musicians

Sami Shawa

Musician

سامى الشوّا - آل الشوّا

أمير الكمان سامى الشوّا - آل الشوّا

كانت حلب منذ زمن بعيد، موطن الأدب، ومباءة الطرب. وكان قصر سيف الدولة الحمدانى، منتدى كبار الكتاب والشعراء، وملتقى نوابغ الموسيقيين والمطربين.

ولم يقصر الحلبيون اهتمامهم على انعاش اللغة والأدب فقط ، ولكنهم اهتموا بالموسيقا والطرب. فكانت بيوتات العزّ والجاه عندنا تُشيد فى صالات استقبالها أمكنة مرتفعة تجلس فيها جوقات المطربين وتنبسط أمامها فسحات تستوعب الراقصات والراقصين.

ولا يستطيع أن ينكر أحد أن حلب مدينة كبيرة معطاء، أنجبت رهطاً من الأدباء تعتز بهم العروبة، واطلعت لفيفاً من الموسيقيين، يفاخر بنبوغهم الفن ّ العاطفي الصادق، والإيقاع الدقيق الموزون. وكل من ألمَّ بتاريخ اللحن والوتر، يجاهر بأن الشهباء، كانت فى طليعة المدن العربية، التى أولت الموسيقا رعايتها القصوى، والتى أرسلت إلى عالم الفنّ، جماعةً من العازفين والملحنين، طبعت أسماؤهم فى سجلات الخلود. فى حلب مدينة الأدب والطرب ، ولد وترعرع وعزف ولحن وأنشد، أشهر من عرفهم التاريخ الموسيقى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ، وفى النصف الأول من القرن العشرين.

وكانت أسرة الشوّا أبعد الأسر العربية الحلبية صيتاً فى العزف والغناء. وكان عبّود الشوّا ، رخيمِ الصوت، رائع النغم، إن صاح: يا ليل، دغدغ المشاعر، وخلب الألباب. أما أخوه أنطوان - والد سامي - فكان نابغاً فى العزف على الكمان وكان يُدعى إلى عواصم البلاد العربية، ليعزفَ فى أعراس الملوك والأمراء، وفى ما كان يُقام فى قصورهم من أفراح وحفلات.

- عبّود بن إلياس الشوّا: ولد فى حلب فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، واشتهر بصوته الرخيم، وعزفه البديع على العود. وكان يدُعى مع أخيه أنطوان، إلى العزف والغناء فى أفخم الحفلات وأجمل الأعراس. توفي عبّود الشوّا فى عام 1892 وكُتبت على ضريحه أبيات ، يذكر عمّنا عبد الله إلياس حلاّق منها هذين البيتين:

يا زائرينَ قفوا قليلاً وانظروا وتذكروا من حلَّ فى هذا الضريح
إنى استرحتُ الأن فى دارِ البقا أنتمْ بدارٍ ماعليها مستريح

- أنطوان بن إلياس الشوّا: ولد فى حلب ونبغ بالعزف على الكمان حتى لقب ب" امير الكمان" ألف فى عام 1883 رسالة فى علم الألحان وتأليف الأنغام وإيقاعها. تزوج لويزا شلحت. ولذيوع شهرته فى عالم الفنّ . دُعي إلى القاهرة ، وعزف فى قصر الخديوي على كمانه عزفاً أثار إعجاب عاهل مصر ورجالات بلاطه فاتسعت شهرة أنطوان الشوّا فى جميع أنحاء الوطن العربي ووجد له فى عاصمة وادي النيل كثيراً من الأصدقاء والمريدين . ولهذا أحب القاهرة وراح يمضى فصل الشتاء فيها . وفى الصيف كان يعود إلى حلب ويعمل مع فرقته الموسيقية فى قهوة الحرية بالجديدة وهى القهوة التى غدت فيما بعد مخفراً للشرطة.

