Articles

Art in the press

ذكرى عمون - الخطاب الذى ألقاه الأستاذ ر اجى الراعى فى الحفلة التذكارية التى أقيمت للمرحوم داود عمون

المعرض العدد الثامن أيلول - كانون الأول 1923

daoud-ammoun

سادتى،

الروح القوية المتمردة تتمرد على كل شئ حتى على الموت فهو لايملك إلا الجسد البالى.
مات عمون فى جسده ولم يمت فى روحه إن الأرواح القوية لا تموت . إنى لاعجّز الموت فى قوته وسلطانه أن يستولى على قلوب لنا تخفق لعمون . إنى لاعجّزه أن يقتل ذكراه ويمحو آثاره . الموت أضعف من أن يفعل ذلك.

ايه يازميلنا العزيز،

كلما دافعنا فى معرض الجنايات ذكرنا جناية الزمان فيك. وكلما دافعنا فى معرض الحقوق ذكرنا حقك فى الخلود . ويمينا ياصاحبى لو كان فى استطاعة المحاماة أن تقف بجانبك فى الساعة الأخيرة تحامى عنك فى معرض الموت لكنا اجتمعنا قوة رهيبة ولكنا ملأنا بضجيجنا الأرض والسماء .

ايه يازميلنا العزيز،

المحامى النابغ هو مارأيناه فيك فى كل ما تقلبت عليه. فى السياسة وفى المحاماه وفى الصحافة وفى الشعر وفى الحديث وفى كل موقف من مواقفك كان الثوب الذى ارتديت به ثوب المحامى. لقد كنت أمير حجة وبيان.

أخوانى،

كانت روح الفقيد قائمة على عرش هو الجسد فجاء الموت وأسقطه عن عرشه فأقمنا للفقيد من قلوبنا ألف عرش فكنا الفائزين على الموت فى مجلى الصراع ...الموت الجبان الزحاف على التراب لايتجرأ إلا على الأجساد وما الأجساد إلا تراب يطأه العابرون...وما جاءنا الموت فى ذلك بشئ جديد يستحق الذكر ، فلم يكن الفقيد يسأل عن جسده فهو أماته قبل أن ظفر به الموت ،أماته فى سبيل المطامح الكبيرة التى كان يرمى إليها.

وربما كان الموت يفيد الفقيد الكبير من حيث يتوهم أنه يضره، فما الجسد إلا قيد للروح فإذا ما استعاد الموت جسده فأنما هو يحرر الروح من قيدها الثقيل المزعج.
أجل ربما كان الموت من خدام الرجل الكبير يطلق روحه من جسده لتنطلق وتبلغ آخر مداها فيطرب الناس ويرقون ويضاف إلى البناء العام حجر آخر.

أخوانى،

ليس للموت تراب كاف لكى يستر فقيدنا العزيز ويطمس ذكره فهو قائم على صخرة من صخور لبنان وفى كل واد من أوديته وفى كل ينبوع من ينابيعه وعلى كل قمة من قممه وفى كل نجمة من نجومه وفى خاطر كل رأس من رؤوس بنيه وعلى لسان كل خطيب فينا وفى قلم كل كاتب بيننا وعلى كل مفترق من مفترقات طرقنا وفى قلب كل حكم من أحكامنا . فكيف يستطيع الموت ان يأتى بموجته ويغمر كل هذا.
مهما ازبدت الأمواج فهناك الصخور تتحطم عليها وعمون صخرة تحطمت عليها موجة الموت.هوصفحة من تاريخ لبنان.هوفلذة من كبد لبنان .

أخوانى ،

الفكرة النيرة الخارقة هى للأمة بأسرها تتغلغل فى جميع أجزائها فلا يستطيع الموت أن يظفر بها ليقبض عليها. إن فكرة عمون النيرة الخارقة تتغلغل فى صميم الأمة اللبنانية اليوم وغداً.
لم يكن عمون ليوم أو لصفحة ليأتى الموت فيسدل الستار على الرواية فى لحظة واحدة .وإنما كان للبنان فى أمسه ويومه وغده. كان للأمة فى تاريخها الذى لاينقطع فهو لم يمت ولا يمكن أن يموت وإنما هو حى فى كل صرخة يصرخها لبنان . حى فى قلب لبنان كلما خفق متمرداً. حى فى أقلامنا كلما خطت على القراطيس كلمة الحق . حى فى جباهنا كلما فكرت فى المصير.حى فى نفوسنا كلما ثارت على ظلمها . حى فى أحكامنا العادلة كلما صدرت.حى فى أكبادنا كلما تألمت . حى فى تاريخنا كلما قلب صفحة من كتابه .... فى كل ينبوع من ينابيع لبنان دموع مذخورة لعمون، وفى كل صخرة من صخوره الناتئة احتجاجاً على موته، وفى كل نجمة من نجومه بريق لذكراه ، وفى كل واد من اوديته يد مبسوطة تشير إلى روحة.

