وهو ما لم يعهد في كتاب ادبي باللغة العربية.

ويعد المؤلف الاجزاء الثلاثة الباقية من السلسلة السادسة. وقد وضع التصميم لسلسلة سابعة يخصها بادباء النهضة في لبنان، ومصر، والعراق، اذا فسح له في العمر، واطمأنت الحال في الوطن المنكوب.

البكالوريا اللبنانية

ولما انتشرت "الروائع"، وسهل تدريس الأدب العربي على وجهه الصحيح، اذ توافرت النصوص لدى التلامذة بالطبع المتقن، والشكل الجميل، والشروح التامة، والمقدمات النقدية الممهدة، عاودت فؤاد أفرام البستاني فكرة ايجاد شهادة ثانوية رسمية، خاصة بلبنان، تحد من فوضى المناهج والبرامج في المدارس الثانوية الخاصة. وكل المدارس الثانوية خاصة، اذ ذاك.

ولم يمكن في لبنان من شهادة ثانوية رسمية سوى البكالوريا الفرنسية. وهي، وان كانت تفرض اللغة العربية في الامتحان كتابيا  وشفهيا   ، الا انها لا تفرض معرفة الآداب العربية ولا الفلسفة بالعربية، ولا تاريخ لبنان وجغرافيته. ثم انها تعتبر العربية لغة   اختيارية لا اجبارية لجميع طلاب البكالوريا. فكان لا بد من وضع نظام خاص لبكالوريا خاصة بلبنان. على ان لا يبتعد عن نظام البكالوريا الفرنسية الذي اصبح تقليديا   في اورية، ولا عن برنامجها، وهو يتماشى مع ثقافتنا المتوسطية الصحيحة.

وكان لا بد، اداريا ، من التفاهم مع سلطة الانتداب، المشرفة على تنظيم البكالوريا الفرنسية التي كانت هدفا  لمدارسنا الثانوية الكبرى تعد تلاميذها لامتحاناتها، فتسلحهم بشهادة ذات قيمة دولية.

وبعد عدة اجتماعات عقدها المترجم ورئيس جامعة القديس يوسف، الاب كريستوف دو بونقيل اليسوعي مع الاستاذ غبريال بونورالمستشار الثقافي في المفوضية العليا، وكان اديبا   عالي الثقافة، رفيع التهذيب، فسيح الأفق، منفتحا  على القيم جميعها، تم الاتفاق على انشاء البكالوريا اللبنانية، محتفظة، من برنامج البكالوريا الفرنسية، بمواد الثقافة العامة، مضيفة  ، في قسمها الأول، دراسة الادب العربي، وفن النقد الادبي، وتاريخ وجغرافية لبنان وسائر مناطق الانتداب. وفي قسمها الثاني تاريخ الفلسفة باللغة العربية.

وقد تولى المترجم وضع البرامج الأدبية والفلسفية في هذه المواد المضافة، كما تولى الاب جبرائيل لوقنك اليسوعي (1868-1938) وضع برامج التاريخ والجغرافية.

وظهر المرسوم بانشاء البكالوريا اللبنانية في كانون الثاني 1929، بتوقيع الدكتور اسييريدون ابو الروس، وزير المعارف والصحة والاسعاف العام، في وزارة حبيب باشا السعد، على عهد الرئيس شارل دباس.

فكرة دائرة المعارف

وكما نشأت فكرة الروائع على مقاعد الدراسة الثانوية ، نشأت كذلك فكرة دائرة المعارف:

كان استاذ الخطابة يملي على تلامذته، في يوم من ربيع السنة 1924، مختصرا   قصيرا  في ترجمة المعلم بطرس البستاني. فأشار الى اضطلاعه بالمشاريع التربوية والاجتماعية، وقيامه بالمؤلفات اللغوية الادبية الكبرى، حتى وصل الى ذكر دائرة المعارف، فلخص كيف باشر تأليفها وطبعها، وكيف عاجله القدر، وهو في اعداد المجلد السابع، وكيف اخرج ابنه سليم السابع والثامن. وتوفي فجأة بعد ابيه بسنة واحدة. وكيف تعاون ولداه الباقيان مع نسيبها سليمان على اخراج التاسع، والعاشر، والحادي عشر. حتى توقف العمل سنة 1900. واشار الى اسف العالم الأدبي لهذا الأمر، وخسارته الجلى من جراء هذا التوقف.