وكان حبيب بن جرجي زرقا زوج شقيقة أنطوان الشوّا ,، يعمل معه ضارباً على الرق. وفى النهار كان الزرقا يعمل على النول اليدوي صانع نسيج . ثم عين حارساً فى مطرانية الروم الكاثوليك التى غدت فى عام 1914 كنيسة. أما الكنيسة الكبرى للروم الكاثوليك ، فقد جعلها العثمانيون مستشفى خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918. توفي أنطوان بحلب سنة 1914. وخلف أولاداً منهم ثلاثةُ موسيقيين وهم : سامي وعبد الكريم وفاضل. وقد ولدوا كلهم فى حلب. وفى دار المرحوم كامل هلال بحارة "أبو عجور" . وعندي صورة تمثل الموسيقار أنطوان شوّا وفرقته وقد عرفت منهم "سامي" و"فاضل".

- سامي بن أنطوان الشوّا: ولد فى تموز سنة 1885 فى دار قريبة من جامع حي الهزازة بحلب ، ما زالت تعرف إلى اليوم بـ"حوش بيت الشوّا" وفى هذه الدار نفسها، وفى الغرفة التى ولد فيها سامي، أبصر والدي صاحب الضاد نور الوجود.

وكان بين آل الشوّا وعائلتنا أواصر ود وحب وثيقة العرى. فقد كان جدي لأبي واسمه عبد الله حلاّق عراباً لأنطوان الشوّا ولأخويه حبيب وعبود.

شُغف سامي منذ صغره بالموسيقا ومال إلى العزف على الكملن فأطاعتهُ القوس وانقادت إليه الأوتار. ولكنه كان يطمح إلى الشهرة فصبا إلى القاهرة ، وتوجه إليها عام 1905 على أرجح الأقوال. وماهي إلا بضع سنوات حتى عمت شهرته جميع أنحاء القطر المصري، وحتى أخذت شركات الأسطوانت تتسابق إلى تسجيل ماكان يبدعه من تقاسيم وبشارف وسماعيّات. وفُتحت أمامه أبواب القصور الملكية فانتزع إعجاب الملوك والأمراء، ليس فى الوطن العربى وحده ، بل فى مختلف أنحاء العالم.

والحق، أنه كان أميراً فى دولة الفن الموسيقي، لم يعرف الشرق أقدر منه فى إخضاع تلك الألة الموسيقية التى كانت تتكئ بجانب أذنه تستوحيه الروائع. وإلى ذلك يشير أمير الشعراء شوقي، فى قصيدة طويله عصماء حيّاه بها:

يا واحدَ الفنّ فى أشجى معازفه هذا أوان الثناء العدلِ قد آنا
تلك اللعيبةُ منْ عود ومن وترٍ لولا بنانُكَ لم تجعل لها شانا
قد آنست رحمةً فى الصدر فاتكأت بجانب الأذن تستوحيكَ شيطانا
كأنها عش طيرٍ هاجَ آهله من كل ناحية ينسابُ أشجانا
ضممتها وتواصت راحتاكَ بها ضمّ الوليدةِ إشفاقاً وإحساناً

ولم يسكر أمير الشعراء وحده بسلافة فن سامي الشوّا ، ولكن كثيراً من أقطاب الشعر العربي فى الوطن والمهجر من أمثال: حافظ ومطران والأخطل الصغير وأبي ماضي ونسيب عريضة ورشيد أيوب وعبد الله يوركي حلاق سكروا بها ، ورنحتهم نشوتها، فوصفوا عزفه وصفاً دقيقاً رائعاً، وتغنوا برقة ألحانه، وأغاريد كمانه ، وأجمعو على أنه ذو مقدرة خارقة فى تطويع الوتر الأصمّ.

وكان الأستاذ سامى الشوّا، خير سفير للموسيقا العربية ، فرحل إلى معظم البلاد الأوربية وزار المركيتين مراراً، حاملاً رسالة الفن العربي المتسم بالجدة والإبتكار فكان حيثما سار، يُقابل بأروع مجالي الحفاوة والإكرام.

