Antoine Latifeh Moultaka

لطيفة ملتقى أين هو الفن في ايامنا الحاضرة؟ هدف مسارحنا الحالية تجاري بحت

لطيفة ملتقى أين هو الفن في ايامنا الحاضرة؟ هدف مسارحنا الحالية تجاري بحت 
مجلة سحر - 29 - 1 - 1984

من منبر المحكمة الى خشبة المسرح انتقلت الممثلة لطيفة ملتقى بعد تسع سنوات، مارست خلالها مهنة المحاماة. تخلت عن مهنة تحصيل حقوق الناس لتتقرب منهم أكثر عن طريق المسرح الدنيا.

على يد زوجها الفنان أنطوان ملتقى تتلمذت، فأحبت الفن لكنها تعيش اليوم حالة قرف واشمئزاز نظرا ً لحالة البلد وما آل اليه الفن الذي لم يتغير مفهومه بنظرها، واصبحت تمقت ممارسته على الشكل الحالي. لقد دخلته على أساس أنه هالة عظمى يتفيأ تحتها الفنان، فيحيا في عظمتها بكبرياء وانفة.

وتتساءل مستغربة متمردة: أين هو هذا الفن في ايامنا الحاضرة؟! تقول لطيفة ملتقى عن حياتها العملية:_أنا حالليا ً منكبة على التعليم الجامعي في معهد الفنون. لا مشاريع مسرح حاليا ً، يمكن أننا فكرنا كثيرا ً ولذلك لا ننفذ شيئا ً. الاجواء الحالية لا تسمح بالقيام بأي مشروع، على صعيد المسرح. كيف نبدأ، ومن أين ننطلق؟ لا ندري. المهم أننا ما زلنا في حالة ركود وجمود هائلين.

تعطي لطيفة ملتقى التمارين التمثيلية لطلاب السنة التحضيرية كمرحلة أولى ولطلاب السنة الأولى كمرحلة ثانية، وسألتها عن المواهب االتي تلمسها لدى طلابها، فقالت: - لاحظت لدى بعضهم موهبة، ولكن بنسبة عددية ضئيلة، انما تبدو صالحة لبلد صغير تركيبته الاجتماعية معينة. لكن الخامة التي نجدها في طلابنا بحاجة الى صقل كي تعطي النتائج المتوخاة. لسوء الحظ، أن هذه الخامات المهيأة لتصبح مؤهلة سرعان ما تتغير وتتقولب لصالح المخرجين الحاليين. المسرح أصبح لدينا تعتيرا ً، والفن كما نفهمه نحن لم يعد موجودا، لذلك نرى هؤلاء المتخرجين حين يدخلون المعترك الفني يمسحون كل ما تعلموه عن جفونهم، ويتوجهون لاشعوريا ً نحو الأمور السهلة، اذ لا مجال لتطبيق ما تعلموه. وللاسف، أن مبتغى الاعمال المعروضة بات تجاريا ً محضا. انهم رغما عنهم يسيرون مع التيار، فيصبحون تجارا ً بدلا ً من أن يكونوا فنانين ولكننا نحن كمعلمين نعمل واجباتنا على اكمل وجه.

- نسبيا ً ما هو مدى تطبيق العلم على المسرح؟
- المسألة هنا تبدو دقيقة للغاية. الدروس التي يتلقنها الطالب تصقله، تحوله الى شخص مطواع، وتجعل منه مادة أو عجينة صالحة لتتقولب. هذا هو عمل المخرج الذي يقود الشخصية بشكل فني سليم ليوصلها عبر المحاولات المكررة. اعتقد انه على المخرج أن يستنبط من هذه العجينة ما يلائم العمل الفني ككل. انه يحركشها. يفجرها يبحث فيها عن مكنوناتها ليتقصى سر نجاحها. ولسوء الحظ، لا يوجد المخرج الفنان الذي هاجسه أن يقود الممثل كي يفجر طاقاته المكنونة، بل يكتفي المخرج الحالي بوجود الممثل وتقبله كما هو. لذلك، لا يشعر الممثل بضرورة التغيير، فتصبح العلاقة فيما بينه وبين المخرج علاقة روتينية لا تغيير فيها على رغم أن مجال المسرح واسع يساعده على التخلص من عقده النفسية، وعلى التحرر من قيود ذاتية. المعهد اولا ً يكسب الطالب قوة شخصية، ويهيىء صوته من ناحية الالقاء والآداء، ويمنحه سعة اطلاع وتفكير، كذلك ثقافة ضرورية لتكوين شخصيته، انما لا يمكنه أن يوظفها لاعطاء متعة لجهوره عبر متعته الذاتية، لقد حرم من هذه المتعة الاثنان على السواء.

