Articles

Art in the press

Lebanese contemporary literature (Arabic)

المعاصرة (الأدب اللبناني المعاصر - أعداد د. منصور عيد)

ان انشغال الادب اللبناني بالقضايا اللبنانية لا يعني ابتعاده عن متابعة التطور المستمر للاحداث والمتغيرات الحضارية، وبالعكس فان الادب في لبنان شكل حضورا دائما في الزمان والمكان، ولعل ذلك نتيجة للانفتاح اللبناني على العالم، حتى بتنا لا نستغرب وجود ملامح العولمة الفكرية، والادبية، والثقافية التي أفرزها النظام العالمي الجديد، في أدبنا اللبناني النهوضي، فلقد استوعب فكرنا منذ زمن طويل، الابعاد الكونية حتى صارت جزءا من كينونتنا.

وفي قول مستل من مقالة للرئيس بشارة الخوري الذي اشتهر، بالاضافة الى قيادته السياسية، بكتاباته الفكرية والانسانية، يشرح فيه المفهوم العام للمنظمات الدولية، مستدركا مفهوم السيادة الوطنية: "وما نشأت المنظمات الدولية الكبرى الا استجابة لنداء شامل، ولحركة حارة تستهدف السلام، واذا لم يكتب لمهمتها ظفر دائم، فما ذلك لأنها تفتقر الى قوة دولية قد يطول مدى افتقارها اليها، بل لأن الشعوب لم تتعلم بعد كيف تتعارف تعارفا كافيا، وكيف تتبادل التفاهم والمحبة. واذا تحتم أحيانا تنازل متبادل عن بعض مقومات السيادة الوطنية، فان الاهم من ذلك ان تتجه الشعوب نحو الفة متزايدة ونحو تعزيز في مبادلات الفكر، والشعور، والمادة، فيما بينها." وكأنه بذلك يطرح المشكلة التي يطرحها نظام العولمة الجديد الذي يحاول القضاء على خصوصيات الشعوب وعلى ثقافاتها وحضاراتها المميزة.

وفي محور المعاصرة تأتي حقوق الانسان العنوان الاكبر الذي عمل فيه اللبنانيون على مستويات عدة، تشريعا وممارسة وفلسفة وأدبا. و يضيق المجال عن ذكر هذه الكتابات كلها. يقول محمد المجذوب في مقالته: "ان حقوق الانسان ليست شعارات أو أمنيات او موضوعات للمناقشة في الندوات والمنتديات، وانما هي جزء، او ركن او عنصر من حياة الانسان تمارس بعفوية ولا تختلف، من حيث الاهمية، عن الماء والهواء". وفي نظرة الى الحضارة ومفاعيلها وسلبياتها يرى قسطنطين زريق "ان الكثير من المفكرين يرون ان الداء الاساسي قد يكون في الحضارة الحديثة نفسها: اولا في تعلقها الشديد بالعلم، وحسبانها اياه أضمن طريق، او الطريق الوحيد الى الحقيقة، والى الحياة الفاضلة، وما في ذلك من انتقاص للقيم الدينية والخلقية والفنية. وثانيا، في توكيدها على مظاهر العلم التقنية والالية النفعية، او في اهتمامها الاول بالسبل والوسائل دون الاهداف والغايات".

وفي موضوع المعاصرة ايضا مقالات عن الحق في الثقافة من ضمن حقوق الانسان المعاصر. هذا الحق الذي يشكل أحدث الامور المطروحة في مجال حقوق الانسان بعدما تبدلت مفاهيم الامية، وتوسعت مفاهيم مؤشرات التنمية التي تتولى منظمات الامم المتحدة تحقيقها في العالم غير الصناعي. يقول جوزف مغيزل أبرز الناشطين في موضوع حقوق الانسان: "ان قيام دور للثقافة، وتسهيل اطلاع الجميع على كنوز الثقافة، واعتبار ان انشاء المتاحف، والمسارح، ودور العرض، والمشاغل الفنية، ليس أمرا كماليا، انما هو حاجة جوهرية من حاجات الثقافة". وهناك كتابات تناولت أنظمة التعليم والتربية والجامعات، وربطت دور لبنان الحضاري والوجودي بنجاح هذه الانظمة التي تحدد هوية خاصة لهذا البلد، فاذا سار فيها شكلت اسهاماته هويته الحقيقية والا فقد العناصر المميزة لتكوينه الحضاري. يقول سمير مقدسي: "فنجاح لبنان، كما اخفاقه في تطوير نظامه التربوي وتوسيع مقدرة أبنائه، استيعابا للعلوم واسهاما في تطويرها في آن، هو الذي سيحدد هويته المستقبلية ودوره الاقليمي والدولي، حتى اذا فشل ان يكون خلاقا ورائدا تحول الى مجرد رقعة جغرافية، يتبارى أهلوه عليها، مع أندادهم من الشعوب، تنافسا على الكسب والصفقات التجارية".