وكان صاحب الترجمة تلميذا  طلعة فضوليا  يحب الاستقصاء، ويهوى الاعتراض والحوار. وكان الاستاذ على شيء من التبرم بالاعتراض والاستفسار، ولا سيما اذا اشتم فيه الفضول او التندر، فيرد بالجواب المسكت، المغيظ احيانا . فما هو ان بده التلميذ استاذه معلقا   على كلامه، مشيرا  من طرف خفي الى زهو الاستاذ، وعريض دعواه، وظهوره بسعة العلم، بقوله:

- ولم لا تكملونها؟ 
حتى انتفض الاستاذ غضبا ، وقال على مهل، والبسمة الهازئة تفرج شاربيه، وتنحدر حتى لحتيه: 
-ناطرينك! 
فكان من هذا التحدي العزم الأكيد على انشاء الدائرة.

وما هو أن صحت العزيمة على تحقيق المشروع في اوائل الخمسينات – بفضل تشجيع رجلين احدهما سبقنا الى دنيا الخلود مذكورا   بعلو الهمة، وبعد النظر، ومقاومة الصعوبات، واصالة المروءة، هو اميل البستاني (1907-1963). وثانيهما لا يزال مضطلعا   بتكاليف السياسة الوطنية اللبنانية هو الرئيس كميل شمعون- حتى أخذ يجمع كل ما شهر في العالم من "دوائر معارف": من الدوائر الفرنسية السهلة المنال، الى البريطانية والاميركية، الى الايطالية، الى الاسبانية، الى الألمانية، الى السوفييتية، الى الأرخنتينية، الى الايرانية، الى التركية الناشئة اذ ذاك، الى الأفغالية كذلك. هذا بالاضافة الى الموسوعات، او المعاجم الكبرى الاختصاصية الحديثة، كدائرة المعارف الاسلامية، والدوائر الخاصة بالمسيحية في عقائدها، وعلومها، وآدابها، كمعاجم "الكتاب المقدس"، وتاريخ الكنيسة، وجغرافيتها، والليتورجية، والمذاهب، والفرق، والرسالات. ثم معاجم التاريخ العام، والجغرافية، والفنون، والآثار، والميثولوجيات، والحضارات المختلفة، وموسوعات العلوم النظرية الخالصة، والتطبيقية، حتى شؤون المنزل المتنوعة من الآثاث الى الطبخ. وكان لا بد من الرجوع الى ما في الآداب العربية، بواسع معناها، من موسوعات قديمة، وتواريخ كبرى، ومعاجم خاصة كمؤلفات ياقوت، وكتب الطبقات على انواعها، الى فهارس المنشورات، والمخطوطات في مظانها، والمجلات الكبرى، مما يطول تعداده.

ثم اختار مجموعة   من الشبان المثقفين طالبات وطلابا . ووجههم في خطة "تفييش" هذه الآثار، اي فهرستها على جذاذات او "فيش" ابجدية.

وكان يعد، في أثناء ذلك، بمعاونة بعض العلماء، لوائح بارباب الاختصاص في كل موضوع، وفي كل قطر، علما  وادبا   وفنا ، حتى اذا تكامل العمل المادي في تهيئة الهيكل الابجدي، اتى دور طلب الأبحاث.

وكان قد قرر الغاية من الدائرة. وهي ان تكون، لا مجموعة معلومات كما هي الحال في الكثير من الموسوعات والمعاجم المشابهة في الظاهر، بل اداة ثقافة صحيحة شاملة في سبيل النشء العربي عامة  ، ولا سيما من لا يتقن لغة   اجنبية. كما انه قرر ان يكون اسلوبها وسطا   بين اسلوبين نقيضين: فهي ليست مجموعة بحوث تقنية علمية بحته يكتبها الاختصاصيون للاختصاصيين، ولا مجموعة مقالات تبسيطية سطحية يكتبها غير الاختصاصيين لغير الاختصاصيين. انما هي مجموعة ابحاث علمية دقيقة يكتبها الاختصاصيون لغير الاختصاصيين، باسلوب واضح قريب المنال، سهل الفهم والاستساغة.

