Bernard A. Renno

الفنان التشكيلي برنار رنو و الصحافة

التشكيلي برنارد رنّو: لوحاتي شلال من الأفكار - حاورته لين الهاني

لا تسهّل الوراثة دوماً شقّ درب تنشد التفلّت من القواعد الصارمة والتقنيّات الكلاسيكيّة، ولكنّها من دون شك تؤمن الخلفيّة اللازمة لمسيرة في عالم التشكيل عاشها برنارد أسعد رنو الذي تعرفه العامّة عبر رسومه التي تحوّل عمليّة التشكيل حفلاً حيّاً، يعدّها أمام جمهور يشهد على ولادتها. يقول: "والدي كان وفياً للمدرسة الكلاسيكية التي درس قواعدها في إسبانيا، تأثرت بانضباطه لكنّي لم أسر على خطاه، هو مثَلي الأعلى كأب وليس كفنّان".

إنتاجه الغزير لا يوفّر موضوعاً، إلا أن للمرأة والخيل والطبيعة الحضور الأبرز فيه، فيما دوره الأكاديمي بارز، ويقرّ أن الإناث هنّ الأكثر إقبالاً على عالم الفنون الجميلة.

"الحوار" تسأل برنارد رنو عن أعماله وتسلّط الضوء على مسيرته في "محترف آثار الشرق"، في الحوار الآتي:

- صف لنا نهار عمل عادياً، في حياتك؟ 
- أستيقظ باكراً، حوالى الرابعة والنصف فجراً، وأقضي ساعة على شبكة الإنترنت التي أقرّ بوفرة نشاطي عبرها، ثم أمارس رياضة المشي لأدخل بعدها محترفي. أرى أن طاقتي في الصباح تكون في أوجها، ولا أرسم سوى في الفترة الصباحيّة حيث النور الطبيعي، ثم أعطي دروساً خصوصيّة في التشكيل. تنظيم الوقت جعلني سريعاً في الإنتاج، ولو أن اللوحة تتطلّب مني مجهوداً كبيراً.

- أنت سليل عائلة فنية: والدك الراحل أسعد رنو كان شهيراً برسم جداريات الكنائس... ولكنّ الوراثة سيف ذو حدّين، ما تأثيرها على حياتك؟
- لعبت الوراثة دوراً في حياتي، حيث ترعرعت في بيت فني وفي رحاب "أكاديمية مايكل انجلو" التي كان يديرها والدي. كنت في مرحلة محدودة من عمري، أساعده في رسم جداريات الكنائس، وهذا فن صعب ولا يحظى التشكيلي دوماً بهذه الفرصة، ما صقل موهبتي. والدي أنجز 38 كنيسة، كانت لي بداية أي في سنّ العاشرة، فرصة طفيفة لمساعدته في هذا العمل الشاق، علماً أن شخصيته الصلبة لم تنعكس لتتحوّل حناناً أبوياً في مجال التعليم، وكلّما كبرت كان يمنحني صلاحيات أكبر، حتى صار في سنواته الأخيرة ومع تقدّمه في السن، يدع لي شرف إنجاز جلّ العمل من دون التوقيع عليه، باستثناء الكنيسة الأخيرة التي أنجزناها معاً وهي كنيسة مار شربل الفنار حين تدهورت حاله الصحيّة وأتممتها وحدي، فسمح بمجاورة اسمي اسمه، وشكّل هذا الأمر فخراً لي.

أسعد رنو شكّل خلفية لي، ولكن الوراثة سيف ذو حدين، إذ نُسبت فنياً في أحيان عدة إليه بغض النظر عن المجهود الذي كنت أقوم به. والدي لم يكن يرغب في ولوجي عالم التشكيل، وكان يشدّد على ضرورة أن أتلقّى دراسة أكاديمية، لذا كان الرسم يحتلّ أوقات فراغي، ويشكّل ملاذي الذي أهرب إليه، قبل أن أعي أني لا أستطيع العيش خارج هذا العالم! هو وفيّ لقواعد المدرسة الكلاسيكية، وأنا أردت التجديد عبر التجريد والسوريالية، فكانت أراؤنا متناقضة على هذا الصعيد...

