Articles

Art in the press

800 لوحة منطلق متحف عربي - كامل جابر

يجوب نعيم اسماعيل فرحات بلاد المشرق والمغرب، بحثاً عن أعمال فنية مميزة أو نادرة، لفنانين عرب ومستشرقين، تحكي باللون أو الشكل عن المعاناة الانسانية العربية وتجلياتها، وترتبط بالحدث والمناسبة، تمهيداً لإنشاء متحف للقضايا العربية، ذي قيمة عالمية.

naim_farhat

خلال الغزو العراقي إلى الكويت، عام 1991، وإبان فترة الحكم العرفي، دخلت مجموعة إلى منزل اسماعيل فرحات في الكويت، فقتلته مع إبنه الصغير (20 عاماً) واغتصبت ابنته، شقيقة نعيم "تخليداً لذكراهم، رحت أجمع اللوحات التي تحمل الطابع الانساني، ولضحايا مثل أهلي، لأجعلها متحفاً ينحاز إلى المسائل والقضايا الانسانية في العالم العربي"؛ يقول نعيم المتخصص في الفلسفة والدراسات الدينية.

ولأن التخصص لم يتح لنعيم في الكسب المعقول، ذهب باتجاه امتهان حرفة بيع وشراء اللوحات وترميمها "أصلاً كنت أرغب في أن أكون فناناً، هذا ما عبرت عنه أمام أستاذي في الجامعة، فرد بأن الجامعة لا تصنع فناناً، يجب أن تكون الموهبة متوافرة والفنان يبدأ من تلقاء نفسه، لا ينتظر دراسة وتخصصاً. فكان أن اتجهت نحو جمع الفنّ وترميمه، وصرت أعرف مهنتي، فأنا لا أدعي الكمال".

يستخدم فرحات، في جمع اللوحات واقتنائها، خبرته في "الفن المميز" المكتسبة من عمل وإقامة منذ العام 1978 في أمريكا، التي غادر إليها في تخصص آخر، و"كذلك من معرفة عملية في تحديد وقراءة اللوحات الأميركية والأوروبية من أواخر القرن التاسع عشر، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين".

أما الهواية التي تأسر نعيم و"تسلب" وقته وأمواله، هو انصرافه إلى جمع اللوحات وشرائها، "شرط أن تكون ذات طابع عربي، على أن تتميز بقيمتها الفنية دولياً". يقول نعيم ويشير إلى أنه اشترى مؤخراً مجموعة الملتقى الفني التشكيلي في معتقل الخيام، الذي جرى عام 2002، وتتألف من 104 لوحات. وتأتي هذه الخطوة بعد امتلاكه القسم الأكبر من مجموعة "صنع في فلسطين" Made In Palestine لنحو 23 فناناً فلسطينياً، بعدما اختيرت من قبل متحف في تكساس The Station Museum ويعتبر أن هذه الأعمال لها "طابع إنساني يتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني؛ وقد شكل هذا المعرض بحد ذاته نصراً للقضية الإنسانية الفلسطينية؛ للمرة الأولى يدخل هكذا معرض إلى أميركا، وهو يتمتع بالقيمة الفنية العالمية، ثم يجول في الولايات المتحدة الأميركية من دون أن تكون مشاركة للجانب الاسرائيلي، وينال شهرة واسعة، ساهم فيها الاعتراض الصهيوني على هذا المعرض".

إن أهمية الأعمال التي يجمعها، ترتبط بأهمية الحدث، "إن كان معتقل الخيام الذي حوله الشعب اللبناني إلى تجربة إنسانية فنية بعدما كان مسرحاً للتعذيب والقتل وسلب الحرية، وجيء بالفنانين العرب ليرسموا من وحي المشاهدات؛ والفكرة مكملة بين أعمال المعتقل، وصنع في فلسطين". أما في ما يتعلق بأعمال المستشرقين "فقد اتضح لي أن المستشرقين من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية الذين جالوا في المشرق العربي، في القرن التاسع عشر، راحوا يرسمون من خيالهم ارتباط العرب بالصيد ثم الانجراف إلى المجون وبيع الجواري والنساء ومعاقرة الخمرة، هذه نقطة ضعف، وللأسف كانت اللوحات تشرى من قبل الخليجيين، وعليها إقبال كثيف؛ أنا رأيت من زاوية ثانية اهتمام بعض المستشرقين بالقضية العربية، وعبروا عن هذا الاهتمام بلوحاتهم التي جمعت منها نحو 90 عملاً".

المجموعة الرابعة التي يمتلكها نعيم فرحات هي مجموعة من الملصقات، من العمل الفني الشعبي، وجمع منها 150 عملاً.

المجموعة الخامسة، هي أعمال لفنانين فلسطينيين أعدت في قلب سجن عسقلان.

مجموعة عسقلان

"كانت أعمال الفنانين والهواة في سجن عسقلان، ترسم على أوجه المخدات (الوسادات) بألوان الشمع وتهرب إلى خارج السجن تحت أكمام الزوار من الأقارب والأصدقاء. لم تعرف الدول العربية على امتداد تاريخها، إقامة معرض للمساجين داخل السجن بما يسمى "فن تحت الأرض" ويخضع للجنة تحكيم داخل السجن. تبدأ الفكرة من عمل تجريبي على جزء من الوسادة، لا يتعدى15 سم طولاً وبعرض متشابه، تمرر تحت أغلفة الكتب إلى لجنة التحكيم، وإذا تمت الموافقة عليها، ترسم على قطعة قماش أكبر، يمكن أن تكون على وجه المخدة بأكمله. وبالطبع، لأن أعمال الأسرى ستكون موجهة ضد الاحتلال والسجانين، وتتحدث عن المقاومة والحرية، كانت تعرّض أصحابها للسجن الانفرادي عدة أيام، عقاباً على تمزيق قماش المخدة. وقد عرضت هذه ألأعمال في الكويت وقطر ويعود ريعها لدعم عائلات السجناء".