وفي المعاصرة ايضا تأتي أعمال أدبية واسعة حول تحديث العقل العربي بشكل عام، ففي هذا المجال يسعى أدباؤنا لأن يوفقوا بين الالتزام بالتراث كمنطلق لكل حداثة، والسعي الى مفاهيم جديدة انطلاقا مما قدمه الغرب من نماذج حضارية، وعدم الاكتفاء بالتقليد لأن الحداثة تعني استساغة العقل للحداثة وصولا الى الابداع. فالحداثة اذا هي الابداع. وبين المواقف تتفاعل الافكار في حركة ديناميكية وجدلية تاريخية ناشطة ترسم مقومات الفكر اللبناني حول هذه الاشكاليات. يقول الدكتور حسن صعب في مقالته: " قضية تحديث العقل العربي": "ان قضية تحديث العقل العربي هي قضيتنا الحضارية الاولى لأنها القضية التي تتوقف عليها مواجهتنا لجميع قضايانا المصيرية مواجهة قويمة. اننا نثق بقابلية العقل العربي لكل تقدم، ولذلك نريده ان يقبل التحديث من بابه الواسع. ان مستلزمات التحديث الاساسية هي الحرية الانسانية، والتجريبية العلمية، والتنظيمية العقلانية والابداعية الفكرية".

منصور عيد (1944)

كاتب وروائي وناقد، ولد في بتدين اللقش - قضاء جزين. تلقى علومه في معهد سيدة مشموشة، ونال اجازة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية من الجامعة العربية في بيروت، والدكتوراه في الادب العربي المعاصر من جامعة القديس يوسف. درس في عدة مدارس ثانوية وأصبح استاذا في جامعة سيدة اللويزة، ورئيس قسم العلوم السلوكية والاجتماعية. من مؤلفاته: في الرواية: طائر الفينيق، غدا يزهر الثلج، شرارات الرماد، خربة مسعود، وسبع مجموعات في القصة القصيرة، كلمات من الحضارة، كتابان في النقد الادبي، ألحان الكروم (شعر)، مجموعات قصصية قصيرة للناشئة، مسلسلات اذاعية، ومسرحيات، ومجموعة من البحوث والمحاضرات، والمقالات. نال عدة جوائز أدبية محلية.

العولمة وثقافة حقوق الانسان 

كثرت الدراسات والتحليلات التي تناولت النظام العالمي الجديد الذي عرف باسم العولمة، وقد تباينت المواقف منها، ما بين مؤيدين لها ومعارضين. والاتهام الاول الذي وجه لها أنها مظهر جديد من مظاهر سيطرة الاقوياء على الضعفاء في العالم، أو هي وجه من وجوه الاستعمار القديم، أنتجته ثورة التكنولوجيا الحديثة، لتجعل العالم مقسوما بين أثرياء، وفقراء مدقعين. ولعل أكثر ما أقلق العالم الثالث خوفه من فقدان خصوصية شعوبه وثقافاته، أمام اجتياح ثقافة العولمة المادية والأحادية، تحت تأثير حركة التواصل الكوني، والاعلام المنفتح، والمتحكم.

ان هذه المخاوف حقيقية الى حد بعيد، غير أنها تبقى في حدود ردات الفعل السلبية، اذا لم تتحرك الشعوب في اتجاه استيعاب هذا النظام الجديد استيعابا عقلانيا، بعيدا عن الرفض العشوائي، والفوضى، والغوغائية. فالعولمة هي في الواقع، روحية عصر جديد، كما كانت الايديولوجيات القديمة: القومية، والليبرالية، والشيوعية، التي ظهرت بعد الثورة الصناعية، ممثلة روحية ذلك الزمن. وهذه الروحية للنظام العالمي الجديد ستستمر تتفاعل، مع التطور التكنولوجي المتنامي بشكل هائل، قبل ان تظهر ثورة علمية جديدة، تطلق فلسفة، وقيما، ومفاهيم حضارية أخرى.

