poets-writers

Elias Abou Chabke

poet and writer

ولد الياس أبو شبكة في بروفيدنس من الولايات المتحدة 1903، أثناء رحلة لوالديه فيها، من والد هو يوسف أبو شبكة من بلدة الزوق إحدى قرى قضاء كسروان، بعد انتهاء الرحلة، انتقل الطفل مع والديه الى باريس ثم الى موطن أجداده حيث أرسل الى مدرسة عينطورة، وظل يختلف اليها حتى نشوب الحرب الكبرى وفي نهاية الحرب تابع دروسه ليتخرج متقناً الفرنسية الى جانب العربية
   
فُجع بموت ابيه، أثناء الدراسة، فخلّف ذلك في نفسه جراحاً لا تندمل وجعله يشعر باليتم ويضمر حقداً على القدر الذي فجعه بحنانه.
 
انصرف الى الترجمة والتحرير في الصحف، والى متابعة تحصيله العلمي والأدبي بمطالعة كبار الكتاب من العرب والفرنجة. عمل بالتدريس حيناً، وبالوظيفة حيناً ولكنه اختار المجال الصحفي الذي مال اليه منذ شبابه الأول. فحرر في عدد من الجرائد والمجلات اللبنانية ( البيرق، والبيان، والنداء، والمعرض، والعاصفة، ولسان الحال، والجمهور، والمكشوف، وصوت الأحرار خاصة) كما راسل عدداً من كبريات الصحف المصرية - المقتطف، المساء. 
  
كان أحد مؤسسي «عصبة العشرة» وهي جمعية ادبية انضوى تحت لوائها خليل تقي الدين وتوفيق عواد وكرم ملحم كرم وميشال ابي شهلا وفؤاد حبيش وسواهم من أدباء النهضة الحديثة.

قبل الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة، ظهرت عليه أعراض المرض، لكنه ظل يجهد نفسه ويرهق جسده المنهوك حتى أسفر له الداء في اواخر عام 1944 واشتدت عليه وطأته الى أن صرعته في صباح الإثنين 27 كانون الثاني1947 .

كا أبو شبكة سريع الإندفاع، وافر الحماسة، شديد التعصب لرأيه وقوله، وشعره خاصة، عنيف الرد على مناظريه ، عصبي التعبير... إلا انه كان وشيك الهدوء قريب الرضا فيعود كما بدأ صديقاً مخلصاً وفياً ، سليم القلب، طيب السريرة، علّي إباء أنوف ، وكبرياء تياهة.

أثــــاره:

كثر نتاجه الأدبي بين شعر ووضع ترجمة ، حتىأربى الى الثلاثين كتابا ، بالإضافة الى دراسات ومقالات لم تنشر بعد.

من ترجماته: جوسلين، سقوط ملاك ( لا مرتين) – بول وفرجيني ، الكوخ الهندي ( لبرنردين دي سان بيير) البخيل ، والمذري النبيل، ومريض الوهم، والطبيب رغماً عنه (لموليير)، أوسكار وايلد (لروستان) ...

ومن وضعه: طاقات زهور، تاريخ نابليون، الرسوم، لبنان في العالم، المجتمع، الأفضل، روابط الفكر، بين العرب والفرنجة، ... وسواها من الكتب والمقالات التي تناول فيها وجوهاً مختلفة في الأدب والإجتماع والنقد والسياسية.
ولكن مؤلفاته الشعرية ، هي التي قامت عليها شهرته أهمها:
القيثارة (1926) – أفاعي الفردوس (1938) – الألحان (1941) – نداء القلب (1944) – الىالأبد (1945).

القيثارة: أصدرها وهو في الثانية والعشرين من عمره متضمنة نحو 80 قصيدة تنطوي جميعاً على نزاعه بين الواقع والمثال ، متأرجحاً فيها بين اليأس وشهوة الموت، ناقماً على بلاده تخلفها وفسادها، متغنياً بماضيها، كما أنه لاذ حيناً بالطبيعة التي يصلي لها صلاة اليأس والوحدة، وفي القيثارة قصائد من الحب المتفجع المتدهور الذي يتوق الى عالم ما وراء الوجود، وهو في تلك المجموعة يقتبس من الشعر المهجري ومن الشعر القديم كما يبدو متأثراً غاية التأثر بالرومنطقية الفرنسية الباكية المنتحبة.