وسمع به كبار العازفين الألمان، فدعوه إلى المعهد الموسيقي الألماني "الكونسرفتوار" . وما كاد يعانق كمانه ويداعب أوتارها، حتى تملكهم الإعجاب الشديد ، وحتى هزتهم النقرات الناعمة والأوتار الطيعة، والألحان الجديدة المعبرة أصدق تعبير عن كوامن النفس، وعواطف الفؤاد. ورأى أولئك المعجبون أن خير ما يكرمونه به ، هو أن يسجلوا بعض معزوفاته، ويحفظوها في معهدهم بين معزوفات بتهوفن وموزار وشوبرت وباخ. وهذا فخر لأمته وبلاده.

ولقد أتيح لى أن أعرف سامي الشوّا معرفة وثيقة وأن ألمس عن كثب ما كان يمتاز به من صفات خلقية طيبة لعل ابرزها الوفاء لوطنه ورفاق طفولته وفتوته. فقد كان دائم الشوق والحنين إلى مسقط رأسه حلب. وعندما كان يزورها كان يأتى إلينا ليشاهد أبي وليتحدث إليه وليذكره بأيامهما الماضية. فقد كان الإثنان - رحمهما الله - خدينين وعشيرين لم ينس أحدهما الآخر رغم بعد الشقة وطول الزمن. وفى مساء الجمعة 7 أيلول 1934 أقيمت فى حديقة اللونابارك حفلة لأمير الكمان سامي الشوّا حضرها جمهور حلب المحب للفن والتراث وألقى والدى قصيدة منها هذه الأبيات:

مطرب الشرق وسلطان الوترْ وأمير الفن حان المنتظرْ
ودوت أصاء لحن مُسكرِ وتجلى الوحي فى هذا المقرْ
وكمان الفن قد غنت لنا من أغانى الحب ما يشجي الحورْ
فهفت أفئدة القوم إلى فنك السامي ، أيا سامي الفكرْ
فابعث الألحان وارسل نغمةً إنما الأنغام سلوى للبشرْ
وإذا الإصغاء فينا جاثم وإذا أوتاره تتلو السورْ
وإذا فى الحفل تسري رهبة رهبة أرسلها المولى الأبرْ

وكثيراً ماكان يحمل سامي كمانة، ويعزف عليها فى بيتنا المتواضع وفي كثير من بيوت أصدقائه ومحبيه وكم من مرة عزف لأولئك العاجزات المسنات القابعات فى "دار الكلمة" فبعث فيهن ذكريات الصبا وأحلام الشباب.

وإنى لأذكر أنه كان واسطة تعارف بين عدد من كبار الشعراء والمتفننين وبيني. فقد دخلت بصحبته ندوة أدبية اعتادت أن تعقدها الشاعرة والرسامة الموهوبة السيدة شريفة فتحي، فى مساء كل يوم ثلاثاء فى دارتها بالجيزة . وهناك تعرفت بالأساتذة : عزيز أباظة وأحمد رامي وصالح جودت وعلي الجندي وعبد الله شمس الدين، وكلهم من أئمة الشعر فى العصر الحديث. ورافقته إلى عدد من أشهر أندية القاهرة حيث كان يتطوع بالعزف فى الحفلات الخيرية وفي المهرجنات القومية والأدبية وتعرفت بكوكب الشرق أم كلثوم من خلاله وسهرنا سهرة جميلة لاتنسى معها فى منزل الشاعر عادل الغضبان . وظل سامي إلى آخر لحظة من حياته مخلصاً لفنه. وكثيراً ماكان يعانق كمانه بحنان لا حد له كأنه يأبى أن يفارق هذه الآلة التى أعربت طوال ستين سنة عن أحاسيس قلبه وخلجات صدره وخفايا ضميره واستطاعت أن تحاكي بأوتارها الأربعة وأحياناً بوتر واحد فقط صداح البلابل وتغريد العنادل وخرير الجداول وهيمنة النسيم وحفيف الغصون وحداء الإبل وعصف الرياح وكل ما في الطبيعة من حركات وأصوات وكم من مرة حاكت صوت المؤذن وصاحت "الله أكبر" فخيل إلى السامعين أن هذا الصوت الحنون الواضح الكلمات الحجازى النبرات لايمكن أن يبعث من جماد ولكنه صادر عن حنجرة قوية رخيمة كحنجرة الشيخ سلامة حجازى أو كحنجرة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.

