musicians

Zaki Nassif

Musician

زكي ناصيف
1916 - 2004

تحضير الأب يوسف طنوس

حياته

ولد زكي ناصيف في 4 تموز سنة 1916 في مشغرة (البقاع الغربي)، في عائلة تضمّ خمسة صبيان وابنتين. نشأ على صوت أمه الجميل وغنائها، وسماع الفولكلور اللبناني والغناء البلدي، بالإضافة إلى ما كان والده يجلبه معه من أسطوانات رواد الغناء العربي في ذلك الوقت من سلامة حجازي وسيد درويش ويوسف المنلاوي، إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، فيسمعها على الفونوغراف ويحفظها. ولكن التراتيل الدينية، السريانية والبيزنطية، هي التي طبعته والتي غرف منها في تآليفه الموسيقية فيما بعد.

وانتقلت العائلة لتسكن في بيروت حوالي سنة 1924. وبدأ زكي يسمع أغاني عمر الزعني، كأغنية "شوف تفرج يا سلام" ويردّدها. وكان كاهن كنيسة عين الرمانة (سيدة لورد اليوم) يعلم النشء الموجود في المنطقة، فتعلّم زكي منه الأبجدية والتهجئة والقراءة الإبتدائية، إلى جانب الترنيم الكنسي الذي أخذ بمجامع إحساسه وصار يتابع الترنيم بشغف وجدّ وحبّ. وتابع دراسته في مدرسة المخلّص في الناصرة (بيروت)، التي وضع لها نشيدًا وهو لا يزال فيها تلميذًا، متأثّرًا بألحان متري المرّ الكنسية. وكان يفرح بالتمارين التي كان يقوم بها مع جوقة المدرسة الدينيّة. وأهداه جاره جورج مزهر عودًا، سنة 1930، لما تلمّس فيه من موهبة موسيقية واعدة. وكانت شقيقتاه تدرسان في مدرسة راهبات القديس يوسف الترانيم الميلادية باللغة الافرنسية، فتردّداها أمامه، فيتحمّس لها ويحفظها ويردّدها.
ونظرًا لأوضاعه الصحية التي تأثّرت بكسر رجله في مدرسة المخلّص، والذي عانى من نتائجه طوال حياته، ترك لفترة من الوقت مقاعد الدراسة، ليعود لدراسة المرحلة الثانوية، من دون أن ينهيها بسبب ضعف صحته، في الميسيون لاييك (mission laïque) لغاية سنة 1934. وراح يساعد والده في صناعة الجلد وتجارته (كان يملك دباغة)، إلى أن بدأ بدراسة الموسيقى.

وشجّعه شقيقه الأكبر على دراسة الموسيقى، فالتحق بالمعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية سنة 1936، حيث كان معظم الأساتذة من روسيا، فدرس العزف على البيانو والعود والفيولونسيل وفن التأليف الموسيقي والغناء مدّة ثلاث سنوات. وتوقفت الدراسة في بسبب الحرب العالمية الثانية (1939-1943). بعد الحرب، تابع دراسته مع الأستاذ الفرنسي برتران روبيار (Bertrand Robillard) الذي كان يدرّس الرياضيات في جامعة القديس يوسف، والتأليف الموسيقي في الأكاديمية اللبنانية للفنون، والذي كان أستاذ معظم الملحّنين في تلك الأيام.

ومن 1941 حتى 1943 عمل زكي في التجارة، فكان يبيع الجلود وبذور الزرع. وظلّ متأرجحًا بين التجارة مع إخوته والموسيقى لغاية 1953، حين قرّر التفرّغ للموسيقى.

في العام 1953، تعاقدت معه إذاعة الشرق الأدنى كملحّن، ومعها بدأت مسيرته الإحترافية. وفي تلك الفترة تعرّف إلى حركة موسيقية نهضوية مع شباب من بيروت، بينهم خليل مكنيّة، خال الموسيقي توفيق الباشا، فأنشأوا معًا فرقة جوالة تقدم عروضها الموسيقية في مناطق الإصطياف، وضمّت، بين صفوفها، محيي الدين سلام وسامي الصيداوي وخليل خديج. وكانت سعاد الهاشم أوّل من غنّى له.

وقبل موجة الأغاني والألحان الفولكلورية، كان الغناء باللهجتين المصرية والبدوية مسيطراً في البلدان العربية. ويعود الفضل في فتح آفاق جديدة متنوعة لفنون الغناء الفولكلوري المحلي إلى إذاعة الشرق الأدنى وصبري شريف الذي جمع حوله عددًا من هواة الفن الغنائي المستوحى من التراث الشعبي المحلي أمثال الأخوين رحباني وفيلمون وهبه، والذي انضم إليهم زكي ناصيف، بعدما قدّمه الأخوان رحباني إلى صبري الشريف، وتوفيق الباشا وألّفوا ما سمّي آنذاك "عصبة الخمسة" وكان هدفها الخروج على الغناء الشائع.