أفاعي الفردوس: ولعلها اروع آثاره ، قال مخائيل نعيمه في حديثه عنها : «ما أعرف شاعراً يستطيع أن يأتي بمثلها أو أن يدانيها في وصف الشهوات الجسدية الجامحة » ، ولقد عبّر فيها الشاعر عن تجربة الخطيئة والشهوة، كاشفاً قناع العصر وخداع الفضيلة، مفجراً ما في النفس من توق الى اللذة لا يعادله فيها إلا الشعور بالندم والتبكيت ، ولقد كسا تجاربه بحلة توارتية، متقمصاً اسطورة شمشمون ودليلة ولوط وابنتيه، هو يوحي بأن جذور الشر عريقة في تربة التاريخ .

الألحــان: مجموعة شعرية وفيها يتغنى ببلاده وطبيعتها من خلال مختلف الفصول، بأناشيد وطنية عاطفية ، لحن معظمها ، ويصوّر القرية وأعيادها ومواسمها وفرح ابنائها وقناعاتهم ، وقد امتازت عباراتها بالرقة والعذوبة والنزعة الفولكلورية .

غلـــواء : هي قصة شعرية طويلة (حوالي مئة صفحة) نظمها بين سنتي 1926 و 1932 ، ولكنها لم تنشر بصيغتها النهائية الا سنة 1945 . روى فيها قصة حبه لفتاة تدعى (اولغا) حوَّر اسمها الى غلواء، وقد اصبحت فيما بعد زوجته، وفي ذلك يقول : «بنيت الموضوع على شطر من حياتي الغرامية، وحملت غلواء الطاهرة البريئة، مثال الفتيات تحت هذه السماء، تتبعة الفتاة البريئة الي تنخدع بزخارف العالم فتسقط، ثم يشملها الندم فتفكر بالبكاء والموت».

يرسم فيها ابو شبكة صورة التلذذ بالعذاب والتمجيد للدموع التي تغسل الذنوب، وهي تضم أربعة عهود:

العهد الأول: وهو عرض المرض والرؤيا، يبدا بوصف هناءة العيش في القرى ثم ينتقل الى مباشرة القصة في ذكره لمرض غلواء في صيدا وإظهار تحسره واكتئابه لهذا النبأ، ويستطرد الى وصف الفلاح تروحاً عن ألمه، ويعود الى ذكر ما كان من أمر غلواء عند قريبة لها في صيدا، اذ تستيقظ ليلاً فتجد قريبتها في وضع مريب ، فتهب مذعورة وتنفر ليلاً وتخبط على غير هدى.

العهد الثاني: عهد العذاب، استهله بوصف عذاب الضمير، وحديث الشاعر مع امه يشكو لها صدود غلواء عنه، فتطيّب امه خاطره وتعزيه وتحذره، لكنه لا ينصاع لها، بل يقتفي آثار غلواء، حيثما حلّت ورحلت ويبثها نجواه ولواعجه .

العهد الثالث: وهو عهد التجلي، يتحدث فيه الشاعر عن الألم ويمجدّه على غرار الرومنطيقيين، ثم تصفو رؤاه، فيرى الملائكة والعذارى الطاهرات ، ويسمع فيها موسيقى داود، ويعبّر كذلك، في هذا العهد عما يعانيه البشر من الظلم، وعن الأغنياء والمترفين، والغارقين في نعيم الدنيا ، ليعود الى بؤسه وألمه ولا ينجو من ذلك إلا بلجوئه الى الذكريات
.
العهد الرابع : وهو عهد الغفران، حيث تبتسم له الطبيعة بعد عبوس، إذ يلتقي الشاعر حبيبته، فيتشابكان آلام الحب ويتعزبان دون أن تجمد جذوة آلام الحب ويتعزيان دون ان تجمد جذوة الآلام في نفسيهما.

