Articles

Art in the press

أفلام ليلى و نادية حطيط - فن يخترق عتمة المكان لينير أبعاد الزمان و يحرّك الوجدان

"جزء من بيروت" هو عنوان معرض للفنانتين نادية و ليلى حطيط تقدّمان من خلاله تجربتهما مع فن الفيدو بعرض 3أفلام قصيرة، و قد انطلق المعرض في 18 ديسمبر و يتواصل إلى 30 من نفس الشهر بفضاء "زيكو هاوس" ببيروت، و تقدّم الأختان حطيط تصورا جديدا لفن الفيديو و التوثيق يختلف عن النظرة الكلاسيكية للفيلم القصير، فما تنجزانه هو بث لرؤى فنية تنبع من أوجاع المكان و التاريخ و ثنائية التلاقي الشرقي و الغربي في روحيهما و جذورهما التي تتجاوز المكان، لتصدح بتصورات غير مكتشفة نادرة حرّكت خفايا الصورة و أشبعت معانيها بكل مقومات الحرية و الإستقلالية و الثبات و الإستقرار فكانت مزيحا مختلفا و صورا حرّكت كوامن الجمود الزمني لتثبته في فكرة معينة، تحدثت عن بيروت و ألقت الضوء على المعيش الذي ميّز المجتمع لتنتهي الفكرة داخل المكان الأوسع لبنان، البلد الصغير مساحة العميق تاريخا و الملوّن أفكارا و عقائد و طوائف فكانت الرؤية " جزء من بيروت".

نادية و ليلى حطيط... ثنائية المنبت و المنشأ

الفن لو أدرك جوهره، كفاح مستمر هدفه التحرّر و الإستيلاء، تحرّر من أوهام المحسوس و سحر المظاهر لإدراك الحقائق، و الإستلاء على القوى الخفية و احتقار العرض الزائل من أجل الإحتفاظ بالجوهر الثابت، هكذا كان فن ليلى و نادية حطيط، بمثابة رؤى تنير البصائر و تفتح أغلاق القلوب لتكشف الستار عن هموم و تراكمات خلفتها سنين اللاتفاهم التي خلقت حالة اللاحرب و اللاسلم.. فتعمق الشعور بالإنتماء و تجاوزه الحنين و ثنائية الهوية الممزوجة بروح شرقية و روح غربية خلقت وعيا ناضجا و تصورا عقلانيا في تجربتهما الفنية الواقعية الملتزمة فنادية و ليلى هما من أب لبناني جنوبي و من أم اسبانية، عاشتا بين لبنان و اسبانيا فزادهما ذلك الإنتماء بعدا في الرؤية و الزوايا المطروحة التي خدمت فنهما المتطرّق للقضايا و الهموم العربيّة.

وناديا هي صانعة أفلام دائمة البحث و الإبتكار، أسلوبها حديث يتجاوز التقنيات الكلاسيكية في الصناعة و التركيب و المحتوى فما تنجزه ليس توثيقا إعتياديا، بقدر ما هو إنارة و توجيه و تسليط ضوء على الأوجاع، فهي تخلق داخل الشريط حركية و إيماءات ذات كوريغرافيا غير مألوفة لتثبت أفكارها التي تتحدث عن الهوية و الآخر و التواصل و التشبث بمبدأ الأرض في بحث عن الإستقرار داخل الزوايا الضوية أو من خلال الرموز الصوتية، و نادية متحصلة على شهادة معمقة في اختصاص السمعي البصري من جامعة مدريد ثم من جامعة طوكيو.

و تحاول نادية أن تنجز أعمالا استثناية بالتعاون مع أختها ليلى التي هي أيضا صانعة أفلام مختصة في فن الفيديو و الصورة تحصلت على شهادة في السينما من جامعة سان فرانسيسكو و هي مراسلة من إسبانيا لقناة الجزيرة للأطفال، و تسعى نادية و ليلى للتعريف بسينما المهاجرين في الغرب ذات الرؤية الثنائية الممزوجة بخلفية الإنتماء للشرق و للغرب و في هذا الإنتماء عدّة خبايا و تساؤلات، كما تثير أفلام نادية و ليلى مسألة الأحداث التي ميّزت التاريخ اللبناني و أثرت على المجتمع، تمثلت في اجتياح بيروت و الحرب الأهلية و احتلال الجنوب و قد اتسمت أعمالهما بالموضوعية و الإلتزام بالواقع الإنساني من خلال أبعاد رمزية اخترقت حواجز الزمان و المكان
و هو ما نلاحظه في عمل " ليس مؤلما أن عادت بيروت إليكم" سنة 2005 ، فيلم "فراغ مفقود" سنة 2006، فيلم وثائقي عن الجنوب اللبناني "عاد الجنوب" إنتاج سنة 2008 .

