جبران خليل جبران العصيّ على التصنيف: لماذا تخشاه المعاجم الأدبية في الغرب؟
المستقبل - الاربعاء 6 كانون الأول 2006 - العدد 2467 - ثقافة و فنون - صفحة 20 - جهاد الترك
يعالج هذا الكتاب، على نحو من التفاصيل الهامة، وفي إطار شيّق، سيرة الشاعر والكاتب والرسام اللبناني، جبران خليل جبران. ويسلّط الضوء على جوانب من شخصيته وحياته لم تكن متداولة من قبل، بدءاً من ولادته في بشري، مروراً بالتطورات المثيرة في صيرورته الفنية، وصولاً الى وفاته في ولاية نيويورك الأميركية. واستقطب الكتاب اهتماماً واسعاً، وقد صيغ في الأساس، باللغة الفرنسية، وترجم الى لغات عدة، من بينها: الألمانية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية. وقد اجتهد المؤلف في تناوله هذه الشخصية الاستثنائية على خلفية التطرّق الى علاقاته المتشعبة بأصدقائه وصديقاته وأدبه وفنه وأفكاره ونزوعه العميق الى نمط من التوجه الروحي، مستنداً الى معطيات لم تكن معروفة من قبل، إضافة الى وثائق نادرة يكشف النقاب عنها للمرة الأولى. على هذا الأساس، تشكل هذه السيرة المتقنة مقاربة موضوعية، على الأرجح لصاحب "النبي"، الغرض منها سبر أعماق هذا الفنان والكاتب الكبير عبر رصد دقيق لتصوراته في الحداثة ومتابعة علاقاته وتبيان موقعه في الأوساط الفنية والثقافية التي عرفها عن قرب، ومن ثم تجاوزها الى حيّز واسع من العالمية.
يقول الكاتب، وهو محق في ذلك، أن هذا اللغز الجميل الذي يُدعى جبران، قد أجمع العالم على الاحتفاء به، خصوصاً في أعقاب صدور كتابه "النبي" في العام 1923. إذ بلغت مبيعات هذا الكتاب تسعة ملايين نسخة في الولايات المتحدة وحدها. ولطالما شكّل "النبي" نقطة جذب حقيقية لجمهور طويل عريض من القراء، سيّما وقد ترجم الى أربعين لغة. وقد حقق في ألمانيا نجاحاً لافتاً، فيما احتلت أخيراً الطبقة الشعبية من ترجمته الإيطالية المراتب الأولى في لوائح الكتب المدرجة في خانة الأكثر مبيعاً. ويضيف المؤلف، أن الحركات الطالبية، في عقد الستينات الماضية، تبنّت، بشكل أو بآخر، مضمون الكتاب الذي يعلن صراحة: "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة وبناتها".
ومع ذلك، لا يزال جبران، حتى اليوم، غائباً عن معظم المعاجم والمؤلفات الغربية التي تتناول تاريخ الأدب، علماً أن عدداً من أهم المتاحف في الولايات المتحدة تمتلك لوحات لهذا الفنان، فيما افتتحت الجالية اللبنانية في البرازيل مركزاً ثقافياً أطلقت عليه اسم جبران. ويتساءل المؤلف عن الأسباب التي تدعو الى هذه القطيعة التي لا تختلف بشيء عن "النبذ" أو النفي إذا صح التعبير. ويرى أن الكاتب اللبناني، أمين معلوف قد أجاب عن هذا التساؤل المحيّر بالقول: إن "النبي" عمل غير قابل للتصنيف، ويبقى خارج الأنواع المتعارف عليها. فهو ليس رواية، وليس بحثاً، وليس قصيدة. إنه لا يندرج في أي من الأنواع الأدبية المحددة. كما أن مؤلفه غير قابل للتصنيف، على نحو مماثل. فهو عربي يكتب بالإنكليزية، مولود في لبنان وعاش في الولايات المتحدة، على الحدّ الفاصل بين الشرق والغرب. والواقع أن جبران، كما يورد إسكندر نجار، كاتب محيّر، بكل المقاييس. فقد استقطبت أعماله أعداداً لا تُحصى من الكتب والرسائل الجامعية. ومع ذلك، لم يُستنفد القول فيه بعد. والدليل، وفقاً لنجار، أن رسائله لم تُنشر كلها بعد، كما أن أحد أقربائه في الولايات المتحدة (النحّات خليل جبران)، لا يزال يمتلك، على الأرجح عدداً هاماً من الوثائق المجهولة.
في هذا السياق، يسعى هذا الكتاب الى الكشف عن منظومة واسعة من التفاصيل والمعلومات التي لم تخرج الى دائرة النور بعد، أو تلك التي لم يجر توثيقها على نحو موضوعي (كرسائل جبران الى هيلانة أوغسطين، أو قرارات الحجز الصادرة في حق أسرته، أو محفوظات الناشر ألفرد كنوبف".
يتضمن الكتاب الفصول الآتية: بشري؛ العالم الجديد؛ العودة الى الينابيع؛ مآس؛ البدايات؛ مدينة النور؛ "ماري الحبيبة"؛ نيويورك؛ ميّ؛ الحرب العظمى؛ من الطبيعة الى اللامنتهى؛ الرابطة العلمية؛ "النبي"؛ "الذات المجنحة"؛ "دعوني أنم"؛ بعد الموت.
يُشار الى أن إسكندر نجار، استند، في كتابة هذه السيرة، الى عشرات المصادر المنشورة في العربية والإنكليزية والفرنسية. كما استخدم المحفوظات العائدة الى: متحف جبران في بشري، جامعة نورث كاليفورنيا، ويتر باينر في جامعة نيومكسيكو، الفرد كنوبف (مركز بحوث هاري رانسوم، جامعة تكساس، أوستن)، جامعة هارفرد (مكتبة هيوتن)، دُور "النهار" و"السفير" و"الحياة"، مؤسسة المحفوظات الوطنية ـ بيروت، مجموعة متحف تلفير للفنون (سافانا) ورسائل هيلانة أغسطين.
تكمن أهمية هذه السيرة، في أنها تبدأ من حيث انتهت مؤلفات أخرى تناولت حياة جبران. غير أن الإضافة الحقيقية التي أدخلها نجار الى هذه السيرة، فهي محاولته الجيدة للربط بين كم وافر من التفاصيل والمعلومات التي اكتنفت مسيرة هذا الأديب الفذ، من جهة، وبين إبداعاته الأدبية ولوحاته من جهة أخرى. إنها قراءة في السيرة، وفي الأدب معاً، على خلفية من التمعن الدقيق والجميل في كل من هذين الطرفين اللذين يشدان خيطاً واحداً هو جبران خليل جبران. ومع ذلك، قد تشكّل هذه السيرة منطلقاً أكثر صوابية ومنهجية لدراسات مقبلة حول هذا الرجل الذي كلّما كشفنا بعضاً من غموضه لاح في الأفق غموض.
الكاتب: جبران خليل جبران - الكاتب: إسكندر نجّار (ترجمة بسام حجار) - الناشر: بيروت، دار النهار 2006