ولا بد من الاشارة اخيرا  الى ان شغله برئاسة الجامعة اللبنانية طوال سبعة عشر عاما  وبضعة أشهر (نيسان 1953 – تموز 1970) حال بينه وبين الاسراع في اصدار مجلدات الدائرة على ما كان يرغب.ثم كانت سنوات الشؤم والبؤس في هذا الاعصار الذي أثير على لبنان، فأصيبت المطبعة الكاثوليكية، وتشتت العمال، وتعطلت الأعمال على فترات طويلة، ونهب مستودع الورق. ومع كل هذا، فقد ظهر من الدائرة، الى اليوم، اثنا عشر مجلدا  ، والثالث عشر تحت الطبع.

هذا، ولما صدر المجلد الأول، احتفل لبنان، رسميا ، بتحقيق المشروع المنتظر. فأقيمت، في قاعة الجامعة اللبنانية (قاعة الاونسكو)، بتاريخ الخامس عشر من نيسان 1957، حفلة كبرى برئاسة رئيس الجمهورية، وحضور أركان الدولة مجلسا   ووزارة، واعضاء السلك الدبلوماسي، وجم غفير من رؤساء المؤسسات التربوية والثقافية، ورجال العلم والادب والتربية والصحافة.

وتليت في الحفلة برقية من امين سر دولة الفاتيكان تحمل بركة قداسة البابا بيوس الثاني عشر، مع شكره وتهنئته بصدور المجلد الأول من الدائرة. ثم برقية الكردينال اوجين تيسران عميد مجمع الكرادلة، وبرقية المدير العام لمنظمة "الاونسكو"، الدكتور لوتير ايفانس، كما تليت رسالة غبطة البطريرك بولس بطرس المعوشي. وتوالى على منبر الخطابة رئيس المجلس النيابي الاستاذ عادل عسيران، ووزير الخارجية والمغتربين الدكتور شارل مالك، والاساتذة محيي الدين النصولي، وادوار حنين، والشيخ مصطفى الرافعي، والياس ربابي، وسعيد عقل. وكانت الكلمة الاخيرة لفخامة رئيس الجمهورية، الاستاذ كميل شمعون، الذي قلد مدير دائرة المعارف وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور. وختم الحفلة مدير الدائرة بكلمة شكر فيها جميع من اسهموا في ظهور الكتاب.

في التعليم والتربية

أ – في التعليم الثانوي:

1 – استاذ البيان، والخطابة، والآداب العربية، والتاريخ اللبناني، في كلية القديس يوسف (1925 – 1953).
2 – استاذ الآداب العربية، والفلسفة الاسلامية، في معهد الاخوة المريميين بجونيه (1932 – 1943).
3 – استاذ الآداب العربية، واصول التربية، في قسمي المعلمين والمعلمات، ثم في دار المعلمين والمعلمات، بعد انشائها، (1933 – 1955).
4 – استاذ الآداب العربية في الكلية البطريركية (1941 – 1942).
5 – استاذ الفلسفة الاسلامية في معهد الحكمة (1942 – 1944).

ب – في التعليم العالي:

1 – استاذ الآداب العربية، والنظم الاسلامية، ثم الحضارة الاسلامية، في معهد الآداب الشرقية (جامعة القديس يوسف) ، منذ تأسيسه، سنة 1933.
2 – استاذ تاريخ بلدان الشرق الأدنى وحضاراتها (بالفرنسية) في معهد العلوم السياسية (جامعة القديس يوسف) (1945 – 1955).
3 – استاذ التربية، وطرق تدريس العربية في مدرسة الآداب العليا (1946 – 1952).
4 – استاذ الآداب العربية، والفلسفة الاسلامية، والتاريخ اللبناني، في الاكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (1947 – 1955).
5 – استاذ الآداب العربية، والحضارة الاسلامية، والتاريخ اللبناني المعاصر، في الجامعة اللبنانية (في كليتي التربية والآداب) ، منذ تأسيسها سنة 1953.
6 – استاذ التاريخ اللبناني في المدرسة الحربية (1964 – 1971).