و تعاملت نادية و ليلى لغنتاج أعمالهما مع عدّة جهات غربية إيطالية إسبانية و كذلك مع " مجموعة متحف فرحات"، التي انتجت أفلاما قصيرة سردت فنيا تجارب مؤلمة مثل تجربة الفنان في المنفى التي ألقت الضوء على الفنان العراقي " محمد السعدون" و أيضا شريط مصور بعنوان "أقلام عسقلان" عن فن الأسر بسجن عسقلان تجربة الفنان الفلسطيني زهدي العدوي و كذلك فيلم قصير بعنوان " بجانب" الذي ركز على صورة المجتمع اللبناني بعد الحرب الأهلية واصفا من خلال أبعاد رمزية المزيج الواقعي الإجتماعي الإقتصادي الثقافي و الخلاصة العلائقية بين عناصر و مكونات أبعاد الحياة اللبنانية الذي حصر داخل مغطس مائي عبرت نادية حطيط من خلاله عن الضيق و عن التناقض الكامن بين الثبات على الوضعية و الرغبة في الإنفلات بين التشبث و الإختناق، التعايش و الإتفاق و بين الإستقرار و الإستمرار .

إن التوجه الفني الذي تبنّته نادية و ليلى حطيط مبني على تصور فني لواقع العالم العربي و خاصة لبنان امتزج بطريقة تعبير اتسمت بالترميز النابع من تعقّد الوضع في حدّ ذاته فكانت مواقفهما من خلال الأشرطة تعبر عن ذلك الألم و الظلم و الموت و تحاول أن ترفض الأنانية و تثبت حلولا تتجاوز كل الإختلافات الداخلية فالحرب الأهلية اللبنانية و السياسة في لبنان عموما تركت آثارا على كل لبناني عايش الأحداث عن قرب أو وصلته الأخبار في الغربة لتظل موسومة بحزن ما، بصمة ما كيف لا و لبنان البلد الصغير مساحة و العميق تاريخا و سياسة يتحول إلى مسرح لأكثر الأحداث وحشية و دموية امتزج فيها السياسي بالإجتماعي الطائفي العقائدي و الإقتصادي تنازعت في رحمه أقطاب داخلية و تدخلت في توجهاته قوى خارجية تدخلت باسم لبنان لتقذف كل منها الأخرى
( أمريكا و الإتحاد السوفياتي،العراق و إيران، سورية المقاومة الفلسطينية و إسرائيل) فتزاحمت الإديولوجيات العالمية المختلفة ماركسية، ليبرالية، قومية ثورية إسلامية.. كل ذلك هيمن على نفسية اللبناني المقبل على الحياة و كل تلك العواصف التي مرّت، لم تكن عائقا لأنها شجعت على الإستمرار و المواصلة و الإقبال على الحياة، لنلاحظ في أعمال الأختين حطيط مشاهد مختلفة فيها تحدّ عبّرعن إنتماء ثابت "و ليكن.. لابد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة" (محمود درويش وعود من العاصفة) فليلى و نادية عاشتا ثنائية الوطن لبنان- إسبانيا و أقبلتا على أخبار الوطن بعين متبصرة جادة واعية لا كمتفرج غربي عادي يعيش خارج رقعة الوجع و لكن كمعايش متألم ناهض ثائر دائم البحث عن الهوية العميقة داخل دائرة الزمن و الأحداث..

"و أعلن في الكون أن الطموح لهيب الحياة و روح الظفر.. و إذا ما طمحت للحياة النفوس فلا بدّ أن يستجيب القدر" (أبو القاسم الشابي إرادة الحياة)