شكّلت مهرجانات بعلبك عام 1955 الإنطلاقة الحقيقية لزكي في مجال صناعة أغنيات الدبكة المستمدّة من روح الفولكلور، كما بدأ العهد الجديد للموسيقى الفولكلورية على المسارح في لبنان وانتشارها في الخارج. ولم يُرد أن يسير في خط الرحابنة الذين جمعوا الفولكلور وقدّموه في أعمالهم، لذلك بحث عن شيء جديد فوجد أهازيج غير ملحّنة ونظّم أغنيات على وزنها (مثلاً "قام الدب ت يرقص"، التي أخذ من وزنها الشعري "طلّوا حبابنا"). وأكمل زكي الطريق نفسه سنة 1959 في الإذاعة اللبنانية، وإن الكثيرين من الملحّنين اتّبعوا هذا الخط.

وفي العام 1956 على إثر العدوان الثلاثي على مصر، توقفت إذاعة الشرق الأدنى، بسبب إستقالة جماعية لكل العاملين فيها على إثر الهجوم الثلاثي على قناة السويس، فانتقل نشاطه الى الإذاعة اللبنانية، كعازف فيولونسيل وكملحّن. أدخل زكي ناصيف، وبتشجيع من صبري الشريف، نوعًا جديدًا على الغناء في الإذاعات وهو غناء الكورس، بعدما كان الغناء مقتصرًا على الإنشاد المنفرد. ولم يكن أحد قبله يجازف في وضع أغنيات للكورس.
وفي العام 1957 دشنت "عصبة الخمسة" انطلاق الليالي اللبنانية الاولى في مهرجانات بعلبك الدولية بعمل فولكلوري عنوانه (عرس في الضيعة). وفي تلك الليالي البعلبكية الاولى إنطلقت الأغنية التي لحّنها وغنّاها الكورس "طلوا حبابنا طلوا" وكذلك أغنية "يا لالا عيني يا لالا" اللتان غناهما لاحقاً وديع الصافي. وتبنّى بديع بولس مؤسّس "ستوديو بعلبك" البرنامج البلدي الذي قدمته "العصبة" في بعلبك عام 1957.

وانضم زكي إلى فرقة الأنوار ، فلحّن لها أجمل أغاني وموسيقى رقص الدبكة اللبنانية، مثل "ليلتنا من ليالي العمر" سنة 1960 وغيرها. واستمرّ في عطائه الفنّي من تلحين وغناء وتعليم في المعهد الموسيقي الوطني وغيره، ومن مشاركته في عدد من البرامج التلفزيونية.

درّس في المعهد الموسيقي الوطني، كما درّس في المدرسة الموسيقية التابعة لمعهد الرسل (جونية). شارك في لجنة تحكيم برنامج ستوديو الفن سنوات طويلة: 1974، 1980، 1988 و 1992.

تعاون مع عدد كبير من المطربين فغنّوا من ألحانه. قدّم للمطربة صباح عددًا من الأغاني، منها: "أهلا بها الطلة أهلا" و"ع لبنان لاقونا" و "تسلم يا عسكر لبنان". ومن الأغاني التي لحّنها لوديع الصافي "رمشة عين" و "طلوا حبابنا" التي سبق وغناها الكورس سنة 1957 في بعلبك. وتعاون مع فيروز في إذاعة الشرق الأدنى فغنّى معها من ألحانه "هو وهي" للشاعرة فدوى طوقان، ومن ثمّ في أغنية "يا بني أمّي" لجبران خليل جبران. كما لحّن لنصري شمس الدين ولسميرة توفيق وسعاد هاشم وغسان صليبا وغيرهم.

وإلى ذلك، لحّن زكي أغاني عدد من المسلسلات التلفزيونية، أشهرها: "بربر آغا"، و "بو بليق"
توفي زكي ناصيف سنة 2004 عن 88 عامًا، قدّم فيها أكثر من 500 أغنية ولحن غنّاها بصوته أو بأصوات باقي المطربين.

ظلّت الضيعة اللبنانية مصدراً أساسيًا في ألحان وأغاني زكي ناصيف. ولقيت أغنياته وألحانه رواجاً كبيراً وفي مقدمها أغنية "راجع يتعمر لبنان" التي باتت نشيداً وطنياً جديداً يؤديه اللبنانيون في لبنان ودول الانتشار. وتميّز زكي باللون البلدي الذي يبرز معاني الشهامة والإباء و"العونة". حملت أغانيه قيم الريف وخيراته وجماله وطيبة أهله. منه استمد الروح الوطنية التي تدعو إلى تمجيد الأرض وخدمة الوطن. في تلك الأغاني رائحة المواسم والحقول والفلاحين وأعياد الفرح التي تجلّت حتّى في عناوين أغانيه. بقي زكي ناصيف حتى آخر لحظة من عطائه متعلّقًا بالقرية وبخصوصياتها، وكأنّه يحنّ أبدًا إلى التي هجرها صبيًّا.

Extract Music of Zaki Nassif

Singer Zaki Nassif visiting the artist-painter and poet Joseph Matar