poets-writers

Rachid Salim Khoury

poet and writer

رشيد سليم الخوري

"الشاعر القروي" – "قديس الوحدة العربية"

حياته: ولد رشيد سليم الخوري الشاعر القروي عام 1887م في قرية البربارة قرب آثار بيبلوس القريبة على شاطىء البحر الأبيض في لبنان. وهي اليوم قرية مأهولة بعدما كانت مهجورة في أواخر الستينات. تعلم في بيروت وطرابلس وزحلة وسوق الغرب واشتغل في التدريس مدة سبع سنوات. ولم يجد الرزق في بلده فهاجر. سافر الى البرازيل لأن عمه يقيم هناك. وصل سنة 1913م وكان يحلم بالغنى وهناك حمل الصندوق المملوءة بمختلف السلع "الكشة" يضرب في القرى والدساكر مناديا   على بضاعته ثم عاد الى سان باولو ولم يوفق. وأخذ بعدها يعلم في المدارس وفي البيوت ثم تحول الى التجول في الولايات المتحدة كمعتمد لبعض المحلات التجارية وعاش بالكفاف وغالب الحرمان بالقناعة. اتهم بالمروق من لبنانيته لمجرد ميله الى العروبة. وقد صور كفاحه في سبيل الوحدة العربية بالشعر فهو من أقوى الأصوات العربية الوطنية في المهجرين الشمالي والجنوبي. فحاربه الاستعمار بحرمانه من الجنسية السورية واللبنانية ومن الحق في العودة الى وطنه حتى عاد في أيام الوحدة بين سورية ومصر. اشترك القروي في تأليف العصبة الأندلسية "برئاسة ميشيل معلوف" عام 1932م وتولى رئاستها بعده وقد وصفه أكرم زعيتر ب "قديس الوحدة العربية" قال: لو جاز للوطنية قديسون لكان الشاعر القروي أحدهم وقد علمت من أبناء وطنه ما حقق الأمل فيه. حتى انه كان حين يتطوع للطواف في القرى والأقاليم النائية لجمع الاعانات للقضايا العربية كان يستصحب معه جوارب لبيعها في الحين ذاته. وينفق من ربحها على أجور رحلته مؤثرا  هذا على أن ينفق من الأموال العامة شيئا  .

وكان قسمه "لا والعروبة" وكانت قصائده الوطنية تقرأ في السر أيام الاحتلال في لبنان. وقد رفض حب امرأة انجليزية فقال: فاني حرام علي هواك وفي وطني صيحة للجهاد وحرم على نفسه لبس الجوخ الانكليزي بعد ما غدرت بريطانيا بالعرب. ورفض شراء منزل له وقال: ان أمنيتي بعد هذه السن التي بلغتها هي قبر في وطني لامقر في غربتي وعندما اشتدت حاجته الى المال باع أعز ما يملك: عوده وكتبه. واعتذر عن قبول حوالة الشيخ الباقوري. وهو وزير الأوقاف المصري بمائتي جنيه وطبع كراسا   يحتوي على ثلاث قصائد اللاميات الثلاث ورصد ريعه لنصرة فلسطين.

وعندما أصدر ديوانه "الرشيديات" 1916م وصفه نجيب قسطنطين في جريدته "المؤدب" من باب السخرية بأنه شاعر قروي غير أن سليم الخوري تحدى ناقده وذيل أول قصيدة نظمها عقب ذلك بلقب الشاعر القروي.

آثاره: وقد أصدر القروي سبعة دواوين شعرية منها الرشيديات والقرويات والأعاصير واللاميات الثلاث. ثم جمع شعره كله في ديوان كبير سماه "ديوان القروي" ظهر عام 1952م في 926 صفحة من القطع الكبير. وله كتاب باسم "أدب اللامبالاة" أدب الشماتة والعقوق ب 32 صفحة من الحجم الصغير. طبعه في سان باولو عام 1957م. عاد القروي الى وطنه بعد خمس وأربعين سنة يوليو 1958م وأقام في قريته البربارة. ثم عاد أخيرا  الى البرازيل ولا زال في عام 1971 يتردد بين المهجر وبلده. أهدى ديوانه عام 1961 الى كمال الدين حسين وزير التربية بالقاهرة فأرسل الوزير 2000 الفي جنيه للشاعر ثمنا  لذلك الديوان. قال:

زعم الأغرار أني شاعر ضيق الآفاق محدود الحدود.
وستبلى وطنياتي التي رفلت منها البوادي في برود
جعلوا الرقة مقياسا  وما أبعد الرقة عن تلك الكبود
أرأيتم شاعرا   تطربه أنة الشكلى على رطب وحيد؟

كانت تصل قصائد القروي في رسائل خصوصية لمحمد قره من باعة صحف بيروت أثناء الانتداب الفرنسي وتباع بثمن مرتفع ولما وصلت سينيته كانت مورد رزق غزير له لأن موضوعها السياسة في لبنان في ذلك الوقت.

