poets-writers

Salam Al Rassi

poet and writer

سلام الراسي 1911

في جلسة جمعتنا في منزل الصديقين فيليب نصر الله وزوجته الاديبة الكبيرة املي نصر الله، رحنا نستمع ونصغي الى حديث شيخ الادب الشعبي سلام الراسي ونوادره وحكاياته. ومن بين تلك الامثال واحد وجدت في عبره حكايات الزمان. انه مثل الثعلب الذي وقف على تلة عند الصباح، فنظر الى المنحدر والسهل فرأى خياله يمتد طويلاً طويلاً، فغرّه المشهد، وداخله شعور بالعظمة. فقال محدثاً نفسه: كم أنا جبار... فلن تشبع نهمي دجاجات تلك المزارع كلها.

وكان مسترسلاً في غيبوبة نشوته لا يلاحظ تقلص حجمه، وانحسار خياله، حتى استفاق والشمس في وسط السماء اكثر بهاء واجلاء للحقيقة. وخاب أمل ذلك الثعلب إذ وجد خياله بقياس جسمه، وادرك حجمه الحقيقي، وتمنى لو يحصل على دجاجة واحدة، سقيمة، من خمّ منسي في احدى الزوايا المعتمة.

سلام الراسي اعد على نفسك هذه الحكاية وانت خارج الزمان والمكان، وانظر حواليك حيث انت... هل ستجد بقربك أمثال ذلك الثعلب؟ لا... سترى حولك من هم بمقامك... وفي البعيد البعيد حيث تتخطى انظار الكبار حدود المدى، سترى الجائعين لا الى دجاجات سقيمة من خم معتم، بل الى نظرة واحدة يكحلون بها آمالهم إذ يرونك حيث أنت، وامثالك.

يا شيخ الادب العربي والمكثر فيه حديثاً وكتابة وكتبا: لئلا تضيع – في الزوايا خبايا- حكي قرايا وحكي سرايا – شيخ بريح - الناس بالناس – حيص بيص – الحبل على الجرّار – جود من الموجود – ثمانون - القيل والقال – قال المثل – الناس اجناس وغيرها – وغيرها... قلت في مقدمة كتابك الاول: " أهدي كتابي هذا الى ابطال قصصي، الى اخواني الذين تناولتهم بأحاديثي... الأحياء منهم والأموات... شهود الأحداث التاريخية والقصص الشعبية الواقعية التي جمعتها عن ألسنة الناس... للناس أهديت... وأهديت للأدب وللفكر... ونحن بدورنا نهديك الوفاء، فنتذكرك في ابداعاتك مع كوكبة من عارفيك ومحبيك...

زياد ابي فارس الراسي بين المثل والزجل

يتمثل لي جالساً بوقار، يفرّق حبات مسبحته العسليّة اللّون، ويجمعها، كأنه يد الثمانين من السنين دونما سأم ولا عياء، وقد قضاها يلهث وراء مثل سائر، أو " ردّة" زجل أو نادرة شعرية.

ما أن تسأله عن حكمة أو خاطرة في مثل حتى تظهر على وجهه تباشير الفرح، كأنه فاز بضالة او تحفة اثرية نادرة، يميد رأسه يميناً ويساراً، ويقول هذي إلها حكاية ويبدأ بالسرد.

هذا الرجل خلق محدثاً ومعلماً أكثر مما هو مؤلف، لا تقرأ له بعض كتاب إلاّ ويدفع بك الشوق الى النهاية، ولا تنتهي من كتاب الا وتطمع في غيره. عاش حياته يطلّع ويفتّش ويجمع من هنا وهناك أمثالاً وطرائف وأخباراً، ثم يحتويها جميعاً، فكأن الثمانين لم تأخذ من ذاكرته شيئاً. عاشر رجال السياسة، ورجال العلم، ورجال الدين، والعمال، والمعّازين. و" القبضايات" شباناً وشيوخاً، وأخذ من كل منهم زاداً يبسطه على الورق فيشبع ويغني.
اسلوبه خاص به يخلط الهزل بالجد، والدارج بالفصيح، والعلم بالادب، فتخال الجاحظ قد بعث حياً. لم يتوجه الى الأدب الرسمي – أدب الخاصّة وأصحاب السلطة – بل عشق الأدب الشعبي الذي هو من العامة واليهم، وقد سمّاه " أدب الناس للناس".