- ما هو شعور الفنان القديم حيال هذه القضية؟ 
- الفنان القديم يجب أن ينتقده زميله الآخر وان يحلل معه المواقف والمشاهد. وكانت لذتنا نحن الفنانين تكبر حين يتحدث الينا الجمهور. هذا التفاعل الانساني هو الذي اوصلنا بالماضي الى ايجاد جمهور مسرحي معين، حتى الجمهور العادي كان يفصل بين الممثل الحقيقي والممثللا العابر. كان يتثقف ، ويفهم ما يدور حوله. يجب أن يكون تفاعل عبر اللذة المباشرة فيما بين الجمهور والممثل القدير الذي يحمل فكرة أو صورة واضحة التركيبة كلها ماشية غلط. بعكس السير. لكن الخارج من الحرب لا يمكنه أن يتفاعل ويحصل على حقوقه في السعادة واللذة في التمثيل كما كان في السابق.

قبل الحرب جرت بعض المحاولات، وقد اقمنا نحن الفنانين حملة استمرت من اول الستينات الى منتصف السبعينات، حتى توصلنا الى خلق جو عائلي فني حميم. المناقشة والتحليل والنقد كلها أمور لم نعد نعرفها اليوم لسوء الحظ. فقدنا اليوم الجمهور الذي تعاونا معه للوصول الى نقطة واحدة. هذا الجمهور أما سافر أو أصبح منكوبا ً أو أصبح عجوزا ً مقعدا ً. لا ندري تماما ً أين أصبح اليوم. وهذا الجمهور الجديد لا خبر لديه بشيء. لقد تعبنا كثيرا ً، وعلينا اليوم أن نبدأ من الصفر. فالمسرح اليوم صار بالنسبة للجمهور اللبناني من الكماليات، ولا نستطيع أن نطلب منه المزيد طالما الاوضاع الامنية لم يطرأ عليها أي تحسن.

- لماذا لا تعيدون المحاولة بالقيام بحملة كما فعلتم سابقا ً؟
- ليس هناك من دافع ولا محرك للقيام بهذه الحملة. الاعباء خلقها بعض المنتجين، وهم عبارة عن المخرجين الذين يفكرون كيف يسوقون المسرحية، وكيف يجلبون الجمهور، حتى أصبح المسرح مكلفا ً، ويفتقر الى العنصر البشري، والتفكير لا وجود له فيه. لقد أصبح المسرح عبارة عن ديكور وأضواء وهما يشكلان عبئا ً ماليا ً اضافيا ً ونحن القدامى لا مال لدينا لكل هذا.

- وبالنسبة الى المستقبل؟
- قرفانة

- ما هو مفهوم المسرح الحديث بنظرك؟ 
- كل مسرح يحكي عن مشاكلنا العصرية يسمى بالمسرح الحديث لهذا اعتبر ان مسرح شكسبير هو المسرح الاصيل في هذه الايام، المسرح القائم على الفذلكات لا احبذه.

- ما رأيك بالأعمال المعروضة حاليا ً؟ 
- لا أحضر مسرحا ً ولا أحب حضوره لأن كل الاعمال المعروفة تتشابه ولا اختلاف فيها الا من حيث الشخصيات والاسماء طريقة الاداء وحدها هي التي تثيرني في كل المسرحيات. كنت أمثل على المسرح. وكنت أشعر بلذته، كنت ابتهج حين كنت أوزع المتعة على من حولي، حتى تصفيق الجمهور كان له معنى آخر. كان وقعه على نفوسنا رائعا ً. الحرب، ويا للأسف، افرزت عوامل غريبة عنا.

فقدان الحلم؟

- ما رأيك بالمسرح العبثي، وهل هو ملائم لمجتمعنا؟
- مسرح يونيسكو العبثي عبارة عن الرمزية الباطنية، تخرج المكنونات القلبية والنفسية فتتفجر خارجا ً بطريقة غير مألوفة، أي هناك كبت متراكم له دوافعه واسبابه، ونتيجته تكون عبارة عن عمل يعتبره بعضهم غريبا ً، لأنه غير مألوف.

أما الفيلسوف كامو فهو ينطلق في مسرحه من عبث الحياة، عبث القصة، ويحكي عن تناقضات غريبة لكنها تجري في الحياة. كالشاب الذي يسافر للعمل خارجا ً. وحين يعود الى وطنه لاسعاد ذويه يقتله هؤلاء لعدم علمهم بوجوده، وهنا تقع المصيبة في تشابك الامور المتناقضة، ان شخصيات عادية وليست طبيعية، بل مركبة من عوامل نفسية متراكمة تتصرف بلا وعي وبلا شعور. ان هذا النوع من المسرح العبثي العالمي لا يمكن ان يرى النور عندنا. فهموم شعبنا وعقده مختلفة تماما ً. وأعطي مثلا ً جان جينييه، وهو مريض نفسيا ً. يحاول بواسطة مسرحه تفجير أمراضه كي يشفى منها هو وكي يشفى معه مرضاه الذين يتجاوبون معه. وبما أن الشعب اللبناني متعافى من هذه الامراض، فان هذا النوع من المسرح لا يعني له شيئا ً وبالتالي ليس لهذا المسرح خبز عندنا.