في الصحافة

1 – انشأ جريدة علم الأدب المدرسية، سنة 1919، وقد تقدم الكلام عليها.
2 _ عهد اليه، سنة 1927، بأمانة تحرير مجلة المشرق. فأصدر منه 18 مجلدا  ، بادارة الاب هنري لامنس، ثم الأب رنه موترد، ثم الاب روبر شدياق.
3 – عمل، مع فريق من الاصدقاء الادباء، في تحويل مجلة المكشوف للشيخ فؤاد حبيش (1904 – 1973) – التي كان قد أنشأها ، سنة 1935، "رسولا  للعري" – الى صحيفة أدبية رفيعة المستوى. وقد ظهر العدد الاول منها بالصيغة الجديدة في 5 نيسان 1936، حاملا  اسماء 17 اديبا  شاركوا فيه، وهم (وفقا   للحروف الابجدية) : الياس ابو شبكة، بطرس البستاني، فؤاد افرام البستاني، كرم البستاني، خليل تقي الدين، جبرائيل جبور، شفيق جبري، قيصر الجميل ، لويس الحاج، قسطنطين زريق، سعيد عقل، توفيق يوسف عواد، حنا غصن، عبد الله لحود، كامل مروه، ابراهيم سليم نجار، ميخائيل نعيمه، بالاضافة الى صاحبها.
4 – وفي دار المكشوف انشأ المترجم مجلة المدرسة. وهي "مجلة ثقافية قصصية خاصة بالتلامذة".
5 – وفي السنة 1937، أنشأ الصفحة الأدبية في جريدة "البشير"، وسماها في سبيل الثقافة.
6 – وفي السنة 1945، أنشأ، عن "دار المعلمين والمعلمات"، مجلة ثقافية عامة. تبحث في كل ما يؤول الى رفع المستوى الثقافي العام، وتوضيح مشاكل التربية والتعليم. سماها "السبيل".
7 – يسهم منذ السنة 1975 في الاشراف على تحرير مجلة "الرعية" الجديدة.
8 – وأخيرا  باشر، منذ اول السنة 1978، انشاء صفحتين في جريدة "الجريدة" بعنوان في الحضارة اللبنانية. ووالى ذلك حتى توقف الجريدة من جراء القصف السوري، في 1 تموز من السنة نفسها.

في الادارات، والمؤسسات التربوية الثقافية

1 – أسهم مع الاب رنه موترد اليسوعي سنة 1933، في انشاء "دراسات الآداب الشرقية"، التي اصبحت في ما بعد "معهد الآداب الشرقية".
2 – سعى في تأسيس دار المعلمين والمعلمات
3 – عين مستشارا   تربويا  في مدرسة الآداب العليا (1947 – 1954).
4 – سعى في تأسيس الجامعة اللبنانية، على عهد الرئيس كميل شمعون (مرسوم انشائها : شباط 1953). وتولى رئاستها حتى بلوغه سن التقاعد في 1 تموز 1970.

في الجمعيات والرابطات العلمية والأدبية

1 – عضو في الرابطة الادبية سنة 1928
2 – عضو في عمدة الجامعة الادبية، ثم امينها العام، سنة 1930
3 – عضو مؤسس في جمعية الصداقات اللبنانية سنة 1935
4 – عضو في جمعية الدراسات العربية سنة 1937
5 – عضو مؤسس، وامين عام، في الجمعية الوطنية للمحافظة على الثقافة اللبنانية وانمائها سنة 1944.
- كانت اول من فكر في استخدام هيا كل بعلبك للمهرجانات الفنية. فأخرجت فيها، سنة 1945، مأساة الفرس لاسخيلوس بالشعر الفرنسي، والموسيقى اليونانية.
6 – عضو مؤسس في الحركة اللبنانية سنة 1946.
7 – عضو في عمدة الأليانس فرانسيز، في لبنان، سنة 1947
8 – عضو مؤسس في جمعية اهل القلم. واول رئيس لها، سنة 1951
9 – نائب رئيس جمعية دانته أليغييري، في بيروت، سنة 1959
10 – رئيس شرف جمعية اصدقاء يول كلودل، في بيروت، سنة 1961
11 – عضو المجمع الدولي لرؤساء الجامعات، سنة 1965
12 – عضو في عمدة اتحاد الجامعات المتكلمة كليا   او جزئيا  باللغة الفرنسية ، سنة 1967
13 – عضو مؤسس، وامين سر عام، في الاكاديمية اللبنانية، سنة 1972

