musicians

Joseph Ayyoub

musician

جوزف أيوب - 2020 - 1930

أعداد الأب أنطوان طحان - جامعة الروح القدس

الفصل الأول - حياة جوزف أيوب

نتوقف في هذا الفصل، حول حياة جوزف أيوب ونشأته، ودراسته، وموهبته الموسيقية الفذة. ولد أيوب مفطورا ً على حب الموسيقى، وكأنه وجد لكي يدخل تاريخها من بابه الواسع. وقد يكون ظاهرة لا تتكرر في تاريخ الموسيقى الشرقية.

- ولادته ونشأته

ولد جوزف أيوب في الأشرفية - بيروت، بتاريخ الخامس والعشرين من شهر كانون الأول سنة 1930. والده بشارة أيوب من الأشرفية، ووالدته نبيها عقل من مواليد "بيت الدين اللقش" قضاء جزين.

جوزف هو الولد الثاني في عائلة مؤلفة من أربعة أولاد: جان وأنطوان وتريز.

بعد وفاة شقيقه، تولى مسؤولية العائلة الى جانب والده، فأولى اهتماما ً كبيرا ً لعمله خاصة بعد وفاة والده سنة 1967.

تزوج جوزف أيوب من السيدة لينا ابراهيم نخول في 30 أيار سنة 1965 ورزق منها خمسة أولاد هم: مروان وميراي وألين وجان (الذي فارق الحياة بعد اصابته بقذيفة خلال الحرب اللبنانية سنة 1976 وكان في الثالثة من عمره) ونادين. حرص جوزف على تربية أولاده بحب كبير، وسهر على تزويدهم بالعلم والثقافة اللذين حرم منهما في صغره. أبدى مروان اهتماما ً بالغا ً بالموسيقى منذ طفولته، فتعلم العزف على الأكورديون وآلات الايقاع والبيانو الذي احترفه فيما بعد وأصبح عازف كيبورد ومغنيا وملحنا بارعا ً. أما بناته فانصرفن الى اختصاصات أخرى مثل التجميل والاعلان والتسويق والترجمة.

- دروسه وموهبته الموسيقية

تنقل جوزف أيوب مع أشقائه بين عدة مدارس من بينها المدرسة اليسوعية وكنيسة الله في الأشرفية. فأبدى اهتماما ً بالأمور الدينية، وشارك في التراتيل، ولقي تشجيعا ً على موهبته الموسيقية.

بدأ حبه الأول للموسيقى والعزف على الناي مع أحد رعاة الغنم في "بيت الدين اللقش"، اسمه فضل الله. وما زال يذكره بقامته القصيرة وحسه الموسيقي المرهف حين كان يعزف على المجوز تحت شجر الصنوبر. كان جوزف يجلس بقربه ويصغي الى عزفه الجميل. فجذبه سحر الآلة وبدأ يقتني القصب ويحوله الى ناي ليعزف عليه من دون معلم. وما زالت تلك الأيام الجميلة التي كان يقضيها مع عائلته في ربوع "بيت الدين اللقش" محفورة في مخيلته حتى اليوم.

كان جوزف يرافق والده، الذي كان موظفا في البريد المركزي اللبناني، في جولاته بين لبنان وسوريا. فتسنى أن يكتشف الآثار والأماكن الطبيعية الجميلة، خاصة على ضفاف نهر "الفيجي" في الأراضي السورية. وقد تركت هذه المواقع أثرا ً كبيرا ً في ذاكرته، وعلمته حب الطبيعة وسحر هدوئها.

في الطبيعة اكتشف شغفه بالموسيقى وتعلقه بها. وكم كان يتمنى أن يطول فصل الصيف، ليستزيد من حبها قبل أن يعود الى مقاعد الدراسة في فصل الشتاء في الأشرفية.

في ذلك الوقت، كان أحد جيرانه في الأشرفية، ألبير غاوي، عازفا ً بارعا ً على آلة القانون. وكان يملك متجرا ً في الجميزة، حيث كان يأمه عدد من الفنانين والموسيقيين والمطربين والمطربات. في أيام العطلة المدرسية، كان جوزف يساعده في متجره، ويلتقي بالفنانين الذين يزورونه، ومن بينهم المطربة الكبيرة صباح التي كان يرافقها أحيانا ً عازف الناي سركيس باسيم الذي لقنه قواعد العزف على الناي. فكان لهذه اللقاءات المتكررة أثرها الكبير في نفس جوزف الذي شغف بهذه الآلة.