وطن تحيرت العبيد لذله وأذل منه رئيسه والمجلس
جاد المفوض بالعليق فحمحموا وثنى عليهم بالشكيم فأسلسوا

شاعريته: قسم ديوان القروي الى أبواب فهناك "البواكير. والأعاصير والزمازم والمحافل والمجالس وزوايا الشباب والموجات القصيرة والأزاهير" وفي صدر الديوان مقدمة طويلة تقع في أربعة وثلاثين صفحة غير الصفحات ال926 التي تضم شعر الديوان وفي هذه المقدمة سرد القروي سيرة حياته وتحدث عن أسرته وأخلاقه وطباعه وغربته ووطنيته ووقف قسما  كبيرا  من المقدمة للحديث عن القومية العربية وايمانه بها وحبه لها وواجب العربي القومي نحوها.

1- لعل الميزة الجامعة لشعر القروي أنه وليد الشعور الدافق. وهذا الشعور قد يرق أحيانا  فنسمع فيه أنغام السواقي والشحارير وقد يعنف فاذا فيه جلجلة العواصف وهدير الأمواج وقصف الرعود. وقد يروق فاذا هو حنين ذائب ملتهب وقد يفور فاذا هو ثورة صاخبة عارمة ووطنية مؤمنة لاهبة وغيرة قومية فيها الصدق كله والوفاء والمحبة كلها يرى شاعرنا الأبقار سارحة في الحقل في أحد أيام الشتاء فيخاطبها قائلا:

تشكين فصل الشتاء البارد القاسي ماذا أقول أنا في عشرة الناس؟
نامي على الثلج نامي ليس من باس فالثلج غير فؤاد دون احساس
وان تكن هاطلات الغيث تغشاك طوباك فالقطر غير الدمع طوباك

أما الحنين فنستطيع أن نقول ان القروي أكثر المهجريين حنينا  في شعره. ولعله أرقهم احساسا .

أحبابنا، سكتت على الأغصان أصوات البلابل
وأتى الرعاة من الجبال ولم يعد في الحقل عامل
قوموا نعود الى الحمى، عاد الجميع الى المنازل

2- وأما مقدرته على التصوير فانها تظهر في عدد كبير من قصائده الجياد ولكنها أبرز ما تكون في قصيدته المطولة "الربيع الأخير" فهي متحف يعج بأروع التحف الفنية الباهرة. تتألف القصيدة من مائه وثلاثة أبيات بقافية واحدة. وأبرز مزايا هذه القصيدة فتتلخص فيما يلي: 1- لطف الاستهلال. 2- وبراعة التصوير. 3- والرقة في النداء وفي الغزل. 4- ووصف حياة الشعراء والفنانين الخيالية الحالمة وحياة أبناء المجتمع المادية الجامدة 5- مع التفاتات انسانية 6- والتفاتات وطنية. يبدأ الشاعر قصيدته بمخاطبة فتاة حبه والهامه: لمياء:

لمياء هذا جبين الفجر قد سفرا وموسم الحب عنا مزمع سفرا

ثم يناجيها مناجاة سحرية عذبة ويصور لنا الحياة التي يحبها والتي لا يهيم بها سوى أبناء الفن.

هيا الى الغاب! اني قد بنيت لنا من الرياحين عشا  لينا  عطرا
تحنو علينا ظلال الأيك رقطها من الأشعة كف ترسم النمرا

ثم يصور حياة الشعراء الخيالية وحياة المجتمع المادية بعد أن قطع في نجوى فتاته أربعة وخمسين بيتا  .