لطيفة ملتقى متزوجة من الفنان انطوان ملتقى ولهما ثلاثة أولاد (صبيان وبنت): جيلبير يتخصص في حقل الفيزياء النظري في فرنسا. وزاد، وهو فنان يتخصص في باريس ايضا ً في الموسيقى. والصغرى جيهان (13 سنة) ما تزال في المرحلة التكميلية، وتدرس أيضا ً الكمان في الكونسرفاتوار.

- ما هي ثقافتك الفنية؟
- درست البيانو، ثم الموسيقى الكلاسيكية، وكنت اميل الى اختصاص الفيزياء، لكني توجهت نحو الحقوق بناء على رغبة أبي، وقد مارست فعليا مهنة المحاماة ثماني سنوات ضمن اطار القضايا المدنية.

- لماذا تخليت عن مهنة المحاماة؟
- المحاماة أحببتها كمهنة عملت على تكوين شخصيتي، لكن الهدف الذي كنت أصبو اليه لم يكن هدفا ً ماديا ً، لذلك شعرت بأن تعاملي مع الناس ليس الا عبر المادة التي امقتها. المسرح احببته من كل قلبي وكنت امارسه مع ممارسة مهنة المحاماة، وبفضل زوجي الذي عرفني عليه صرت اميل اليه أكثر، فوجدت نفسي غارقا ً حتى أذني في الفن، فتخصصت في المعهد الفني بقسم التمثيل، واصبح المسرح هاجسي منذ العام 69. لقد أخذ كل تفكيري وحماسي، ولم يعد تلك الهواية فحسب، بل أصبح المسرح عالمي الجديد من صنع زوجي وثقافتي الفنية.

- ما هي الادوار التي تفاعلت فيها حقيقيا ً؟
- كل الادوار التي لعبتها كانت رائعة. لقد احببت دور الليدي ماكبث في مسرحية شكسبير، كذلك دور الأم في "عرس الدم" للوركا، ودور الام في مسرحية كامو "سوء التفاهم"، واحببت ايضا ً دور غيلدا في "الجنينة" من اخراج شكيب خوري، ودور الساحرة في "الكوخ المسحور"، ودور انتيغون في مسرحية "انتيغون" من اخراج منير ابو دبس. اما الادوار غير المستحبة لدي فهي دور الليدي أن في مسرحية "ريتشارد الثالث" لشكسبير، ودور سونيا في "جريمة وعقاب" لدوستيوفسكي.

- لماذا لا تشاركين في اعمال مسرحية خارج لبنان؟ 
- لا أحب أن أقوم بأي عمل مسرحي خارج لبنان. في فرسا مثلا ً لا يستهويني تمثيلهم ولا مسرحهم، ولا أحب طريقتهم في العمل ككل بسبب افتقارهم للعنصر الانساني. المسرح الفرنسي لا يغوص في عمق النفس البشرية، بل يبقى سطحيا ً.

- أين تكمن قوة المرأة؟
- في ابتسامتها
- ما هو حلمك؟
- أخشى أن أكون قد فقدت الحلم.

- ما هو تأثير الرجل في حياة المرأة؟
- زوجي كان له التأثير الاكبر في حياتي. انه تأثير عاطل برأيي. كنت أصلا ً ثورية أحب االتحدي ومخالفة القانون والاشياء المألوفة، وزوجي جاء يخربط في كل ذلك، و"ظبطني" من هذه الناحية على ذوقه. لم يعد يريدني ان اتهجم على أحد ان اتعدى على سواي، ولا ان اتعمد المشاكل والمشاكسة، فصرت فعلا ً لطيفة ومنظمة، وهذا الامر بات اليوم يزعجني كثيرا ً. تصوري انه حركش في الناحية العاطفية والناحية الانسانية حتى الامومة ونماها في لذلك أنا منزعجة. علمت اولادي ذلك، فانعكس على حياتهم الاجتماعية، فأصبحوا لطفاء زيادة عن اللزوم، وهذا الامر يبدو غريبا ً في هذه الأيام، وخصوصا ً في مجتمع الحرب هذا. لذلك، أصبحت تطلعات أولادي نحو الخارج أكثر من لبنان، فخسرتهم. احب أن يركضوا في طموحهم الى أبعد الحدود واتمنى أن يعودوا اذا عاد البلد الى طموحه الرائع وحلمه الجميل، لكني بالتالي لا أريد أن يعودوا والاجواء لم تتغير فيجترون الوضع مثلنا تماما ً. أنطوان وانا نعيش خيبة امل مريرة. أنا، مثلا ً لست مستعدة لبذل اي جهد على صعيد المسرح، على رغم اني منزعجة من عدم التمثيل، اذ لا شيء يشدني اليوم نحو المسرح

- ما هو مفهوم الحياة برايك؟
- الحياة هي الصحة.

- والمال؟
- وسيلة لتحقيق رغبات او احلام والمرة الوحيدة التي تمنيت فيها ان اكون مليونيرة حين انقطعت عني اخبار اولادي ، فوددت لو ان بحوزتي طائرة خاصة لأسافر الى باريس واطمئن عليهم.

الهام قسيس