التقى أيوب أيضا ً بموسيقي يعزف على آلة "المنجيرة" بيد واحدة، لأنه فقد يده اليسرى. فأحبه وقدم له "المنجيرة". فما كان منه الا أن شرع بالعزف عليها بيده اليمنى محاولا تقليد صاحبها، علما ً بأن أصول العزف تقتضي وضع اليد اليسرى في أعلى الناي، واليد اليمنى في الأسفل، عالما ً بأن جوزف أيوب ما زال يمسك بالناي بعكس القاعدة لأنه لم يتلقن منهجية العزف على أصولها. ومن بين الفنانين الذين طبعوا ذاكرته في ذلك المتجر، شابة جميلة الطلعة، ضحوكة المحيا، ورنانة الصوت هي المطربة سميرة توفيق، التي كانت تخطو خطواتها الأولى في عالم الفن. في ذلك الوقت، كان سليم غاوي، شقيق صاحب المتجر، عازفا ً على الايقاع، يصطحبه الى فرقة "الأبرص" الموسيقية ليعزف على الناي.

وروى جوزف قصة مشاركته في مسرحية "عنتر وعبلة" على مسرح "التياترو الكبير" مع المخرج المصري زكي طليمات. كان في الرابعة عشرة من عمره عندما بدأ يعزف منفردا ً على ناي القصب في تلك المسرحية التي استمر عرضها نحو شهرين. هكذا، بدأ جوزف يعمل كعازف ناي محترف. وراحت عروض العمل تنهال عليه من الفرق الفولكلورية. في ذلك الحين، لمعت في رأسه فكرة جديدة، ألا وهي استبدال الناي القصبي بال"ريكوردر" الغربي، فحوله الى ناي خشبي، وكانت ولادة "الناي الأيوبي". عدل مقاساته، وأدخل عليه المقامات الشرقية، فأضحى آلة مزدوجة الاستخدام، تصلح للعزف الشرقي والغربي في آن معا.

في سنة 1948، ولما بلغ جوزف الثامنة عشرة من عمره، قام بأول رحلة الى خارج البلاد (بر الأناضول)، بصحبة الفنانة "ناديا شمعون" وفرقتها. وعمل طيلة ستة أشهر، في اسطنبول وأنقرة وازمير واسكي شهير وأضنة وصمصون على شواطىء البحر الأسود في تركيا. وبينما كان يتنقل من مدينة الى أخرى، أضاع حقيبته وفي داخلها "الناي الأيوبي". فاضطر الى تعلم أصول العزف على آلة العود في المعهد التركي الشرقي في اسطنبول لكي يكمل رحلته الفنية.

بعد نهاية جولته، عاد جوزف الى بيروت سنة 1948، وتوجه فوراً الى حلب في سوريا، حيث كان يقيم صديقه "دكران مايبليان". وكان هذا الأخير يتقن فن الحفر على الخشب، فزوده بمقاسات الناي الخشبي ليصنع له العديد منها، وما زالت حتى اليوم تحمل اسمه المحفور عليها. و عاد الى بيروت ليمارس نشاطه الفني، فتعرف الى المطرب المشهور كارم محمود، فاستدعاه الى اذاعة الشرق الأدنى في بيروت، ليشارك في العزف المنفرد على نايه في تسجيل أغان ثلاث: "أمانة عليك يا ليل طول" و"سمرة يا سمرة" "وعلى شط بحر الهوا".

وهكذا، دخل اذاعة الشرق الأدنى، الاذاعة العربية الوحيدة بادارة المخرج الفلسطيني صبري الشريف.

بلغ جوزف الثانية والعشرين من عمره، ولم يكن بعد يجيد قراءة العلامات الموسيقية. فنصحه صبري الشريف بأن يدرس هذه العلامات ويتقنها ليشاركه في تسجيل أغنياته. فأخذ بنصيحته، وراح يدرس مبادىء الموسيقى على الأستاذ فرح دخيل، قائد الفرقة الموسيقية الخاصة بالاذاعة منذ سنة 1952. وفي غضون ستة أشهر، أصبح ماهرا ً في قراءة العلامات على مختلف المفاتيح الموسيقية، مما أثار اعجاب القيمين على الاذاعة، وخاصة ً رئيس القسم الشرقي الأستاذ صبري الشريف، فقرر اشراكه كعازف ناي في فرقة الاذاعة. واظب على العمل بجد ونشاط حتى سنة 1952.