لا،لا، دعيني وحدي، لا أريد معي الا الكتاب والا العود والوترا
هذي سخافات أهل الفن ينشدها من رهطهم كل من غنى ومن شعرا

وفي القصيدة لفتات انسانية جميلة أوردها الشاعر في أسلوب بالغ التأثير كحديثه عن قوة غاندي الزعيم الهندي الضعيف الذي انتصر في ضعفه على قوة وجبروت المستعمر البريطاني.

وهل سمعت بغاندي؟ انه حمل في الهند ثار على "الضرغام" وانتصرا

3- أما شعر القروي الوطني فيبدو أنه لا يقتصر على بلده لبنان فحسب فكل قطر عربي هو وطنه يتغنى به ويشيد بمحامده وهو من المؤمنين بأن العروبة وحدة لا تتجزأ وان فرقتها السياسة الاستعمارية زمنا . ولذا نراه يحمل على اخوانه اللبنانيين المسيحيين الذين لم يشتركوا في الثورة السورية الأولى لتحرير بلادهم من نير الأجانب فيخاطب سلطان الأطرش:

فتى الهيجاء لا تعتب علينا وأحسن عذرنا، تحسن صنيعا
اذا حاولت رفع الضيم فاضرب بسيف محمد واهجر يسوعا
والمحبة وحدها لا تكفي لأن القوي لا يؤمن بها ويعدها تملقا  وضعفا   وجبنا 
والسيف - لا عيسى ولا أضرابه - خلق الكمال لهم من النقصان

والدين الذي يؤمن به القروي ليس النصرانية ولا الاسلام وانما هو دين "القومية العربية" التي تجعل من العربي أخا   ونصيرا  وسندا   لكل ذي ملة ودين في وطنه والعيد عنده هو العيد الذي يجعل العرب أمة واحدة.

هبوني عيدا   يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلا   بعده بجهنم

4- ولا ينسى القروي فلسطين المنكوبة المجاهدة وقد ذكرها القروي في عدد كبير من قصائده فهو يندد بوعد بلفور فيقول:

الحق منك ومن وعودك أكبر فاحسب حساب الحق يامتجبر
عد من تشاء بما تشاء فانما دعواه خاسرة ووعدك أخسر

ثم يخاطب بريطانيا بلسان الثائر العربي الفلسطيني فيقول:

فصل الخطاب هنا بحد الفيصل فاقطع بلندن ما بدا لك أوصل
يامغريا بي عنكبوت دهائه هلا غزلت بغير هذا المغزل؟

5- فالقروي شاعر القومية العربية ولسان الثورة الحمراء لأجل الحرية. ولذلك نادى بها في أكثر قصائده. وهو شاعر الثورة السياسية أو شاعر الوطنية الأول ولكنه ليس شاعرا  اجتماعيا ، وذلك بسبب بعده عن وطنه. أحب الطبيعة وعشقها حتى انعطف على الشجرة يعانقها والصخرة يضمها والزهرة يناغيها والموجة يتقلب عليها وأحب الكون والناس وكل شيء وأصر دوما  على الغرق في الطبيعة. الغرق الذي اعتاده في قريته الأولى البربارة.

لي قلب يسع الكون فلا تسألوني ما الذي تهوى ومن
كل شيء فيه شيء حسن وأنا أهوى من الشيء الحسن

الأسلوب: رمي القروي واتهم بالثورة، طول الشكوى وخشونة الحاشية وضعف الخيال وأنه محدود التفكير ضيق المجال. ولكن القروي لا يجد قيمة للقوافي بعد ذل الأوطان

جميل رحماك دعني من القوافي العقيمة
جميل هل بعد فقد الأوطان للشعر قيمة؟

وحسبه ان لم يقل شيئا  أنه قال كلمة الحق ودعى الى ما يصون الكرامة.

لئن لم أكن أشعر الشاعرين ولم أجن من أدبي فائده
فحسبي أن ضنت ماء الجبين وتلك قصيدتي الخالده.

فالقروي في هذا يقف على الجانب الآخر من الطريق المألوفة لشعراء المهجر أبو ماضي ونسيب عريضة وجبران ونعيمة ورشيد أيوب والشعراء المعالفة والآخرون. فكلهم فرقتهم الحيرة. حيرة شعب مهاجر ضعيف مغلوب على أمره ومصيره وحيرة الانسان الصغير أمام الكون. النسيج المشترك في انتاجهم انما هو "القلق الانساني" أما القروي فشاعر الاطمئنان العربي والهدوء النفسي. انه وحده الذي عرف طريقه وسار فيه. لم تعتصره الحيرة بل اتخذ النضال طريقا   له ناضل ضد التعصب الديني وناضل في سبيل الانسانية وفي سبيل القومية العربية. وفي سبيل الوطنية ناضل في سبيل أن يرفع كلمة الحق. فكان خير قديس لخير أمة.