- هل دفعك إصرار والدك على إبعادك عن هذا العالم، إلى دراسة الهندسة بفرعي العمارة والديكور؟
- بداية تلقيّت دروساً في صفوف هندسة الديكور، فهندسة العمارة، علماً أن ثمة رابطاً بين الهندسة والتشكيل. ثم، افتتحت مكتباً وأفادتني خبرتي في التشكيل في إعداد الرسم المنظوري للمشاريع، ما حقّق لي مصدراً للمال من دون أن أتوقف عن الرسم وخزن اللوحات التي كنت أعدّها. وحين طلب والدي مساعدتي في إدارة "أكاديمية مايكل أنجلو للفنون الجميلة" وفعلت الأمر لثمانية عشرة سنة، رأيت أنّي أكثر انتماء إلى التشكيل.

في سنة 2003 تركت التعليم الأكاديمي وعدت إلى محترفي الذي اشتريته من قبل ليكون مكاني الوحيد، واتخذت قرار الرسم المباشر الذي كان والدي يعارضه، إلا أنّي فرضت اسمي على الساحة عبر هذا الباب، وقد بات في رصيدي 159 لوحة مباشرة، أعددتها أمام جمهور كبير يشهد على ولادة لوحة وفي كل مرة موضوع مختلف، ما مدّني بالثقة في النفس.

- ريشتك منضبطة، وتغيب "الشطحات" عن لوحاتك التي تبدو تقنياتها وفيّة للقواعد...
- ركزت في بداية مسيرتي على التفاصيل، وبينت عبر لوحاتي التقاليد والتراث كمشهدية واقعية بطريقة تجعل الرائي لا يميّز ما إذا كانت لوحتي مرسومة، أم عبارة عن صورة فوتوغرافية. وانتقدتني الصحافة من جرّاء ذلك. ثم أدخلت شيئاً من التجريد حتى لو كانت الفكرة التي أضعها واقعيّة، علماً أنّه عند الرسم المباشر تفضّل العامّة الواقعية. صحيح أنّي ولجت عصر "النيو كلاسيكية" في تجاربي، إلا أنّي لم أقطع صلتي بالكلاسيكيّة. ثمة ما هو محسوس في لوحاتي التي تزخر بموضوعات عدة، أبرزها المرأة والخيل والطبيعة، وهذه الأخيرة محليّة لغنى لبنان بعناصر عدّة تجسّدها.

الفنون، في الخلاصة، عبارة عن سلسلة مترابطة، وأعرف قواعد التقنيات كلها وأدرّسها. وفي رأيي أن الرسم بالزيت يمتلك أهميّة كبيرة من الناحية التقنيّة، ولكنّ الوقت الطويل الذي تتطلبه ألوانه لتجفّ تجعل من الأكريليك أفضل وأسهل في الرسم المباشر.

- رسمت العلم اللبناني على طريقتك، ولاقت هذه الفكرة رواجاً. كم يتطلّب هذا الأمر من جرأة، خصوصاً أن العلم رمز يكون ثابتاً في الذاكرة الجماعيّة؟
- مناسبة لوحة العلم كانت عيد الاستقلال في السنة الفائتة، وقد ارتأيت إضافة معالم آثار لبنان لتزنّر الأرزة، وقد تلقّف الجمهور الأمر بإيجابيّة، خصوصاً الجالية اللبنانيّة في البرازيل حيث استخدم رسمي غلافاً لكتب لبنانيّة تصدر من هناك.

- بعد 5500 عمل في رصيدك، كيف تصف لوحاتك؟
- تعبّر لوحاتي عن شلال من الأفكار وتحمل الجديد دائماً وتمتاز بتقنيتها البارزة، في ظلّ المواد التي تدوم طويلاً وسماكة ألوانها، علماً أنّي أستخدم السكّين كثيراً في إعدادها، وأستبدل الريشة به أحياناً، ما يمنحها أبعاداً ويجعلها صعبة التقليد. وسأظل أنتج طالما مدني الله بالصحّة.