وفي تلك الأثناء، عمل مع عدة ملحنين كالأخوين رحباني، وزكي ناصيف، وتوفيق الباشا، وفيلمون وهبه، وعفيف رضوان، ومحمد محسن، وغيرهم. كما كان يشارك في تسجيل أغنيات كبار المطربين والمطربات أمثال فيروز، وصباح، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين. وعلى أثر توقف اذاعة الشرق الأدنى سنة 1954، عمل كعازف ناي ورئيس فرقة في العديد من الحفلات والمهرجانات.

سنة 1962، انتقل جوزف الى الاذاعة اللبنانية، وعمل فيها كعازف ناي، وملحن، ورئيس فرقة موسيقية، ورافق كبار المطربين والمطربات في حفلاتهم.

- العازف والملحن

يعد جوزف أيوب من أشهر العازفين على الناي والمجوز والمزمار في الشرق الأوسط. عزف في بداياته على بعض الآلات الشرقية، كالايقاع، والعود، والأكورديون، والناي القصبي، الى أن استقر على الناي الخشبي الذي طوره ليعرف فيما بعد ب "الناي الأيوبي"، مقدما ً بواسطته المقامات الشرقية والغربية. وله في هذا المجال المئات من التسجيلات المنتشرة في الأسواق الموسيقية صحبة كبار الفنانين والموسيقيين والعازفين، وقد بث الكثير منها عبر أثير الاذاعات وشاشات التلفزة.

لقد لحن جوزف أيوب العشرات من الأغاني والمقطوعات الموسيقية. الا أننا، وخلال بحثنا في أرشيفه الموسيقي، لم نجد سوى 118 مقطوعة مكتوبة بخط يده.

وقد لحن جوزف لكبار الفنانين أمثال نصري شمس الدين، وجوزف عازار، ومروان محفوظ، ومارون نمنم، وهيام يونس، وساميا كنعان، ونورا حيدر، وسمير حنا، ونور الهدى وغيرهم. كما أنه تعامل مع كبار الشعراء أمثال طانيوس الحملاوي، والياس ناصر، وسليم سليم مكرزل، وتوفيق بركات، وأحمد ابراهيم، ومحمد علي فتوح، ومارون كرم، وعدلا السبسبي، وعلي غصين، ورفيق عويجان، وميشال جحا وأنطوان ضو.

ولجوزف أيوب ثلاث اسطوانات، صدرت كلها في بداية السبعينات من القرن الماضي، تحت عنوان "مهرجان الموسيقى اللبنانية والدبكة العربية".

تتضمن هذه الأسطوانات ألحانا ً لمقطوعات فولكلورية وموسيقية لمؤلفين أردنيين ولبنانيين وسوريين. وقد نفذ المؤلف هذه الألحان على نايه الأيوبي والمزمار والمجوز. وبلغ عددها نحو ستين مقطوعة.

نفذ هذا العمل في استديوهات الأردن، وتمت طباعته في لبنان بعناية انطوان سماحة مدير شركة "صوت بيروت". ما يلفت الانتباه، هو أنه لا يوجد أي لحن من الألحان خاص بجوزف أيوب في هذه المجموعة.

- هوايته

لم يكن جوزف أيوب مولعا ً فقط بالموسيقى والعزف على الناي، بل كانت له هواية أخرى ألا وهي صيد الطيور. ففي أوقات فراغه كان يقوم برحلات الصيد بصحبة أصدقائه في الوسط الفني أمثال فيلمون وهبة ونصري شمس الدين والياس الرحباني ومالك بجاني (عازف البزق). فكان الجميع يقصد سهل البقاع وبلدة جون (وهي مسقط رأس الفنان نصري شمس الدين، وكان يذهب تحديدا ً الى منطقة قرب دير المخلص لصيد طير السمن) والى شمال لبنان وتحديدا ً الى كفرزينا، كفرشخنا وكفرحورا.

- الجوائز والأوسمة

في سنة 1975 أصبح جوزف أيوب عضوا ً في جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى - ساسيم باريس. ونال في 25 حزيران 1992 ديبلوما ً فخرية من الكونسرفتوار اللبناني باهتمام الدكتور وليد غلمية.

وجرى تكريمه في منتدى الشراع الفكري في انطلياس في 27 أيار سنة 1996 برعاية سعادة مدير عام وزارة الثقافة والتعليم اللبنانية الدكتور مطانيوس الحلبي.