توفى أمير الكمان عام 1966 وتخلى عن كمانه وابتعد عن اهله وخلانه وعشاق ألحانه بعد أن أدى رسالته الفنية وبعد ان ارتفع بموسيقاه إلى مصاف الموسيقيين العالميين الخالدين على الزمن. وقد رثاه كبار الشعراء وفى جملتهم ولدى بعدة قصائد منشورة فى مجلتى الضاد والكلمة.

- عبد الكريم الشوّا: كان في أول شبابه يعزف على القانون عزفاً بديعاً وقد عزف عليه متطوعاً فى حفل مباركة خطبة والدى وكان ذلك فى شهر حزيران 1936. وكان عبد الكريم رضي الخلق حسن السمعة عرفنا أولاده يوم كنا فى مصر ولمسنا منهم أزهى ألوان اللطف والظرف.

- فاضل الشوّا: ولد فى حلب فى مطلع هذا القرن ولحق أخاه سامي إلى القاهرة حيث درس أصول العزف على الكمان فبرع فيها وأحرز شهرة يغبط عليها وعمل فى أعظم الفرق الموسيقية هناك، كما عمل فى اكبر المحطات الإذاعية فى العالم وحين زرنا القاهرة فى ربيع 1974 أنسنا مراراً عديدة بزيارة الموسيقار الفاضل وكان يتوق شوقاً إلى زيارة مسقط رأسه حلب. فدعوناه للنزول فى بيتنا فقبل الدعوة وقال أمام الصديق السيد إدوارد عارف مشحور: إن أمنيته الوحيده فى الحياة أن يكحل عينيه بمرأى حلب قبل أن يدركه الأجل ولما سألناه لماذا ترك العزف على الكمان أشار إلى يديه وقال والدمعه تترقرق فى مقلتيه: إنهما ترتجفان.

لفاضل الشوّا ابنة تدعى لويز وتعرف باسم زيز Zizi Chawa كانت تعمل أمينة سر للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة فى نيويورك. وقد تعرفنا بها فى أثناء زيارتنا تلك المدينة عام 1988. وتناولنا طعام الغداء معها ومع الصديقين جورج سبع ورزق الله أشخان فوجدناها آية فى الرقة والذكاء وسعة العلم. فهي تجيد عدة لغات وتحسن الترجمة الفورية من لغة إلى لغة، وتحب زيارة الشهباء وطن أبيها وأجدادها وقد وعدتنا بأن تقوم بهذه الزيارة فرحبنا بها وقلنا لها إن بيتها ينتظرها فى الشهباء.

نابغة الفن - نظمتها وألقيتها فى حفل فنى أقامه أحد أندية القاهرة عام 1961
عزف فيه سامي الشوّا فأطرب الحضور

وتر يديرُ على النديم مُداما هاتِ الكمانَ وأرسل الأنغاما
وانشرْ لواء الفنّ فى كبد السّها فلقد عرفُتك للفنون إماما
أنطقت أسلاك الحديد فأفصحتْ ومددت قوسكَ تنسج الإلهاما
وتر حنون إن نثرت لحونةُ خلناهُ سحباناً يصوغُ كلاما
أفعمت أفئدة الجميع مسرة وملأت أرجاء الحياة هُياماً
فتباطأ الليلُ العجولُ وأشرقتْ أنوارهُ فبدا الدجى بساما
لاعبْ كمانكَ إننا فى محفلٍ يُهدى إلى سامى النهى الإكراما
وانثر علينا ما تشاءُ فإننا ذُبنا إلى الفن الأصيل غراماً
واعزف لنا مقطوعة عربية واسقِ العطاش من الكمانِ مُداما