- في ظلّ طغيان الجانب التجاري على كثير من الأعمال الفنيّة، هل من خطّ يفصل بين التشكيلي الحقيقي وبين التاجر؟
- الفنّان خلق فنّاناً والتاجر خلق تاجراً. وبالطبع، أنا لا أنفي أن الفنّان يريد عيش حياة لائقة ويريد الانتشار، واللوحة هي بمثابة سفير يمثّلك في مساحات الآخرين. لا تتخيّلي صعوبة بيع لوحة كما لو أنك تبيعين ولدك، لذا أؤخّر الأمر فيصبح نتاجي كالنبيذ العتيق، ويساعدني في الأمر أنّي أعتاش من التعليم. صعدت السلّم درجة درجة وتعلّمت أن الاسم الفني هو المهم، وكلّ من يقتني لوحة موقعة باسمي يعرف أن ثمنها يرتفع كلّ سنة 10 في المئة. اللوحة هي أثمن ما يمكن اقتناءه في الحياة.

الحــوار - حزب الحوار الوطني - September 28, 2013
إنه الفنان التشكيلي برنار رنو الذي تخطّت شهرته الجغرافيا اللبنانية ووصل إلى دول العالم ليرفع إسم لبنان كمبدع من بلد الإبداع.

برنار رنو للنشرة: المرأة ملهمة الفنان وهي أجمل الكائنات على وجه الأرض

فنان تشكيلي مبدع، مهندس معماري وداخلي وأستاذ جامعي وأحد رموز النهضة المعاصرة في عالم الفنون الجميلة اللبنانية.

علاقته مع الريشة علاقة عشق وشغف، فهي لا تكاد تلامس لوحته حتى تنسكب أجمل اللوحات الإبداعية التي أدهشت العالم.

إنه الفنان التشكيلي برنار رنو الذي تخطّت شهرته الجغرافيا اللبنانية ووصل إلى دول العالم ليرفع إسم لبنان كمبدع من بلد الإبداع.

النشرة زارت رنو في متحفه وكان معه هذا اللقاء المميز.

راغب حلاوي

برنار رنو أنت فنان كبير، كيف تعرف الجمهور أكثر عليك
"ما في كبير إلا ربنا" نحن فنانون نعمل على أنفسنا لنترك بصمة في العالم. أنا فنان لبناني "بموت بلبنان" يحاول أن يظهر جمال لبنان بطريقة مميزة، والدي فنان كبير هو أسعد رنو رحمه الله. وأنا اليوم أكمل المسيرة التي بدأها.

موهبتك لم تكن صدفة، فأنت فنان منذ الصغر كيف كانت بداياتك وكيف صقلت موهبتك؟
نعم منذ صغري كانت لعبتي المفضلة هي الريشة وكان والدي يعارض أن أدخل مجال الفن نظراً لصعوبته وصعوبة الاعتماد عليه للعيش. قدمت منذ صغري أعمالاً نالت إستحسان الجمهور وحصلت على جوائز عدة. ومنذ تلك الايام بدأ حب الرسم والمشاركة في معارض يشتعل في داخلي، فصقلت موهبتي ورفضت أن تموت هذه الهبة فالرسم ليس هواية فقط هو شغف بالنسبة لي.

والدي أراد الشهادات فدرست الهندسة الداخلية وكنت متفوقا جداً بها وبعدها درست أربع سنوات هندسة معمارية. ما الذي يميز برنار رنو وما هو سر إبداعه؟
ما يميزني هو صدقي وحبي والفن و"نظافة ريشتي" والإنضباط والإندفاع، فيمكن أن تعتبرني "عسكري بلبس مدني"، لا أضيّع حتى ثوان من نهاري، أستيقظ باكراً جداً فأجد أنني أبدع في الصباح.

أنت أستاذ بالرسم ولديك تلاميذك، اخبرنا أكثر عن برنار رنو الأستاذ
نعم أنا أستاذ اعطي ساعات بالرسم لتلاميذ الفنون بكل الميادين. أواكب مواقع الإنترنت واعشقها وهي ساهمت بشكل كبير في انتشار أعمالي ولوحاتي في العالم نظراً للعدد الكبير الذي يدخلها من الناس، وهي تطلقنا للعالمية ومن خلالها أصبحت عضو شرف في الكثير من بلدان العالم منها إيطاليا والمكسيك وأنا ملحق ثقافي في لاتفيا.