شرد به حب المعرفة – والمعرفة شرود- الى علوم وفنون، منها تاريخ أحداث، ومنها أنواع من الغناء، ومنها لفتات أدبية مقارنة، ... ومنها مساجلات شعرية فصيحة مع الشاعر فؤاد جرداق . لكن ذلك لم يصرفه عن تتبّع المثل وعن الحكاية.

لقد سبق الراسي لفيف من الأدباء فألّفوا في المثل: كالمفضّل الضبّي ت. 784 م، وأبي القاسم الهروي ت. 838 م، وحمزة الأصفهاني ت . 970 م ، وأبي هلال العسكري ت. 1005 م، "هذا قديماً" وحديثاً المستشرق لندنبرغ، وأنيس فريحة، والأب ميشال الفغالي هذا الأخير. " في الفرنسية"، غير أن الراسي امتاز بطابعه الشخصي في الكتابة المفسّرة المثل، وكثيراً ما تكون الحكاية من وضعه، فإذا أصابت الحقيقة ام لم تصب، فإن بها شرف الهدف، ورشاقة اللّمح، ونكهة الابتكار، وخفّة الروح.

فن الرواية عنده – على قصرها – يشدك الى متابعة ما يليها من حكايات، انت تسمع وتشاهد أكثر مما تقرأ، وهذه الحيوية قد لا تلقاها عند الباحثين المتعمقين، وقد تجد بعضها عند الارتجاليين، لكن المحدّثين تميزوا بها، وتميزوا بالاستطراد من منهج الى آخر فلا ينتهي الحديث إنما تحصل الفائدة : إنه " الحكواتي المثقّف".

.... لكن الراسي لا يقطع في أمر إذا دخله منه شكّ بل ينسبه الى راويه. فعمله كان كعمل المحدّث والفقيه معاً: فشأن المحدّث نقل الحديث، وشأن الفقيه التصرف به وبسط علله والقياس عليه.

وقد قال الراسي: " يمكننا أن نعرف شخصية لبنان الحقيقية في مرويّات القروييّن وأمثالهم وأغانيهم: إنها مقوّمات حضارتهم على عراقة ثقافتهم".
....

وأخيراً قال الراسي " سأصير على ألسنة الرواة، وسيحاول كل واحد أن يخترعني. الحق أني أعطيت كل واحد من أبطالي شيئاً من ذاتي. فارسموني من على شفاه أبطالي " أي كما أنا لا كما تتخيلون. وأتخيل أن بوده القول: كل من يكتب عنّي غير ما أنا عليه يكون كناظم هذه العتابا " على ذوقه".

بقي أن نتوقف عند بعض النقاط:

1- أدبه أدب شعبيّ تام، فيه الفصيح والدارج، فيه المثل والشعر والزجل، يفهمه الجزائري واليمني والعراقي... وهذه هي العامية الصحيحة التي تعم ولا تخصّص.
2- بدأ محليّا في جبل عامل والبقاع، ثم انتشر على مدى كل لبنان، ووصل الى الشرق والغرب، لا بواسطة المغتربين وحسب، بل بروعة كتبه وطرافتها.
3- يصوّر بريشة الرسام البارع " نوعاً من الأدب قلّما تصدّى له الادباء من قبل عنيت الحكاية المفسّرة للمثل،...
4- يمتاز بفضولية العالم، وسعة معرفة الأديب، وذوق الفنان، ودقة الناقد.
5- يقرأه الأديب الحصيف، والتلميذ المبتدىء، والعامل والعالم، ويستسيغه الجميع لسهله الممتنع، وروح النقد " المبطّن".
6- تعوزه، ككل جامع، بعض أسباب التحقق لغة وتاريخاً وتفصيلاَ.
7- إنه جاحظ هذا العصر، أمّا كتبه فتعلّم الأدب أولاً والعلم ثانياً.