وللتخفيف من هذه المخاوف بدأ أرباب العولمة، ومفكروها، يبحثون عن عامل استقرار يخفف من موجة الرفض العالمي للعولمة، فاتجهوا الى البحث عن مضمون روحي مساند، يشكل حصانة معنوية ترضي الشعوب الضعيفة، فركزوا اهتمامهم على شرعة حقوق الانسان، وثقافتها الانفتاحية التي تحقق ثبات المعادلة القديمة المستمرة لوجهي الحضارة: المادة والروح.

ان منظمة الامم المتحدة التي تبنتها الدول الكبرى في القرن الماضي، كمنبر لحل النزاعات الدولية الناتجة عن الايديولوجيات المتصارعة، تمكنت من تخفيف الاحتقان الدولي، واستيعاب الصراعات المتنوعة الاشكال والاهداف، فأبعدت الحروب الساخنة بين الدول العظمى، وأدارت الحرب الباردة بأشكال من الدبلوماسية الانقاذية، من دون ان تصل بالشعوب الى السلام التام، او تنهي شبح الاقتتال القائم على التنازع بين المصالح، والاثنيات، والأعراق. كما أنها أدخلت الى نفوس الشعوب الضعيفة المغلوبة، رجاء بقيام عالم أكثر أمانا، وسلاما وعدالة. وهذا ما عبر عنه احد أمنائها قائلا: "ان الامم المتحدة لم تتأسس لأخذ البشرية الى السماء بل لانقاذها من الجحيم".

وعلى الرغم من ان الخلل في تطبيق مقررات الامم المتحدة تطبيقا سليما كان نتيجة سيطرة الدول الكبرى عليها وتسخيرها لمصالحها، فان هذه الدول وجدت نفسها بحاجة ملحة الى بقاء هذه المنظمة والحفاظ عليها، للتخفيف من وطأة صراعاتها، ولاستمرارها منبرا لتنفيس الاحتقان السياسي والعسكري. وتأكيدا لهذه الحاجة تسعى الدول المسيطرة ماديا على العالم الى دعم منظمة الامم المتحدة، واعطائها قوة معنوية كبيرة، من خلال العمل الدؤوب لنشر ثقافة حقوق الانسان وتطبيقها في المجالات الهادفة الى تحقيق العدالة والمساواة والديموقراطية في العالم.

سمير مقدسي

باحث في الاقتصاد والمال ومؤلف وناقد، دكتور في علم الاقتصاد من جامعة كولومبيا، واستاذ شرف في الجامعة الاميركية في بيروت، ومؤسس معهد الاقتصاد المالي فيها. تولى رئاسة قسم صندوق النقد الدولي عام 1962، ثم عين وزيرا للاقتصاد في لبنان، عام 1992. من مؤلفاته: بين الاقتصاد والحرب والتنمية، العبرة من تجربة لبنان. وله مجموعة من البحوث الأكاديمية في مجال الاقتصاد والتنمية.

لبنان الجامعة

اذا كان لتطور القطاع التربوي والعلمي أن يقرر مصيره ودوره، يصبح الكلام على نوعية هذا التطور ضروريا، والنوعية تستدعي التطرق الى المناخ الجامعي. ويقيني أن هذا المناخ عنصر اغناء لمجتمعنا وتقدمه، شرط أن يتأسس التأهيل الجامعي على معايير أكاديمية وعلمية، مستندة بدورها الى تخصص جامعي رفيع، وأن تكون مؤتلفة مع حرية الفكر والرأي والبحث بكل ما في كلمة الحرية من مضامين، وذاك توطيدا لمكانة لبنان الحضارية في العالم، وتنمية لقدراته في التعاطي مع التطورات العالمية في شأني الحضارة والثقافة، في مناخ معافى من الحرية الاكاديمية والعلمية البحثية.

ومناخ الحرية الاكاديمية يستتبع النظر في نوعية البرامج الجامعية ومستوياتها، فاذا كان الواقع في الشأن العلمي التكنولوجي يقول بأننا ما نزال في بداية الطريق او منتصفه، فان المسألة تبدو أكثر تعقيدا في شؤون الفكر والانسانية والاخلاق. لذلك تلقى على كاهل الجامعيين تبعات التطور النوعي للتعليم، ان لجهة تأصيل التعامل الخلقي بين أفراد المجتمع، أو التوطيد السليم لأسس العدالة الاجتماعية، والمحافظة على بيئة لبنان وجماله.