برأيك ما هو الأهم الدراسة أم الموهبة؟ وكيف تخدم الواحدة الأخرى؟
الموهبة تأتي في المرتبة الأولى، بعدها تأتي أهمية صقل الموهبة. "الذوق يُربّى" قد تعلم الشخص كيف يصبح أكثر ذوقاً باختيار الألوان. وهناك بعض التقنيات في الرسم يجب أن يتعلمها الشخص.

الفن التشكيلي في لبنان، أين هو؟ هل الدولة تهتم به وله جمهور؟
الشعب اللبناني "شعب مذوق" ويحب الفن ومثقف وراق ، ولكن المشكلة هو الوضع الاقتصادي المتردي، اللبناني يحب الفن ولكنهم لم يثقفوه فنياً منذ الصغر، يجب على الأهل أن يصطحبوا أبناءهم منذ الصغر الى المتاحف، الفن في الدول الأجنبية مقدس والمتاحف شيء مهم و"بيوقفوا بالصف ليزوروا المتحف".
في لبنان لا يوجد متحف للفن التشكيلي وهذا الأمر الاهم وهذا الدليل الأكبر على أن الدولة لا تأخذ هذا الفن بعين الإعتبار، هناك بعض الأماكن التي يعرض فيها الفنانون لكنها ليست دائمة.
السياسيون لا يهتمون بالآثار القديمة يمكن ان نحول منزلا أثريا يعيدون ترميمه قليلاً ويصبح متحفا، ليس من الضروري أن "نشحد" وننتظر من أي دولة مالاً لتنشئ لنا متحفاً.
عندما تزور أي بلد أجنبي تزور متحفه قبل "مطاعمه وأراغيله"، كبار الفنانين في الفن التشكيلي يمكن أن يقدموا أجمل صورة عن لبنان.

الوضع الأمني الصعب الى أي مدى يؤثر على نفسية الفنان وإبداعه؟
ليس من المفروض أن يؤثر، مثلاً أنا لم أترك لبنان إلا في فترات قصيرة، وعشت فترات الحرب كلها، الفنان "إبن بيئته" مفروض أن يعيش ويرى ما يحصل من حوله. ففي لبنان عشنا الصعوبات وعشنا الجمال والسعادة واستمرت الحياة ولم نستسلم.

وما هو العنصر الأساسي الذي يجعل برنار رنو يبدع في لوحاته؟
أولاً حبي للبنان وحبي للفن بالمطلق، رسالتي أبدية، 5500 لوحة ولا زلت اطمع بالمزيد، ملأت جداريات في الكثير من الكنائس والقصور، رسمت 158 عملا مباشرا وهذا ما يميزني، هذا أنا اخترعته فكان الاستاذ وجيه نحلة يرسم من قبلي مباشرة، وهذا أمر صعب إذ إني أقوم بلوحة مباشرة أمام الجمهور وهذا يحتاج إلى طاقات وتقنيات كبيرة لأن الأمر يكون أكثر إنتشاراً وتكون هنا الغلطة الأولى هي الأخيرة.
هنا لنتحدث أكثر عن اللوحة المميزة التي رسمتها مباشرة في مهرجان السلام للصليب الأحمر.
إنها تجربة رائعة للمرة الثالثة أشارك بها، فضلت أن تكون هذا العام لوحتي مميزة وأرادوا مني عملاً جباراً كبيراً لا يموت يخلّد السلام والصليب الاحمر، فخطر ببالي أن أقدم خريطة لبنان اجمع بها العلم اللبناني والصليب الأحمر ، ففي هذه اللوحة تجد السلام والصليب الأحمر ولبنان والجيش اللبناني وهذا كله "خط أحمر" بالنسبة لي.