كما أنه حصل على عدة أوسمة وجوائز تقديرية من كبار الشخصيات في لبنان والعالم العربي. وكرمته هيئات وطنية عديدة، نذكر منها: الجائزة التقديرية من مدرسة القلبين الأقدسين عين نجم بمناسبة تكريم الفنان الراحل زكي ناصيف في 12 أيار سنة 2008.

وأمانة لرسالتها، وحرصا ً على حفظ تراثنا الموسيقي، عمدت كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس- الكسليك الى تكريم جوزف أيوب، تقديرا ً منها لعطائه الكبير في عالم الموسيقى الشرقية، وللثورة الفنية التي أحدثها من خلال تطوير آلة "الناي الأيوبي". تبنت الجامعة هذه الآلة وكل مؤلفاته وتسجيلاته الموسيقية، التي ستنشر ضمن سلسلة كتب علمية تعنى بانتاج الموسيقيين المبدعين. لا بد من التذكير هنا، بأن لجوزف أيوب تاريخ حافل بالتعاون مع عميد كلية الموسيقى البروفسور لويس الحاج مؤسس الكلية وحافظ تراث الموسيقى السريانية وصاحب النهضة الموسيقية في الكنيسة المارونية. ففي الستينيات من القرن الماضي، أسهم جوزف أيوب في تسجيل الألحان السريانية مع الفرقة الموسيقية في اذاعة لبنان، خاصة وأنه رافق وعزف منفرداً فيها، فجاء أداؤه غاية في الجمال والسحر والابداع. وقد حفظت هذه في مكتبة كلية الموسيقى في الجامعة.

ونقول ختاما ً، انه لا بد من التوسع في حياة جوزف أيوب، لأنها ملازمة لموهبته الموسيقية. فهو فطر على الموسيقى منذ أن صور في الحشا، وأدمن عليها منذ أن رأى النور، وأبدع في عالمها منذ أن وقف على مسارحها.

الفصل الثاني - جولاته الفنية في لبنان والخارج

جاب جوزف أيوب لبنان والعالم، ساحرا ً، الناس بالعزف على آلته الجديدة، "الناي الأيوبي". ورافق كبار الفنانين والموسيقيين والمغنين والمخرجين في هذه الجولات الفنية، فكان متميزا ً في حضوره وأدائه وابداعه، وترك أثرا ً كبيرا ً وعميقا ً في قلوب وعقول كل من أصغوا اليه مرافقا ً أو عازفا ً منفردا ً.

- في لبنان

شارك جوزف أيوب في عدة مهرجانات في مناطق مختلفة من لبنان. وأول نشاط له كان في مهرجانات بعلبك سنة 1957، مع الأخوين رحباني والمطربة فيروز وقائد الفرقة الأستاذ توفيق الباشا. كما شارك في المهرجانات عينها سنة 1959 مع الأخوين رحباني، والمطربة فيروز، والفنان وديع الصافي، والمطرب نصري شمس الدين، والملحن زكي ناصيف. وكان المهرجان من اخراج نزار ميقاتي، ومشاركة أربعين عازفا ً. شارك جوزف بصفة عازف ناي منفرد الى جانب عازف الايقاع ميشال بقلوق.

كان أيوب يرتدي الزي اللبناني التقليدي، أي "الشروال واللبادة". وكان يطلق عليه لقب "لولب المهرجانات" في بعلبك. وفي سنة 1960، شارك في مهرجان مسرحية "موسم العز" في مهرجانات بعلبك مع المطربة صباح في اطلالتها الأولى، والفنانين وديع الصافي، ووليم حصواني، ونصري شمس الدين، وجوزف ناصيف، و فيلمون وهبه، والأستاذ منصور الرحباني. وكانت الفرقة الموسيقية مؤلفة من أربعين عازفا ً ومن بينهم الأستاذ عاصي الرحباني الذي كان يعزف على البزق.

في صيف سنة 1961، شارك في مهرجانات بعلبك الى جانب المطربة فيروز. وفي سنة 1962، عزف في مهرجان "جسر القمر" مع المطربين نصري شمس الدين، وجوزف ناصيف. ثم وقع عقدا ً مع المعهد الموسيقي الوطني اللبناني كمدرس لآلتي الناي الخشبي الأيوبي والعود. عمل قبل الظهر في الاذاعة، ودرس بعده في المعهد.