د. عصام الحوراني سلام الراسي (شيخ الأدب الشعبي) ايها الاصدقاء الاعزاء

... سلام الراسي سليل اسرة عرفت بتوجهاتها الفكرية والأدبية، وبميولها التحررية، فوالده المعلم يواكيم الراسي (1840- 1917) إعتنق المذهب الانجيلي الوافد من الغرب ...وصار المعلم يواكيم – تلميذ مدرسة عبيه اللإنجيلية- رجل الأدب والتربية في جنوب لبنان، وكان من مؤسسي مدرسة الفنون الإنجيلية في صيدا. في ظلال هذه الدوحة الأدبية الوارفة تكوّنت أسرة عرفت بعطاءات أبنائها الأدبية في لبنان والمهجر. مات المعلم يواكيم قبل انتهاء الحرب ، وسلام ابنه الأصغر في السادسة من عمره. أدخل مدرسة القرية، وبعد أن أنهى تعلّمه الابتدائي فيها، انتقل الى جديدة مرجعيون ليتلقى العلم في مدرستها العالية. ونراه في سنة 1929 يرحل الى بيروت ليتابع دراسته في الجامعة الأميركية.

وكأن هذه النفس التواقة أبداً نحو الحقيقة في علاها وفي ذراها الابية، لم تعرف الاستقرار ولا راحة البال، وبخاصة في تلك الحقبة من تاريخنا، التي عرفت أنظمة جائرة، ومجتمعات غير مترابطة، وطبقات متنافرة عاتية، وعالما يئن تحت سياط الذل والاستبداد والفقر والقلق، فامتشق سلام، منذ بداية شبابه حسام الحرية بكل شجاعة وإباء، وراح يدافع عن كرامة الناس ، وعن المظلومين المقهورين، وعن حرية الوطن واستقلاله، وذلك بواسطة أفكار ثورية إنسانية إجتماعية، وبواسطة الكلمة التي أحب، وتمسك بها، وأتقن التعامل معها كتابة وخطابة وشعرا، فإذا بنا نقرأ قصائده ومقالاته في الصحف منذ بداية الثلاثينات في ( القلم الصريح) المرجعيونية، نقرأ في عددها الصدر في 18 آب 1932 قصيدة معبرة لسلام الراسي، يقول فيها:

يا قلب دع عنك الصباية والهوى أوما كفاك توجّعي وسهادي
أقضي الليالي ساهرا متألما وينام محبوبي بطيب رقادي
أو كان من أهواه مثلي هائما بي، شاعرا بمحبتي وودادي
ما كنت أحسب أن حبي ضائع لمحبتي ومودتي لبلادي
كرست أشعاري لرفع منارها وبلاغتي وبراعتي ومدادي
وغرست آمالي وأحلام الصبا في تربها، ومعارفي وسدادي
وسقيتها ماء الجهاد فلم أنل غير الأسى واليأس بعد جهادي....

اتخذ سلام الراسي من التعليم مهنة، ... فصار يتنقل من مدرسة الى أخرى في مرجعيون، ولم يعرف الاستقرار، أو الانصياع لقوانين قديمة، ولنظم بالية، فكان يثور محاولا التغيير، ولم يلق ما يشفي غليله من قبل أسياد التعليم والادارة والسياسة في ذلك الزمان....