كيف تصف علاقاتك مع الفنانين؟
بصفتي صاحب محترفات ومدير اكاديمية كان لي علاقة مع الفنانين منذ زمن، وفي هذه الفترة من خلال المعارض لدي صداقات عديدة مع الفنانين، ومنهم من تخرج من عندي ومن انضم الى الفريق الخاص بي "آثار الشرق". والعديد من الفنانين يندفعون حين اشارك بأي عمل أو نشاط فني.

الموسيقى إلى أي مدى تعني لك وتعطيك شغفا في عملك؟
الموسيقى هي اللاعب الثالث معي (الألوان، الفكرة، والموسيقى والشعر) في الكثير من الأحيان أقدم لوحات مباشرة مع صوت وديع الصافي وأثناء غنائه وحين ترسم مع صوته تشعر بأنك صغير أمام هذا الجبل وتريد أن تعطي أكثر وأكثر، حين تسمع أغنيات فيروز وتسمع كلمات جبران خليل جبران "بتكبر" وتتحمل المسؤولية أمامهم.

وماذا عن المرأة في هذا الفن؟ وما الإلهام الذي تعطيه لك؟
المرأة هي ملهمة لكل الفنانين، وهي أجمل كائن حي موجود على الكرة الأرضية، هي الملهمة التي تجعل إلهامك أقوى وأجمل، ومهما كانت الطريقة التي رسمت بها المرأة ، البؤس الأمومة الجمال ، هي جميلة بكل الأوقات. جمال المرأة كجمال الحصان الأصيل كيفما انطلق وكيفما تحرك جميل.

ختاماً إلى أين يريد برنار رنو أن يصل بعد؟
طالما قلبي ينبض سأبقى أقدم الفن وارسم، أحلم بأن يصبح لدي متحف كبير لكي يرى كل الناس آلاف اللوحات التي أعطيتها وقتاً طويلاً من حياتي. وهنا أعلن حصرياً من خلال موقع النشرة أني أحضر لـ"كارافان آثار الشرق" متجولاً نجول به في المناطق الريفية لنثقفها ، وسيُقدم بطريقة مميزة جداً لنتشارك مع الأهالي والأطفال بهذا الفن ، وهكذا يصبح لدينا فنانون لبنانيون مبدعون وواعدون.

الفنان التشكيلي برنار رنو - الفن التشكيلي - لبنان - برنار رنو - الجمهورية - الثلاثاء 24 أيار 2011 
برنار رنّو: اللوحة تتكلّم... على القداسة والمرأة والضيعة
إضاءات وفن
رنا أسطيح

برنار رنّو: اللوحة تتكلّم... على القداسة والمرأة والضيعة

فنان تشكيلي لبناني منذ 40 عاماً، قدّم خلالها ما يفوق الـ 5300 لوحة، وأكثر من 100 حدث فني من الرسم المباشر، فتسنّى للجمهور مراقبة الخلق الإبداعي لصفحة بيضاء تتجلّى معالمها تدريجا في لوحة، بضربة ريشة هنا أو ببقعة لون هناك، لتسترخي الألوان في فيء ظِل، أو تنفجر في وَجه ضوء أبدع الرسّام في خلقهما... الفنان برنار رنّو يسلّط الضوء على آخر إنجازاته في هذه "الإضاءة" الخاصة...

أخيرا، احتفل الفنّان برنار رنّو باليوبيل الفضي لتأسيس محترفه الخاص "آثار الشرق"، وقد كان حلما يُداعب مخيلته منذ الصِّغَر، كما قال في حديث خاص إلى "الجمهورية"، وتابع: "مَضت على ولادة المحترف 25 سنة، تعاقبت خلالها على زيارة المحترف أعداد كبيرة من اللوحات الرائعة ومن الفنانين المبدعين".

ويتحدّث رنّو بشغف كبير عن محترفه، قائلا: "المحترف يضم عددا كبيرا من اللوحات في مركزَيه في الجميزة وضبية، ونشاطاته لا تعرف الراحة، فهو أشبه بخلية نحل تضج بالحياة حيث المعارض مستمرّة وكذلك الدروس الخصوصية والجماعية، ما يجعه أشبه بملتقى لكلّ الشغوفين بالفن. وتجمع الصفوف فئات عمرية متفاوتة. وأخيرا، انضمّ إليها عَمّي، وهو رجل يبلغ السابعة والسبعين من عمره، فترَينَه يجلس إلى صفوف الرسم مع تلاميذ آخرين في سن الشباب، ولذلك، يمكن الإحساس بجَو الحيوية وتبادل الخبرات الذي يسود المكان".