وفي سنة 1963، عاد ليشارك مجددا في مهرجانات بعلبك مع المخرج روميو لحود، وقائد الفرقة الدكتور وليد غلمية بالاشتراك مع المطرب جوزف عازار، والمطربة صباح وفرقة كركلا للرقص الشعبي في مهلرجان "أرضنا الى الأبد". كما أنه عزف في "مهرجان الأرز الدولي" مع الأخوين رحباني، والسيدة فيروز، والمخرج صبري الشريف، وأعضاء الفرقة اللبنانية الشعبية؛ في مهرجانات بيت الدين، مع فيلمون وهبه، وصباح، وفرقة جون للرقص الشعبي، والمخرج ريمون حداد، والملحن جورج تابت.

بين الستينيات والسبعينيات، وخلال فصل الشتاء، شارك كعازف ناي في الفرقة الموسيقية في مسرحيات الأخوين رحباني وفيروز في مسرح البيكادلي في الحمرا، ومن بين هذه المسرحيات "الشخص"، و"لولو"، و"هالة والملك"، وفي الفيلم السينمائي "بياع الخواتم" و "سفر برلك".

كما شارك أيضا مع الفنان نصري شمس الدين في مسرحية "الليل والقنديل" على مسرح كازينو لبنان.

- في الخارج

وفي سنة 1961، تأسست فرقة "الأنوار" بجهود الصحافي الكبير سعيد فريحة صاحب دار "الصياد". انضم أيوب الى هذه الفرقة، كعازف ناي منفرد وقام معها برحلته الأولى الى قبرص باللباس الفولكلوري اللبناني.
وقد لقي ترحيبا ً وحفاوة ً كبيرة من الجمهور القبرصي الذي يهوى سماع الموسيقى اللبنانية.

رافق جوزف أيوب الأخوين رحباني والمطربة فيروز الى بلاد الاغتراب حيث أقام حفلات لا تحصى ولا تعد للجاليات العربية واللبنانية. ولاقت هذه الحفلات نجاحا ً باهرا ً. ومن بين البلدان التي زارها، بريطانيا، وتحديدا ً ألبرت هول في لندن حيث عزف على العود. كما توجه مع فرقة الأنوار الى النمسا وألمانيا وتحديدا ً الى فيسبادن على حدود نهر الرين والى كولن وفرانكفورت برفقة المطربة صباح. كما شارك في حفلات في فرنسا على المسرح البلدي في باريس، وكانت الفرقة الموسيقية مؤلفة من خمسة عازفين والاوركسترا الغربية بقيادة المايسترو توفيق الباشا.

ثم سافر الى مصر مع المطرب وديع الصافي وفرقة الأنوار حيث أقام حفلات على مسرح الأوبيرا في القاهرة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر.
وبين عامي 1964 و 1965، توجه وصديقه عازف الكمان فريد السلفيتي بصحبة المطربة سعاد هاشم الى القدس وبيت لحم ونابلس وبيت جالا، وعزف بمشاركة فرقة فلسطينية في عدة حفلات. كما رافق المطربة دلال شمالي الى عمان لاحياء حفلة زفاف لعائلة المجالي العريقة. وعلى أثر ذلك، تلقى دعوة من مدير عام الاذاعة الأردنية السيد نصوح المجالي لتسجيل أغان فولكلورية من التراث الموسيقي الأردني والعربي.

وبلغ عدد تسجيلاته في الاذاعة الأردنية نحو ستين قطعة موسيقية، بعد أن مكث في ضيافتها مدة خمسة عشر يوما ً. وقد سلم هذه المقطوعات المسجلة على آلات الناي والمزمار والمجوز الى شركة "صوت بيروت" للانتاج الموسيقي لصاحبها أنطوان سماحة، فأصدرتها في ثلاثة ألبومات بعنوان "مهرجان الموسيقى اللبنانية والدبكة العربية".

وسافر أيضا ً الى افريقيا مع الفنان نصري شمس الدين والفرقة الموسيقية، وأقام حفلات في سيراليون، وأبيدجان في ساحل العاج، وداكار في السنغال، ومونروفيا في ليبيريا. ثم توجه، مع المطرب نصري شمس الدين والمطربة سعاد هاشم، الى أميركا اللاتينية، وتحديدا ً الى المكسيك، والأرجنتين، والبرازيل (ساو باولو وريو دي جانيرو)، وفترويلا حيث عقد قرانه على شريكة عمره: ففي أيار/ مايو سنة 1965، وبينما كان يحيي حفلة ً في المسرح البلدي في فترويلا، وخلال الاستراحة، تعرف الى شابة حسناء لفتت نظره بقامتها الجميلة وعينيها العسليتين وفستانها الأزرق الجميل. وهي لبنانية الأصل من بلدة أنفه ومقيمة في كاراكاس مع عائلتها. جرى التعارف بينهما، وما مضت أربعة أيام حتى تزوجها هناك. وأقام له أصدقاؤه من الجالية اللبنانية المقيمة في فترويلا، عرسا ً كبيرا ً. ومن هناك اصطحب زوجته معه، وتوجه والفرقة الفولكلورية والمطرب نصري شمس الدين والمطربة سعاد هاشم الى الولايات المتحدة، حيث تنقل بين ديترويت، وكليفلاند، وواشنطن، ونيويورك، ونيو جيرسي.