حديث الخيال

تحرّك الليلُ، فقال الخَيَال :
من ليس يَبكي في الليالي الطوَّال
ولا يُدمّي المُقلَة السَاهِدَه

مَن لم يذق في الخُبز طعم الألَم
ولم يُنكر وجنَتيهِ السقم
وتسلخ الأوجاعُ منهُ حُطَم

من لا يرى في الشَمس طيفَ الغرُوب
ويُسمع الليلَ اختِلاجَ القُلوُب
ويَرصُدِ الشمعة حتى تذوب

من لم يُغمّس في هواه دَمَه
من يَمنَع الأهوالَ ان تُطعِمَه
ولا يرى في كل جرح حِكَم

من ليسَ يَرقى ذروة الجُلجُلة
ولم يُسمّر في الهوى أُنمُلَه
ويُرفَع العَلقمُ والخَلّ له

مَن يَصرف العُمرَ على المُخمَل
ولا يذوقُ البؤسَ في الأول
ولا الأسى في مخدَع مُقفَل

لن يعرفَ، العُمرَ ، شعَاعَ الإلَه
ولَن يَرى آماله في رؤاه
بل عالماًًً يخبِط في مهزَله

الشمعة المحتضرة

في ليلَة حالكة كالهُموم
هابطةِ الجوّ بثِقل الغيوم
كأنها قد حَبلَت بالرّجوم

كان الفتى الشاعرُ في مخدَعه
يَبكي، فيَجري القلبُ في ادمُعه
شعراً يَعِيهِ الحزنُ في مِسمعِه

وكانتِ الشمعَةُ في حُجرَته
تنزَعُ كالمَيِّتِ في ساعته
أكلّ شيء، مثلَها لا يدوم؟

وكانتِ الوَحدةُ كالمدفَن
مُوحِشة في ذلك المسكن
وقد سطا النّومُ على الأعيُن

واستيقظ الشاعرُ من سكرتِه
وحوّل العينَ الى شمعَته
أنيسةِ الأشجان في وحدتِه

وبعد أن مرّت عليهِ ثَوان
كأنها من دامياتِ الزمان
قال بصوتٍ راعش مُحزِن:

يا شمعتي ماذا وراءَ النِّزاع؟
ما هذِه القطرةُ تحتَ الشُعاع
ولم أرى فيها إصفرارَ الوَداع؟

في دمعكِ الشَّاحبِ نورُ يَذوب
ماذا تقولينَ به للقلوب ؟
لم يعَمرُ الشُعلة هذا الشُحوب ؟

أينتهي الحبُ كما تنتَهين
يا شمعتي، يا مَثل العاشِقين
لذاتُه تأتي وتمضي سِراع؟

وإذا تلاشى نفَسُ الشَّمعةِ
مثلَ تلاشي الرُوح في المَيتِ
قال الفتى الشَاعرُ للظُلمَةِ:

يا مدفِنَ الأنوار ماذا وراء
هذا الدُجَى الحالكِ ، هذا الغِطاء
ماذا وراءَ الليل، هل من ضِياء؟

لم ينقضي الليلُ ويأتي السّحَر.
مهزلةُ من مَهزَلاتِ القَدَر .

يا بلادي

يا بلادي
هو ذا قلبي يبكي
فوق أطلال هواه، وينادي
يا بلادي!

لو ترينَ الدمعَ
جارياً في الصدر، مثلَ الجدولِ
تمتلي منه عيوني
وخدودي الصفرُ منه تمتلي
فآستقي منه وداداً
فدموعي من ودادي
يا بلادي!

إنْ أرَ الحبَّ قسّياً
لا أجدْ في جورِهِ إلاّ فؤادي
أو أرَ الذلّ انتشاراً
لا أجدْ في سترِهِ الا بلادي
أخفضي الرأس الى أَنْ
ترفعيهِ بالجهادِ
يا بلادي!

اينما سرتُ ارى الناسَ
لدى ذكرِكِ دوماً يهزؤونْ
فهُمُ منكِ، ولكنْ
جحدوا، والناسُ قومٌ جاحدونْ
وهمُ الأبناءُ باعوا
الأُمَّ في سوقِ المزادِ
يا بلادي!

حدّثينا عن جدودٍ
ظلَّلَ الأرزُ ثراهم من قديمِِ
وعنِ الحكّامِ لمَّا
حكموا فيك بقانون قديم
علِّمي اليومَ قضاةَ
العدلِ، إنصافَ العبادِ
يا بلادي!

يا بلادي إنْ دعاني
نَسبي التَوْرابُ في تلك اللحودِ
وآنطفت نارُ هيامي
وخبا زيتي بمصباحِ الوجودِ
لا تعدّيني رماداً
فهيامي في رمادي
يا بلادي

في 28 ك2 سنة 1924