قال سلام الراسي مرة: (( ... أما علوم الدنيا فتعلمتها في مدرسة الحياة... بيد أني ما زلت تلميذا في السبعين... لكنني في العشرين من عمري كنت شاعراً، وفي الثلاثين صرت اديبا، وفي الاربعين صرت كاتبا، وفي الخمسين أينعت وصرت إنساناً أتأمل في عقول الناس، وفي الستين محصت تأملاتي واختباراتي فصرت ( حكواتي) أحكي وأكتب حكايات تمثل الواقع الانساني...))، ويردف بأنه عندما أنشئت مصلحة التعمير إثر زلزال 1956 وتولى رئاستها إميل البستاني- دخل سلام الراسي عليه يطلب وظيفة، فسأله البستاني عما كان يعمله من قبل، فأجاب بأنه كان يعيش في قريته ( يعمل مشاكل، ويفك مشاكل)، وراق للبستاني هذا الكلام، وأنس لصاحبه، وقال له: ( نحن بحاجة الى فكّاك مشاكل، شرط أن لا تعمل لنا مشاكل...) وكان كما قال الراسي: (( هكذا تسللت الى إدارات الدولة!)). ثم انه يروي حكاية رجل جنوبي قد تضرر منزله بالزلزال، جاءه يطلب تعويضاً، وبينما كان يدرس معاملته، سأله عن عدد أفراد اسرته ، فأجاب الرجل: عندي ثمانية أولاد للله، وكانت زوجة هذا الرجل ترافقه، فطلب منها الراسي أن تسمي له أسماء أولادها، فذكرت أربعة وتوقفت... عندها قال للرجل: أنت تقول ثمانية أولاد وزوجتك تسمي لي أربعة فقط! فأيا منكما أصدق؟ أجابه الرجل: انت سيد العارفين، متى كانت إفادة المرأة في بلادنا في مقام إفادة الرجل! وعندما أنس الرجل للراسي أردف: (( إدعى رجل من قريتي على رجل آخر، انه يطلق حماره يومياً فيهب الى بستان المدعي، ويعبث فيه فسادا، وعزز المدعي دعواه في المحكمة بشهادة رجل من أبناء القرية، قال انه رأى حمار المدعى عليه مراراً في بستان المدعي. فقال المدعى عليه ان الشاهد عدوه اللدود، وهو كاذب في افادته، فسأله القاضي أين حمارك الآن؟ قال الرجل حماري مربوط الى معلفه، وانا لا اتركه أبدا. فأمر باحضار اثنين من رجال الدرك وقال لهما : اذهبا مع هذا الرجل الى بيته حيث تجدان حماراً مربوطاً ، تفكان رباطه وتطلقانه في الطريق، فاذا ذهب الى بستان المدعي كانت دعواه صحيحة. فصاح المدعى عليه: لا لا يا سيدي القاضي، أرجوك أن تحكم عليّ كما تشاء، بناء على شهادة هذا الرجل، ودع شأن الحمار، لئلا يقال ان المحكمة الكريمة قبلت شهادة حمار أكثر من شهادة رجل، حتى ولو كان عدوي اللدود. وحمل سلام الراسي هذه الحكاية الى اميل البستاني، فسر بها، ... وقال له: اكتب ان هذا الرجل عنده عشرة أولاد، ومن الآن فصاعدا نسمح لك أن (توسع ذمتك) مع ظرفاء القوم لكي يشوفوا خاطرك بحكاية، بنكتة، بخبرية، بمثل، بقول مأثور،... ويقول الراسي: " هكذا بدأت مسيرتي مع الحكايات والامثال والطرائف" .

سلام الراسي والحكاية الشعبية

بدأت مسيرة سلام الراسي في التأليف يوم أصبح في الستين من عمره، مع كتابه الاول ( لئلا تضيع) ...، وكرت السبحة مع مؤلفاته: (في الزوايا خبايا) 1974، (حكي قرايا وحكي سرايا) 1976، (شيح بريح) 1978، ( الناس بالناس) 1980، ( حيص بيص) 1988، ( الحبل على الجرار) 1988، ( جود من الموجود)1991، (ثمانون) 1993، ( القيل والقال) 1994، ونذكر أيضاً: ( قال المثل)، و(الناس أجناس)، و(حكايات أدبية)، ( أقعد أعوج وإحكي جالس)، و(من كل وادي عصا)، و(السيرة والمسيرة)، و( ياجبل ما يهزك ريح)، واخيرا كتاب: ( أحسن أيامك، سماع كلامك) الذي صدر سنة 2001.

الحكايات الشعبية ما يتصل بها من أحاديث، وأخبار ، وما يشبه الاساطير، والخرافات والمعتقدات الشعبية، والامثال ، والاشعار،...هي العمود الاساسي في مؤلفات سلام الراسي. انها تتميز ببساطتها، وواقعيتها، وبلاغتها في التعبير . فالبطل أو الابطال في الحكاية يتكلمون بلغة الناس، ويعبرون أصدق تعبير عن الحكمة والحق، والمآثر والعبر، وكل أمور الحياة المتفق عليها بين الناس عبر السنين، ...