في الؤتمرات الدولية

شارك في الكثير من المؤتمرات الدولية الثقافية. وكان له فيها جمعيا  أبحاث ومناقشات. اهمها :
1 – ألفية المتنبي في بيروت، سنة 1935. ألقى فيها بحثا  بعنوان: أثر المتنبي.
2 – ألفية المتنبي في دمشق، سنة 1936. بحثه فيها بعنوان: المتنبي والشعر الصافي.
3 – ألفية المعري في بيروت، سنة 1944. بحثه فيها: على هامش الفلسفة.
4 – ألفية المعري في سورية (دمشق، المعرة، حلب، اللاذقية) ، سنة 1944. بحثه فيها : من ضحايا العقل.
5 – مؤتمر المستشرقين الحادي والعشرون ، في باريس ، سنة 1948. بحثه فيه: Un témoin inédit du règne de Béchir le Grand
6 – مؤتمر الاونسكو العام في بيروت، سنة 1948 : نظم فيه معرض التعليم والتربية في لبنان، من القرن الثاني والعشرين ق. م. الى القرن العشرين بعده.
7 – مؤتمر المستشرقين الثاني والعشرون، في استانبول، سنة 1951. بحثه فيه: Un idiome libanais parlé à Chypre depuis des siècles
8 – ألفية ابن سينا في بغداد، سنة 1952. بحثه فيها: نصيب لبنان في دراسة ابن سينا.
9 – ألفية ابن سينا في ايران (طهران وهمذان)، سنة 1954. بحثه فيها: ابن سينا والتربية الحديثة.
10 – مؤتمر ادباء العرب في بيت مري، سنة 1954، بحثه فيه: الادب العربي وازدواجية اللغة.
11 – مؤتمر نصير الدين الطوسي في طهران، سنة 1956. بحثه فيه: الطوسي والمصطلحات العلمية العربية.
12 – مهرجان بغداد والكندي في بغداد سنة 1962. بحثه فيه: الثقافة الانسانية في بغداد العباسيين.
13 – مؤتمر الدراسات الايطالية – اللبنانية في رومة، البندقية، بالرمو، نايولي، سنة 1966. بحثه في كلية الآداب من جامعة رومة: La Poésie libanaise 
14 – مهرجان الابجدية في جبيل، سنة 1969: بحثه فيه: الأبجدية ثمرة الحضارة الشعبية.
15 – حلقة الاونسكو في باريس، سنة 1969، حول: الثقافة العربية المعاصرة. بحثه فيها: اصول النهضة الادبية العربية.
16 – حلقة الاونسكو في باريس، سنة 1969 حول: غاندي. بحثه فيها: من شهود الحق.
17 – المؤتمر الدولي للدراسات الايرانية في مهرجانات ايران سنة 1971. بحثه فيها: قورش الكبير والنهضة العباسية.
18 – ألفية البيروني في طهران، سنة 1973. بحثه فيهاLe calendrier de l’Eglise melkite d’Antioche dans l’oeuvre d’Al Biruny 
19 – مهرجان مار افرام وحنين بن اسحق: في بغداد والموصل، سنة 1974. ألقى فيه بحثين: توق النفوس الى جنة الفردوس في شعر مار افرام. في بغداد. الشعر اللبناني باللغة العربية ، في الموصل.
20 – الاسبوع العربي- الألماني، في توبنغن، سنة 1974. بحثه فيه: اصول الترجمة.
21 – معرض الفن العربي الاسلامي في متحف سرسق، بيروت، سنة 1974. بحثه فيه: L’architecture du poème arabe
22 – يوبيل يترارك المئوي الخامس، في بيروت سنة 1975. بحثه فيه: Pétrarque et la Poésie arabe
23 – المؤتمر التاسع والثلاثون للمنطقة 195 من منظمة الروتاري الدولي، في عمان سنة 1975. له فيه خطاب باسم نادي روتاري بيروت، وكان رئيسه، بعنوان: خدمة الروتاري.