ثم عاد الى بيروت، ليمارس وظيفته في الاذاعة والمعهد الوطني. وفي هذه الفترة قام برحلات الى الدول العربية من بينها مصر (القاهرة والاسكندرية)، والأردن، وسوريا، والعراق، والكويت، والبحرين، وقطر، وعمان. كما قام بجولة فنية أخرى الى أميركا اللاتينية مع المطرب جوزف عازار، والمطربة نورا حيدر، والفرقة الفولكلورية، والمخرج ريمون حداد. فعمل في سنتياغو في التشيلي، وتوجه من جديد الى المكسيك، وفترويلا وأميركا الشمالية.

في الثمانينيات قام بعدة رحلات، من بينها رحلة الى أوستراليا وعمل في سيدني، وأداليت، برفقة المطرب جوزف عازار حيث أقام مدة ثلاثة أشهر. ثم عاد الى بيروت ليشارك في المهرجانات كعازف ناي، وكملحن لأغنيات فولكلورية، ولأغان خاصة لكبار المطربين والمطربات أمثال نصري شمس الدين، وجوزف عازار، ومروان محفوظ، ومارون نمنم، وساميا كنعان، وسعاد هاشم، ونهى هاشم، ودلال شمالي، وسمير حنا، وضومط خوري وغيرهم.

طارت شهرة جوزف أيوب، وفي فترة زمنية قصيرة، ليس فقط في لبنان بل في كافة أنحاء العالم. أحب من تذوقوا فنه، وأحبه من أصغى اليه وأعجب بموهبته وفنه المبدع والراقي. فحيثما حل في جولاته، جال في قلوب الناس.

الفصل الثالث - الناي القصبي و"الناي الأيوبي"

يعتبر "الناي الأيوبي" اكتشافا ً في عالم الموسيقى الشرقية والغربية في آن معا ً. فهو آلة غربية من حيث الشكل، وشرقية من حيث استخدامه والعزف عليه. نتوقف في هذا الفصل حول كيفية تصنيعه، ومنهجية العزف عليه، وخصوصيته بالمقارنة مع الناي القصبي.

- الناي القصبي

كلمة ناي فارسية الأصل وتقابلها في اللغة العربية "القصبة" أو "الشبابة". وهي عبارة عن قصبة جوفاء مفتوحة الطرفين، يجري النفخ فيها على حافة فتحتها المواجهة لشفتي النافخ. ولقد أثبتت كل الاكتشافات أن كل الشعوب عرفت آلة الناي القصبي وان تعددت أشكالها.

ويذكر الكتاب المقدس أن داود وكل بيت اسرائيل كانوا يلعبون أمام الرب بكل آلة من السرو بالكنارات والعيدان والدفوف والجنوك والصنوج. ولعل أهم ذكر للناي في الكتاب المقدس جاء على لسان كاتب سفر الملوك الأول الذي قال:

"وصعد كل الشعب وراءه (سليمان)، وكان الشعب يعزفون بالناي، ويبتهجون ابتهاجا ً عظيما ً، حتى تصدعت الأرض من أصواتهم".

يصنع الناي القصبي، عادة، من قصب الغاب. ويحتوي على تسع عقل، يتخلل جدارها الأمامي ستة ثقوب، وثقب واحد من الخلف مخصص لابهام اليد اليسرى، وثلاثة في الأسفل لليد اليمنى، وثلاثة في الأعلى لليد اليسرى، وثقب واحد خلفي للابهام وهو أعلى الثقوب جميعا ً.

بما أن آلة الناي تعجز عن أداء مختلف الدرجات الصوتية التي تتألف منها مقامات الموسيقى العربية المتعددة، يضطر العازف الى اقتناء مجموعة من النايات لأداء ألحان المقامات المختلفة طبق مقاماتها الصوتية.