ويواصل رنّو كلامه قائلا :"الدروس تشمل، إضافة إلى الرسم، تصميم الازياء والمجوهرات. ومن الحصص المميزة تعلّم تقنية Trompe l’oeil التي هي اختصاصي، وهي عبارة عن رسم "يَغش" الناظر إليه فلا يتمكن من أن يفقه تفاصيله من النظرة الأولى. ويوفّر المحترف فرصة تعلّم تقنيات عديدة في الرسم وتيّارته المختلفة، وغالبا ما يعود إليه المحترفون لالتقاط تقنية جديدة أو تطوير مهارة معينة".

ويقرّ رنّو ان "عددا من تلاميذ المحترف يتنكّرون له متى باتت أسماؤهم بارزة، لأنهم قليلو الأصل. فالإنسان مهما علا شأنه لا ينبغي عليه نكران أصله، لكنّ معادلة الأستاذ والتلميذ ليست الأساس في نظري، فالثقة والصداقة تؤسسان لأفضل العلاقات بين الفنانين".

وعلى صعيد آخر، تتميّز لوحات رنّو ببعدها الثلاثي المأخوذ عن الهندسة التي درسها الفنان. ومن اللافت فيها أيضا، رسم المرأة التي يُضمّن محيّاها، تارة، جميع تفاصيل الرقة والأنوثة، ويترك، طورا، تفاصيل الوجه ممحيّة أو غامضة فيتيح بذلك للناظر فرصة تخيّلها. فهو يرى ان "تفسير اللوحة في كثير من الأحيان يسلبها أبعادها، والأفضل ترك اللوحة تتحدّث عن نفسها".

وتحضر مشاهد الطبيعة والبيئة الضَيعوية وجرار الماء ومشهد العرس القروي وغيرها من يوميات الضيعة، في لوحات رنّو، فتخالها أحيانا أبياتا للسبعلي تقطر ألوانا في لوحات. وللبُعد الروحي حيّز كبير في اللوحات، وقد أنجر آخرها أمس الأول، وهو يقول عنها: "هي لوحة بحجم متر ونصف طولا ومتر وعشرين سنتيمترا عرضا، وهي مهداة إلى القديس الجديد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وتتضمّن رسم القدّيس، بالإضافة الى عناصر مختلفة، منها: شجر الأرز وجبل الجلجلة. ومن المتوقع ان تُطبع على طوابع بريدية، وأملي هو في أن تصل إلى الفاتيكان لما فيها من جمالية وإحساس".

وقد شارك رنّو في رسم عدد كبير من جداريّات الكنائس الضخمة في مختلف المناطق اللبنانية إلى جانب والده الفنان الكبير أسعد رنّو، الذي "مرّ بوعكة صحية، ولكن حاله تحسّنت كثيرا، وقد يكون شفع به عدد الكنائس الكبيرة التي تحمل رسوماته".

وقد خصّص رنّو فن الـportrait أو رسم الوجه ليؤدّي تحية إلى عمالقة الفن، من بينهم: "المبدع وديع الصافي والفنان الراحل فيلمون وهبة... وقد قدّمتُ أوّل الشهر الحالي رسمة للفنان الياس الرحباني لمناسبة تكريمه، فعلّق عليها الرحباني ممازحا: انني صوّرته أفضل مما هو في الحقيقة".

يتميّز رنّو بالسرعة الكبيرة في إنجاز اللوحات من خلال الرسم المباشر، وقد رسم عام 2009 لوحة زيتية خلال سبع دقائق، وهو رقم قياسي لإنجاز تمّ نقله بتغطية مباشرة لعدة محطات تلفزيونية.

نشير الى أنّ رنّو يقدّم في التاسع والعشرين من الشهر الحالي الحدث الـ 113 في الرسم المباشر، وذلك في مقر الجامعة اللبنانية في دير القمر، لمناسبة عيدها الستين.