في الاذاعات والتلفزات

دشن الأحاديث الأدبية في اذاعة بيروت، فور انشائها، سنة 1938، بحديث عنوانه : "تعاون الشعر والموسيقى في نشأة الموشحات الأندلسية". وتابع اسهامه في اذاعاتها الأدبية، والتاريخية، والنقدية، ولا سما بعد انتقالها الى الحكومة اللبنانية، وكان له فيها حديث كل شهر، على الأقل. حتى استفحال الكارثة على لبنان، ووقوع تلك الاذاعة في سلطة الاحتلال الاجنبي. فقطع صلته بها. واخذ يذيع من صوت لبنان، ومن اذاعة لبنان الحر.

اما في الاذاعات الاجنبية فقد كان له احاديث ادبية في اذاعة الشرق الادنى منذ ان كانت في يافا؛ سنة 1942؛ ثم في لندن. وله احاديث كذلك في اذاعات الكويت، والعراق، وايران، وفرنسة، واسيانية.

اما التلفزيون فقد كان له جلسات عديدة في التلفزيون اللبناني، منذ تأسيسه، حتى السنة 1975، اي قبل الاحتلال الاجنبي. وله جلسات كذلك في التلفزيون العراقي، والسوري، والفرنسي، والنروجي.

وقد القى كذلك نحو 2000 محاضرة في لبنان وخارجه.

مجموعات ادبية حضارية

1 – أنشأ، سنة 1942، السندباد. وهي مجموعة مدرسية من اشهر الرحلات العالمية.
2 – باشر، سنة 1949، نشر مجموعة المجاني الحديثة، في ستة مجلدات.
3 – أنشأ، سنة 1972، مجموعة "الاصول المسيحية الشرقية". ظهر فيها: "رسائل رعوية" (القرن الثاني). ترجمها، وقدم لها، الاب جورج صابر الراهب اللبناني ( مطران اللاذقية، في ما بعد) ، ثم مجلد عن "مار افرام".
4 – واخيرا  "مكتبة التراث اللبناني"، سنة 1973. ظهر فيها:"احاديث الشهور" للمترجم. ثم "القرية اللبنانية" للدكتور شارل مالك سنة 1974.

الألقاب العلمية والرتب الشرفية

1 – دكتوراه شرف في الآداب من جامعة ليون (فرنسة) سنة 1957.
2 – دكتوراه شرف في الآداب من جامعة سانت ادوارد في اوستن (تكساس، الولايات المتحدة) سنة 1958
3 – دكتوراه شرف في الحقوق من جامعة جورجتون (واشنطن) سنة 1958
4 – عضو الاكاديمية الدولية للعلوم السياسية (جنيف، سويسرة) سنة 1965
5 – عضو شرف في جمعية المستشرقين الألمان: سنة 1972
6 – صديق مدينة باريس، سنة 1957
7 – مواطن شرف في ولاية تكساس، سنة 1958

الأوسمة

1 – وسام الاستحقاق اللبناني ذو السعف، سنة 1934
2 – وسام الاكاديمية الفرنسية برتبة ضابط، سنة 1947
3 – وسام القديس غريغوريوس الكبير(الفاتيكان) برتبة كومندور، سنة 1950
4– وسام الفونس العاشر (اسبانية) برتبة كومندور، سنة 1952.
5 – وسام المعارف اللبنانية المذهّب، سنة 1957
6 – وسام الأرز الوطني برتبة كومندور، سنة 1957.
7 – وسام صليب القسطنطينية برتبة ضابط أكبر، سنة 1957.
8 – وسام هومايون (ايران) برتبة كومندور، سنة 1958.
9 – وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة (المغرب)، سنة 1960.
10 – الوسام الوطني التونسي برتبة ضايط أكبر، سنة 1965.
11 – الوسام الوطني السنغالي برتبة كومندور، سنة 1966.
12 – الوسام الوطني الايطالي برتبة كومندور، سنة 1966.
13 – وسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة فارس، سنة 1967
14 – وسام الأرز الوطني برتبة ضابط أكبر، سنة 1970.