لذلك، يضم طاقم النايات ثلاثة عشر نايا ً تغطي ديوانا ً كاملا ً ابتداء ً من أدناها درجة وهو قرار الماهور الى أعلاها درجة وهو الماهور. ويكون ترتيبها من القرار الى الجواب: قرار ماهور، وراست (سي مخفوضة) وزير كولاه، ودوكا ه ، وكرد، وبوسليك، وجهاركاه، وحجاز، ونوا، وحصار، وحسيني، وعجم. ويعتبر هذا الطاقم أكمل مجموعة نايات من حيث كونه يغطي كامل الطبقات الصوتية.

فالناي الطويل لسلم القرار، والقصير لسلم الجواب.

ان الاختلاف في طول العمود الهوائي لقطعة هو الذي ينتج عنه اختلاف مساحة الصوت من ناي الى آخر.

تعتبر آلة الناي القصبي من أصعب آلات النفخ الشرقية. فهي تعتمد، بالدرجة الأولى، على أذن موسيقية حساسة، وخبرة في الأنغام الشرقية، وتقنية عالية في العزف والتنفيذ.

تلعب هذه الآلة دورا ً أساسيا ً في الأوركسترا الشرقية من خلال مرافقة الآلات الموسيقية كافة، وتأدية دور العزف المنفرد في كثير من الألحان والمقطوعات. وما يميزها هو أنها تخرج أصواتا ً تشبه الى حد كبير، صوت الانسان: الصوت الغليظ، والصوت الوسطي، والصوت الرفيع. وهذا ما يضفي عليها سحرا ً وروعة وجمالا.

فلو أردنا الدقة في التعبير تكون التسمية "آلات الناي"، وليس آلة الناي. فكل ناي يعتبر ضروريا ً لعزف السلالم الكبيرة والصغيرة.

يستخدم عازف الناي تقنية خاصة لتنفيذ بعض الجمل الموسيقية التصويرية، وذلك من خلال وضع أصبعه على الثقوب، أو من خلال ضغط الهواء. وهذا ما يجعل العزف على هذه الآلة صعبا ً ومعقدا ً أحيانا ً، ويتطلب الكثير من التمرس والخبرة.

وعن أهمية آلة الناي، وتحت عنوان: "الناي في الموسيقى العربية: تاريخ وفنانون"، قال الدكتور يوسف طنوس ما نصه:

"ونظرا ً لحنان صوت الناي وحنينه وتأثيره على الانسان، خص العرب الناي من بين كل الآلات الموسيقية ليصبح اسم علم يطلق على بناتهم. وكثر هم الذين تخلدوا مع الناي وخلال عزفهم ومحاولات تطويرهم للآلاة التي أحبوها وتفاعلوا معها فارتبط اسمهم بها، كما ارتبطت بهم".

ومن بين الذين ارتبط اسمهم بالناي صاحب موضوع بحثنا الفنان جوزف أيوب الذي أطلق على آلته المبتكرة "الناي الأيوبي".

لقد توسع الدكتور طنوس، في دراسته المذكورة أعلاه، ففند تاريخ آلة الناي في الكتاب المقدس، والحضارات القديمة، والفلسفة الصوفية، والأحاديث النبوية، والشعر والموسيقى العربيين، والغناء الصوفي.

كما أنه عدد جميع العازفين العرب على الناي بحسب البلدان:

- سوريا: الشيخ علي الدرويش، وعبد السلام سفر، وبدر الدين حلبية، وغالب طيفور، وعبد اللطيف النبكي، وسليم كسور، ومحمد سرميني، وزياد قاضي الأمين، وعادل دقوري ومسلم رحال.

- مصر: أمين بزري، وعلي صالح، وجرجس سعد، والشيخ محمود صبح، وعزيز صادق، ومحمود عفت، وحفني الحناوي، وفهمي المدبولي، واسماعيل البدري، والسيد سالم، وعبد الحميد مشعل، وسيد أبو شفه، وعلي الحفني، وجلال حسين، ورضا بدير، وعاطف امام فهمي، وقدري مصطفى سرور، وعادل فؤاد.

- لبنان: يوسف أبو حبلة، وسركيس باسيم، ونعيم بيطار، وجوزف أيوب، ونديم دليقان، وعلي جهاد الراسي، وجوزيف كركور، وسمير سبليني، وطاهر حمية، وسامي رزق الله، وبولس روحانا، ويوسف طنوس، ووليم كرم، وكرم مرقس، ورالدا سالم، وجوزف كرم، وجاك باسيل، وأنطوان سويد وعاطف وهبي، وشربل نخول، وعلي المدبوح، ورائد بو كامل.