برنار رنّو: "نيال يَللّي جايي بَعدنا" السبت 18 حزيران 2011 - الجمهورية
ثقافة وادب
برنار رنّو: "نيال يَللّي جايي بَعدنا"
غوى مطر

تدخل إلى محترفه وكأنّك دخلت عالما آخر، عالم خيال وألوان وإبداعات. عمله المميّز يعكس شخصيته المميّزة أيضا بتواضع لا نجده لدى فنان بعظمته وشهرته. ربط بين الهندسة التي درسها في الجامعة، وبين موهبة الرسم التي ورثها عن والده الرسّام الكبير أسعد رنو، فأظهر ثقافة واسعة ميّزته عن غيره من الرسّامين. وكان لـ "الجمهورية" حوار مع الفنان تناولنا فيه ابرز مراحل مسيرته.

يقول رنّو: "في الـ 11 من عمري عرضت أولى لوحاتي في أكاديمية والدي ''ميكل انجيلو''، وأظن أن خبرة والدي ساعدتني، كذلك أمدّتني الأكاديمية بخلفيّة فنيّة، بالاضافةو الى أنّ الجَوّ العام كان مهيئا لتذوّق الرسم. لكنّ والدي كان يرفض أن أصبح رسّاما، وأرادني ان أحصل على شهادة، فدرست هندسة الديكور ثم الهندسة المعمارية، وهذا الأمر أخّرني كفنّان ولكنّه أعطاني ثقافة واسعة في الرسم ودراسة الأبعاد ودراسة اللوحة وتوازنها هندسيا، وأصبح الرسم والهندسة يكمّلان بعضهما عند التنفيذ.

برنار رنّو فنّان متعدّد المواهب، وعندما سألناه عن رأيه في الفن التجريدي، لم يتردد في الإجابة، وقال: "كل نوع فنيّ بحدّ ذاته هو مدرسة، وعلى الفنّان أن يكون لديه فكرة شاملة عن كل المدارس. أنا كأستاذ صقلت معرفتي وقمت بكثير من الأبحاث عن كل أنواع الفنون لأتمن من تعليمها، حتى انني رسمت كل الميادين الفنيّة من السورّيالية إلى التجريدية.

يوجد إبداع كبير في الرسم التجريدي وقلائل هم الرسّامون الذين يتمكنوا من رسم التجريدي، فهو شديد الصعوبة ولا يمكن لأيّ كان أن يرسم لوحة تجريديّة جميلة. إما أن يلد الإنسان وفيه "شَعطة تجريدية" ليبرع بها، وإلا نجدها ألوان مخلوطة بطريقة عشوائية، وبالتالي لا نقدّرها. أما الفنّانين المعروفين بهذا النوع من الرسم، فقد مرّوا بمراحل وتجارب كثيرة حتى وصلوا إلى التجريدية.

إمرأة برنار رنو
المرأة في خيالي هي أجمل مخلوق على وجه الأرض، وهي ملهمة الفنّانين. رسمت الرجل في لوحات عدة، لكنني أعطيت المرأة الحصة الأكبر، فهي "تستاهل" أكثر. فجسمها ووجهها ونعومتها مواصفات تميّزها عن الرجل. لكنني لا ارسم تشويه المرأة، بل ارسم المرأة الجميلة التي يستوعبها خيالي، فكل من ينظر إليها يراها جميلة بأجمل حلاها. انا ارسم الجمال، حتى جمال القبح، ولكنني لم اقترب منه خصوصا مع الكائنات الحيّة. فحين أرسم اي مخلوق، يجب أن ننظر إليه ونقول سبحان الله.

اما فيما يتعلّق بفن "البورتريه"، يقول رنو: "لا أخرج عن الواقعية، ولكن بتقنية جديدة. فأنا أرسم مع القماش والألوان التي تلمع لإعطائها رونقا وجمالا. كلّ فنان يرسم المرأة على الشكل الذي يريده، لأنّه يمتلك حرية التصرّف، فالفن غير محدود.