أخوانى،

اتمثله فى باريس وفى مصر وفى لبنان فإذا هو القوة الدافعة. المحرك الذى لايهدأ له بال حتى تسير السفينة ، وإذا هو العصب القوى الممتلئ حيوية وتمرداً وسمواً ، القاطع كالسيف، الثائر كالحمم، الحاد كالذكاء ، الأمين كالذاكرة،المهتز كسلك البرق المضطرب كقلب العذراء المتململ كقيد السجين ، الطامح كالنبوغ ... عاش عمون متألما، عاش ظمآنا ومات ظمآنا وهل يُروى الغليل الحاد وكيف يُروى ؟
أجمل مافى الحياة هذا الظمأ الخالد . أجمل مافى الحياة أن يموت الرجل فاغر الفم لاهث الصدر وهو صاعد إلى القمة، إلى القمة التى يراها ويريدها وهى فى كبد هذه السماء . أجمل ما فيها هذا الجهاد الضعيف المستمر للقتال الذى تذهب فى سبيله الأجساد البالية ولا يبالى شأن الفارس المغوار الذى ينهب الأرض بجواده نهباً فيسقط الجواد من العياء قتيلاً فيظل ينهب الأرض على ظهر جواد آخر وهكذا تتعاقب عليه الجياد حتى يحقق خياله الأكبر وقد لا يحققه ولكن يكفيه أنه استمات فى سبيله ولم يقنع مستسلماً خانعاً. هكذا مات عمون.

فلنغمر الرجل بذكرانا، لنأته بقلوبنا ونقول له. هى تخفق ولكن لك فنم آمنا.لنأته بالزهور فهو فى حاجة إلى عبيرها لأن ترابه لا يحمل الزهور احتجاجاً على موته.نأته بالأجراس ولندقها له دفعة واحدة فى وادى الموت ففى الأجراس مجتمعة تمرد صارخ مخيف لنأته بالمنابر ولنقل له قف خطيباً فى الموت وافرج كربتك.

ايه زميلنا العزيز،

إذا جفت عليك دموع البلاد وهى لن تجف فالمحاماة تظل تبكيك وإذا جفت عليك دموع المحاماة وهى لن تجف فتكفيك دمعتى.

الملاط يرثى عمون - القصيدة التى أنشدها شبلى بك ملاط فى حفلة تأبين داود بك عمون.

ولما نعى الناعى ابن عمون عادنى وأرقنى طيف المودة والذكرُ
ليالىَ لم تغيرمرآة افقها ولا غربت عنها كواكبها
قضينا على عهد المودة حقبة تقاصر عن تحويل جوهرها الدهر
اذا كان فى لبنان كنت عشيره وإن كان فى مصر تتبعه الفكر
تعارفت الأرواح قبل اجتماعنا فلما تلاقينا التقى الماء والخمر
يفتش عنى حين تمتد غيبتى وأبحث عنه حين يحجبه أمرُ
وكم مجلس دارت علينا شموسه وساقى الحمياَّ بينناالأدب النضر
اذا ما تناشدنا الرويَّ فصاغه على أن ذاك الدر صائغه الشعر
وانى ليشجونى تذكر وحشة ويحرج منى يوم اذكرها الصدر
قد اعترضت ما بيننا ثم اقشعت وعدنا وما فى النفس من أمرها أثر
رأى الوهم فيما قد رآه ومذبدا له الحق ،لم يكبر على نفسه العذر
فكان الأخ الحر الذى قد عهدته وكان عزائى أنه الصادق الحر
وليس بكثير من لهم كحياته ولكنما الموتى بأخلاقهم كثر
يذكرنا ذا اليوم ايامه فلا ترى سلوة عنه اذا عصف الأمر
وازبد بحر السياسة كلما تجاوزت غمراً منه قام له غمر
وكيف بربان يدير سفينة اذا لم يكن عهداً لخبرته البحر
وهل تبلغ الأفراخ فى بدء عهدها وإن حلقت فى الجو ما يبلغ النسر
وكيف يظل البيت بيتاً ممنعاً على سورة الأنواء ان سقط الجسر
وماذ يفيد السيف والغمد دونه وما هو معنى الليل إن لم يكن فجر
نعم أغمد السيف الذى كان بعضهم يقولون ان السيف ليس له قدر
ولكنما تبدو الحقيقة كلها متى يحجب الإنسان عن قومه القبر
فيالهف نفسى يوم أدرج فى الثرى فتى عبقرى ملء بردته فخر
تضعضع للمقدور غير معمر كذاك رأيت الحر ليس له عمر
بكى الأرز ملتاعاًَ عليه ولم تكن أقل من الأرز فى شجوها مصر
تلاشى وظلت روحه فى شعورها تصارع جبار الردى وبها كبر
ولولا صغيراه وربة بيته ولولا مغانى الدير والجبل الغر
تقبل حكم الموت غير مدافع وقال له من تحت اخمصى الحشر
ولكن لاجل الزهرتين كوالد تمنى حنواً أن يطول به العمر
هما قلب داود فشارل كاخته له منه شطر وهى منها له شطر
ولو عطف المولى وجاد عليهما لما مال محنياً من الجزع الزهر
وقفت هنا استنجد الوحى كاسفاً وقد زاد عنى الشعر مركبه الوعر
اذا صوت داود باذني وشخصه أمامى وعيناه ومنطقة السحر
وقال جزاك الله عنى فانه اذا كان من در فهذا هو الدر
ولكن أفدني مالذى اليوم نازل بكم؟؟ قلت تيار المهاجر والفقر
فقال وما حال البلاد بمجلس فقلت هو الخنسا ولبناننا صخر
فقال وهل" ويغان " يخشى ويرتجى فقلت هو السيف المهند والقطر
فقال وهل" ابوار "باقى كحاكم فقلت نعم باقى وأعوانه كثر
فلاح عليه البشر ثم تغيرت ملامحه فوراً وقد ذهب البشر
واومأ يرتاد الرحيل وردنى إلى ذلك البيت الذى صاغه الفخر
سيذكرنى قومى إذا جد جدهم ايعيش فى لبنان حر