اعاد سليم الراسي جمع هذه الحكايات بقالب سردي مميز، وبأسلوب خاص فيه التشويق والفكاهة الشيء الكثير، ولاسيما في عملية سرد الوقائع والقصص وتطعيمها بأمثال، وأزجال، ونوادر، وطرف ، تبعد الملل عن قلب القارىء، فيسير المؤلف من حكاية الى أخرى، ومن مشهد الى آخر، مما يسبغ على هذه الحكايات صفات التنّوع والبساطة والبداهة والمرونة....

هي حكايات معتقة... وأساطير وخرافات مجددة، وخبريات وأحاديث على المصاطب وفي الدواوين؟ يحاول سلام الراسي أن يمزج الجد بالدعابة والحكمة بالبساطة، لكي يسهل تقبلها لدى عامة الناس، ويلذ لهم سماع أخبار تراثنا العتيق. فالمثل يتصف بالسمو والرفعة والترقي، ويتضمن مأثورات انسانية واجتماعية. ، ويظهر مدى شخصيتنا الحضارية، والنفسية، والاجتماعية، وأصالتنا المتمثلة بالذاكرة الشعبية الجماعية، ...

يسعى سلام الراسي الى سرد أحداث من تاريخنا القريب والبعيد، وكذلك فهو من خلال حكاياته يجسد ما في العالم المحيط من عبر وحقائق وصور تمثل الواقع أو تكاد، وهذه القصص تعكس مواقف الناس في شدائدهم، وفي أثناء محنهم ومصاعبهم، ولاسيما التي جرت احداثها في منطقة الجنوب ما بين الحربين العالميتين، وما رافقها من ضيق وتشرد وقهر وعذاب.

أشعار من الذاكرة في أدب الراسي
.... تتصدر موضوعات الشعر بالعامية في مؤلفات الراسي التغني بالامجاد والمواقف والبطولات، فهذا النوع من الأدب يتلائم ونفسية جماعية ويتطابق وتطلعاتهم وأهواء كثيرين منهم. ....

يتناول سلام الراسي ما كان يدور في فلك الدولة منذ مطلع القرن العشرين من مظالم ومساوىء وعبث واستهتار، فيصور مدى علاقة الناس بدولتهم منذ عهد الانتداب ، يروي في (الحبل على الجرار)، انه بمناسبة عيد لبنان الكبير، ترددت على ألسنة الناس ردّة موجهة الى المفوّض السامي آنذاك:

شو طقنا بالعيد حتى نمارسو بدك تسامحنا يا مسيو (بونسو)
ما دام لبنان الكبير متل التران وبعدنا: بريمو وسيكوندو وتارسو

ونال لبنان استقلاله، وفي سنة 1947 كانت الانتخابات المعروفة في 25 ايار، وما رافقها من تزوير وتلاعب وارهاب، فسقط من سقط، ومنهم المرشح حسني أبو ظهر الذي لم ينل عند الفرز صوتا واحدا، فراجت هذه الردّة، التي جاءت في كتابه (ثمانون):

يا حسني بعد اللي صار في خمس وعشرين أيار
صرنا بعهد الاستقلال نترحم عاللإستعمار

ويروي في (يا جبل ما يهزك ريح)، كيف أن واحدا من الصحافيين سأل أحد الجنوبيين من كفركلا عما يعني له الاستقلال، وذلك بمناسبة الاستقلال سنة 1972، فاجابه الجنوبي شعرا:
لا تسألني أنا مين وشو بيعنيلي الاستقلال
ما بيكفيني سين وجين وكيف الصحة وكيف الحال
جوعانين وبردانين ومقهورين وعنا عيال
وبتسألني أنا مين وشو بيعنيلي الاستقلال....

يقول في ( الزوايا خبايا)، على لسان أحد الشعراء من جبل عامل، يصف ما آلت اليه الامور من قهر وذل:
يا حسرتي ها العيشة البلبهدله بيتي على ظهري وبايدي مكنسه
شو هم سيدي البيك لو عين علي موزع بريد يما معلم مدرسه

مقتطفات من كتاب روّاد لبنانيون، مجلد رقم (1) ، منشورات جامعة سيدة اللويزة، ص 195 وما يليها.