وانطلاقا من فرضية أن التحصيل الجامعي هو المدخل المفضي الى بناء المستقبل المهني او الوظيفي، نطرح الملاحظات الاتية:

لا شك في أن تطور سوق العمل يحتم اختصاصات مناسبة، توفرها الجامعات في لبنان. لكن هذه المعادلة لا يجوز أن تقلص هدف التحصيل الجامعي من حيث كونه تثقيفا بالمعنى الشمولي الاوسع. فنحن من المؤمنين بأهمية التفاعل بين الثقافة والاختصاصات المهنية والتطبيقية المختلفة في اطار من الحرية الاكاديمية.

ان للسوق اللبنانية حدود اكتفاء معينة، لذلك يفترض أخذ الاعتبار، لحاجات التطورات الاقليمية، والخارجية التي تضيق بها سوق العمل في لبنان.

امكانية توظيف المواهب اللبنانية في ما يعود بالنفع على البلاد تطويرا ونهوضا.

انطلاقا من ذلك ننظر الى لبنان "الجامعة" المساهمة في بناء الحضارة وفي تطويرها. وجامعة بهذه الصفة تحفظ للبنان ارثه الفريد القائم على التراث والقيم، والمنفتح على الحضارة العالمية، والمسهم في تقدم الانسانية.

جورج قرم (1940)

استاذ الدراسات السياسية في جامعة القديس يوسف، تخرج في القانون الدستوري من جامعة باريس، عين وزيرا للمال سنة 1998. له مجموعة بحوث ودراسات في الاقتصاد والسياسة. من مؤلفاته: المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين، لبنان المعاصر، تاريخ ومجتمع، الشرق الاوسط، أوروبا والشرق.

العولمة الاقتصادية والنظام العالم الجديد

...لم يعد هناك الا هدف واحد للتاريخ، تمليه سياسة تعميم العولمة الاقتصادية، بانضمام الجميع الى منظمة التجارة العالمية، لتتحقق سعادة البشرية من خلال التجارة "اللطيفة". هذا هو المثال الذي تتبعه بلدان أوروبا الغربية منذ وقت طويل، وسلكت سبيله منذ ألف وتسعمئة وستة وخمسين، بعد أن أنهكتها الحروب وأعمال العنف.

والولايات المتحدة وعدت بنظام عالمي جديد أكثر عدلا ً وانسجاما ً، يوفر الانصاف والعدالة للجميع، لكن هذا الشعار تعثر بعد حرب الخليج الثانية، في رمال الصحراء، وأصبحت الولايات المتحدة الزعيمة الوحيدة المتحكمة بلعبة السياسة الدولية؛ تدير شؤون العالم بمفردها، أو الى جانب الحلف الأطلسي والأمم المتحدة، وذلك تبعا ً للظروف المستجدة، أو المصالح الراهنة. أما الاتحاد الأوروبي، فبقي حليفا ً وفيا ً لا يناقش كثيرا ً القرارات الاميركية، وتركزت الأنظار على العامل الاقتصادي والمغامرة الكبيرة للعولمة، والجنة الجديدة الموعودة للبشرية...

العولمة تجربة كبرى، حيث تتحرك الناس والتقنيات والرساميل والسلع والخدمات، وتتنقل وتنتشر، بينما تتضاءل الحواجز أكثر فأكثر... العولمة هي غزو العالم الذي ابتدأ منذ عام ألف وأربعمئة واثنين وتسعين، ويستمر حتى أيامنا هذه: "أوربة" العالم، "فرنجته"، "عصرنته"، "عولمته"...
الحركة نفسها والمسار نفسه، لكن بمصطلحات جديدة. وها قد سجل الغرب انتصاره... غرب النهضة الأوروبية والثورة الصناعية، غرب الاختراعات الأميركية المتجلية في جميع الميادين، وقد انضم الى مغامرة العولمة بعض الدول مؤخرا ً: اليابان أولا ً، ومن ثم "نمور" جنوب شرق آسيا: كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا...

لكن اذا أردنا تقييم الوضع في الأمكنة الأخرى، نجد بيانا ً أكثر تمايزا ً وتناقضا ً. لقد خلقت العولمة، في كل مكان من العالم، أثرياء منتفعين، وطبقات اجتماعية جديدة، ومناطق لجذب الاستثمارات الأجنبية الهامة في بعض البلدان الكبرى كالصين...