- العراق: خضر الياس، وعدنان عبد الله، وحكمت داوود، وأحمد عبد علي، وعلاء مجيد، ورافد حنا، وخفير تقي، وغازي يوسف ابراهيم، ووليد حسن.

- فلسطين: الفرد حجار ورامي شحادة.

- الأردن: حسن الفقير.

- المغرب: محمد بن براهيم، خميس ترنان، وصالح المهدي، ومحمد سعاده، وصلاح الدين المانع.

- ليبيا: بو العوينات، وناصيف محمود.

- الخليج العربي: عوض بن جمعان بن توفيق (عمان) ؛ فيصل التميمي، والجسمي، وحسن عبد الله سواد، ومحمد البناي، وعثمان بو صلاح، ومحمد الخلف؛ تواب عبيد (السعودية)؛ حسين زايد (الكويت).

زين جوزف أيوب مصاف هؤلاء العازفين جميعا ً، وأظهر بجدارة أنه أمير الناي، وعازفه الأكبر، ومبتكر مبدع في تطويره.

- "الناي الأيوبي"

يشبه "الناي الأيوبي" آلة ال Recorder الغربية أو بما يعرف بال Flute à becمن حيث الصوت والشكل (الذي هو كونيك Conique )، الا أنه يختلف عنها من حيث المقاسات ونوعية الخشب المستعمل. فهو يصنع من خشب المشمش أو الليمون القديمين، أو من خشب الموغونو الذي يكسب الآلة صوتا ً رخيما ً. انه من غير المستحسن أن يكون من مادة البلاستيك لأنها تفقده جودته العالية.

يتألف "الناي الأيوبي" من قطعتين:

- القطعة الأولى، وهي تشكل رأس الناي وتحوي على المبسم، وفتحة صغيرة من الأمام.
- القطعة الثانية، وهي مؤلفة من الماسورة وتحوي على كل الثقوب.

يحوي "الناي الأيوبي" ثمانية ثقوب بشكل دائري وحجم واحد. الثقوب الأربعة الأمامية تقع في أسفل الآلة، وهي مخصصة لليد اليمنى، والثقوب الثلاثة الأمامية الواقعة في أعلى الآلة مخصصة لليد اليسرى. وثقب واحد خلفي يوضع عليها الابهام وهو يتوسط الثقبين الأعليين. وهناك ثقب تاسع اضافي وهو أصغر الثقوب يقع في أسفل الآلة، تحت ثقوب اليد اليمنى، وهو صغير الحجم بخلاف باقي الثقوب، لا يستعمل مطلقا. لكنه يساعد العازف على الحصول على درجة الراست والكردان بطريقة أسهل وأوضح، وعلى الانتقال من طبقة الى أخرى دون صعوبة أو ضغط في الهواء.
يحوي "الناي الأيوبي" مبسما ً يمكن لكل نافخ فيه استخراج الصوت، وذلك بخلاف الناي القصبي الذي ينفخ فيه بطريقة فنية تحتاج الى تدريب طويل. مع "الناي الأيوبي" لا يحتاج العازف الى بذل جهد في عملية النفخ بل الى نعومة فائقة في ضغط الهواء كي يصدر الصوت واضحا ً وصافيا ً.

يملك جوزف أيوب نايين: الأول، مدوزن على درجة نغمية ثابتة وهي علامة "لا" وطنينها 440 ذبذبة في الثانية. والثاني، مدوزن على نصف درجة نغمية يمكن من خلالها تأدية مقامات أخرى بحسب الحاجة. كما يمكن للعازف تخفيض هذه الدرجة بابعاد رأس الناي عن الماسورة قليلا ً بحركة لولبية بسيطة، خاصة عندما يرافق الفرقة الموسيقية، مما يمكنه من تأدية مقامات عديدة ومتنوعة كالبيات على درجة الراست، ومقام الراست على درجة العجم، ومقام النهوند على درجة الجهاركاه، وغيرها من المقامات.

الراست هو ألصوت الأساسي "للناي الأيوبي" (على الخط الأول تحت مدرج مفتاح الصول).
وتمتد مساحته الصوتية على ديوانين، ويمكن أن تتخطاهم.

ينظف "الناي الأيوبي" بادخال قطعة قماش في الماسورة. أما الرأس فيجري تنظيفه بسد الفتحة والنفخ بشدة ليخرج اللعاب من الطرف الآخر.