بعض المراجع:
1- الشعر العربي المعاصر لأنور الجندي.
2- أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكية لجورج صيدح.
3- عيسى الناعوري: أدب المهجر.
4- مقال الأديب المهجري نظير زيتون في مجلة القلم الجديد لشهر آب بعنوان "الأدب العربي في البرازيل."
5- الشاعر القروي في مصر مقال بمجلة المجلة المصرية العدد (39) مارس 1960 وعدد يوليو 1959 ومجلة الأديب اللبنانية عدد آب 1946 وعدد خاص عن الشاعر في مجلة الثقافة السورية عدد اكتوبر 1958.
6- عبد اللطيف شرارة سلسلة اقرأ.
7- مارتينيو ماريو مورينو مجلة المشرق ليفانتي التي تصدر بالعربية والايطالية عن مركز العلاقات الايطالية العربية في روما.
8- أحمد قبش - تايخ الشعر العربي الحديث

الشاعر القروي رشيد سليم الخوري - أعداد النقيب توفيق يزبك

أحب وطنه الى حد العشق

انه رشيد سليم الخوري المولود سنة 1887 في السابع من نيسان في قرية البربارة. التي تقع بين قضاءي البترون وجبيل وتطل على البحر. هاجر الى البرازيل سنة 1913 وعمل هناك مثل معظم اللبنانيين، وواجه صعوبات جمة في العثور على عمل في الريو دي جانيرو، ثم انتقل الى ساو باولو سنة 1915. طبع ديوانه "الرشيديات" سنة 1916، ثم ديوانه "الاعاصير" سنة 1933 ويضم مختارات من شعره الوطني المنطوي على الحنين والعصبية للأمة العربية. ناهض وعد بلفور في شعره وعبر عن مواقف الجالية اللبنانية في المهجر. عاد الى وطنه سنة 1958 وهو القائل:

بنت العروبة هيئي كفني أنا عائد لأموت في وطني
أأجود من خلف البحار له بالروح، ثم أضن بالبدن

وفي قصيدة غيرها يقول:

غرست بلبنان ورد الأمل فقل للبرازيل ان تمحلا
وجدت عليه بمزن المقل فقل للأمازون ان يبخلا
وحليت قلبي بنبع العسل فقل لليالي امطري حنظلا

عرف بالشاعر القروي وأحب وطنه الى حد العشق، ومما قال فيه:

قالوا أتعشقه وهذي حاله يا حبذا وطني على علاته
العيش حلو في سبيل رقيه والموت أحلى في سبيل حياته

طرق القروي كل أبواب الشعر واستشف كل ألوانه. وكان يتمتع بشخصية أهلته للتفوق اذ كان مديد القامة، جميل المحيا موهوبا  وشاعرا   مميزاً. أحب الناس وأهله وحافظ على صداقاته طوال حياته المديدة، اذ تخطى الخامسة والتسعين من العمر؛ ومرة خاطب امه شعرا   فقال:

ولو عصفت رياح الهم عصفا ولو قصفت رعود الموت قصفا 
ففي أذني عند النزع صوت يحول لي عزيف الجن عزفا 

فيطربني وذلك صوت أمي

ولو هجمت على قلبي البلايا وهدت سور آمالي الرزايا
فان بباب فردوسي ملاكا  يسل السيف في وجه المنايا

فيحرسني وذلك طيف أمي

وجاء في قصيدة له بعنون "الحياة الباقية":

يا نهارا  ظن نور العقل من نور الجبين ذلك الزنجي أدرى منك بالسر المصون
أحسبت الليل أعمى؟ سؤت فألاً يا نهار ان تكن تفخر بالنور فدع عنك الفخاذ

أنت ان فتحت عينا  فتح الليل عيون

طبعت مجموعة دواوينه المتفرقة في ديوان واحد سنة 1961، جمع فيها شعره المتفرق في سبعة أبواب هي: "البواكير، الأعاصير، الزمازم المحافل والمجالس، زوايا الشباب الموجات القصيرة والأزاهير".