ولكن هل تؤدي موجة العولمة الجديدة هذه الى الرفاهية المعممة والمنشودة؟

هناك العديد من المؤلفات التي تصدرها المنظمات والمؤسسات الدولية بغية الترويج للعولمة، ووسائل الاعلام المهيمنة ترصف الأرقام والاحصائيات التي يفترض بها أن تبرهن أهمية العولمة ودورها الطليعي.

بالمقابل، يصدر المناهضون للعولمة مؤلفات أخرى أكثر اقناعا ً يثبتون فيها العكس، أي تزايد الفقر، والتهميش الاجتماعي، والبروز الحاد لتفاوت المداخيل، وتردي الوضع البيئي. وكم يصعب على الانسان أن يهتدي الى طريقه وسط هذه المعمعة السائدة! وكم عليه أن يتحلى بالدهاء ليتمكن من تكوين فكرة واضحة ومستقلة عما يجري! فالأدبيات المناهضة للعولمة قليلة الانتشار نسبيا ً، بينما الأدبيات الأخرى مهيمنة في كل مكان، وتسيطر على وسائل وقنوات الاعلام الكبيرة...

ومناهضو العولمة يجدون في الكارثة التي نتجت عن اعتداء الحادي عشر من أيلول ما يغذي انتقاداتهم ومخاوفهم، بينما يجد دعاة العولمة فيها ما يدفعهم الى الانقضاض بحيوية أكثر من أجل تحقيق أهدافهم.

جوزيف مغيزل (1924- 1995)

كاتب وسياسي، ونائب، وناشط في مجال حقوق الانسان. ولد في بلدة تبنين في جنوب لبنان. ترأس الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان، وأسس الحزب الديمقراطي بين عامي 1970- 1974. من مؤلفاته: دراسات في مفاهيم الحرية - لبنان والقضية العربية - ضد الطائفية - العروبة والعلمانية - حقوق الانسان في لبنان 1995.

حقوق الانسان التزام جماعي

من الشائع أن احترام حقوق الانسان، والسهر على حمايتها، يندرجان في اطار مهمات الدولة فقط.

لا شك في أنه تترتب على الدولة مسؤوليات أساسية في التقيد بحقوق مواطنيها، ورعاية حرياتهم وفقا ً للأحكام القانونية الداخلية، وأحكام الاتفاقات الدولية.

ولكن دور الدولة لا يكتمل، الا اذا تولى أفراد المجتمع بأنفسهم القيام بدورهم أيضا ً. فالأهل في عائلاتهم، والمعلمون والمربون في مدارسهم، وأرباب العمل في مراكز انتاجهم، والمواطن العادي في الشارع والأماكن العامة... جميعهم مسؤولون عن تطبيق أحكام القوانين، والاحكام الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. فسلوك الدولة هو انعكاس لسلوك الفرد، وسلوك الفرد هو انعكاس لسلوك الدولة، فلا يمكن أن تحترم في المجتمع حقوق الانسان، اذا لم يكن هذا الاحترام عاملا ً مشتركا ً بين السلطات والمواطنين.

وعندما نطالب المسؤولين الرسميين باحترام الحريات العامة، وتأمين المقاضاة العادلة، وحماية حياة الناس وسلامتهم، وأمنهم، وحرمة منازلهم وأملاكهم وباقي الحقوق الفردية، انما تذهب مطالبنا سدى، اذا لم يبادر كل فرد منا الى التقيد تقيدا ً صارما ً باحترام حقوق الآخرين...

لقد أثيرت تساؤلات كثيرة حول عدم اعتماد اعلانات واتفاقيات تنص على الواجبات، والاكتفاء باعتماد النصوص التي تزخر بالحقوق، وكانت الأجوبة تقتصر دائما ً على أن الواجبات ليست الا الوجه الآخر للحقوق، فمن يدعي حقا ً يلتزم في آن بواجب يرعى به ذلك الحق...

واليوم ومع اطلالة مسيرة السلام في لبنان، يمكن القول انه من أولى المهمات المترتبة على المجتمع اللبناني اعادة الاعتبار الى احترام حقوق الانسان. فعمليات السلام والتنمية والتقدم في البلاد رهن بمقدار اعتبار حقوق الانسان ركنا ً أساسيا ً في حياة المواطن.