أما المجموعة السادسة، فهي تجميع لأعمال فنية طابعها شرقي، "والمهم فيها، هو إدخال الحرف العربي باللوحة أو المنحوتة، ومن هذه الأعمال للفنانين عدنان المصري (38 عملاً) ووجيه نحلة".

المجموعة السابعة هي مجموعة أعمال فنية جرى الاعتداء عليها، إما بالحروب الإسرائيلية على لبنان، ومنها أعمال ليوسف غزاوي ونور بلّوق وأيمن بعلبكي وغيرهم. ولديه كذلك مجموعة أعمال ثامنة، من نحو 23 عملاً عن سجن "أبو غريب" "ونعمل على مجموعة تاسعة لفنانين دوليين على نحو دييغو ريفيرا وهانز هافمن ورسل فلنت، لاستكمال التشكيلة؛ وقد تجاوزت المجموعات 800 لوحة، غالبيتها لفنانين من سوريا ولبنان وفلسطين والاردن". وبالمقارنة بين لوحة لدييغو ريفيرا ونور بلوق يرى نعيم فرحات أن أهميتهما في القيمة الفنية والقيمة الانسانية اللتين تعبران عنهما، وليس بثمن هذه أو تلك. وفي الوقت عينه لست من الساعين إلى تجميع تواقيع الفنانين".

الأعمال التي جمعها نعيم موزعة في مختلف دول العالم "إنها أعمال ليست للبيع على الاطلاق، ومن الممكن إعارتها إلى أي مؤسسة أو متحف أو جمعية، فقط على الجهة المستعيرة تحمل نفقات النقل والحماية؛ وأحجامها كبيرة. ومن المقرر أن ينتقل معرض صنع في فلسطين إلى فنزويلا بعدما عرض في سفارتها في الولايات المتحدة الأميركية، وسيفتتح برعاية الرئيس تشافيز. والعام المقبل سوف ينتقل إلى الاردن ثم بعدها إلى لبنان. وما أقوم به، هو بجهد شخصي وفردي، لا علاقة لأي مؤسسة أو جمعية به. حتى الآن، في كل العالم لم يصر إلى خطة مماثلة، فهذا النشاط الفردي له رسالة عالمية، لأن الطابع الانساني هو الطاغي، مع التركيز على فناني الشرق الأوسط، واحتواء أعمال لمستشرقين اشتغلوا على هذا الشرق".

ويأمل نعيم فرحات أن يلقى عمله على المتحف العربي الانساني الحامل للقضية أدصاء "اعتزاز وافتخار من المواطن العربي وليس حكوماته. فهناك متحف في دبي تبرز فيه عقدة الضعف أمام الانسان الغربي، فجاءت لوحات الأجانب هي الطاغية. وفقط من أجل استخدام اسم "لوف" على متحف دبي دفعت الحكومة مبلغ 600 مليون دولار، فماذا لو جيرت هذه المبالغ لجمع أعمال الفنانين العرب أنّى كانوا؟ إن أهمية المتاحف في الدول العربية، برأيي، هو أن يأتي المتذوق العربي لمشاهدة الأعمال ذات الطابع العربي، المتعلقة بمحيطه وناسه، لذلك أعمالنا التي نجمعها تعتبر مميزة لأنها تخاطب الانسان العربي وتتناوله، ويمكن لأي كان أن يفسرها بسهولة؛ والانسان البسيط يصير بإمكانه أن يقرأ وأن يتذوق أعمالاً صنعها فنانون عرب، بطريقة سهلة وغير معقدة. ويمكنها كذلك تشجيع الفنانين العرب واللبنانيين في أن يظلوا على اتصال مستمر بالمواطن العادي ومن دون أي تكلف، وفي ظل الخلل من انفصال ما بين الواقع والابداع الفني، يمكن لهذا الجمع الفني أن يقرب وجهات النظر".

في أميركا، يجمع صاحب المشروع اللوحات القديمة أو المتضررة، ويعمل على ترميمها أو تأهيلها، ويبيعها ليستفيد من ثمنها في شراء لوحة عربية. ومن خلال التجربة يكتشف أن الفن العربي لم يقرأ بعد على المستوى الدولي "برغم الابداعات والتقنية الفنية التي يمكن أن تضاعي أي عمل في العالم. من حظي أنني تمكنت من شراء أعمال بأسعار قليلة، وأظن أنه العصر الذهبي لاقتناء الفن العربي".

يخطط نعيم فرحات لإنشاء متحف للفن العربي والشرقي، ويطمح لأن يكون هذا المتحف في لبنان "لكن المجموعة لن تمنح لأي دولة أو حكومة، بل ستكون ملك الشعب اللبناني من خلال مؤسسة ما أو متحف ما. وهي اليوم متاحة للباحثين والدارسين مع كل المعلومات التي أملكها عنها. ولكي أحمي لوحاتي، قمت بتسجيلها وفق القوانين المتبعة والمرعية، وصار معروفاً في كثير من الدول أن هذه المجموعة أو تلك، هي ملك نعيم فرحات، حتى أن ذلك يظهر واضحاً على العديد من المواقع الالكترونية". ويجري نعيم سلسلة اتصالات، من أجل تأمين بيت تراثي في مدينة النبطية، تكون منطلقاً نحو المتحف "إذ أن الجنوب برمته، لا يوجد فيه معرض فني متكامل، وليكن المنطلق من النبطية، نحو لبنان".

أكثر المبالغ على أغلى اللوحات دفعها نعيم لفنانين فلسطينيين "وأنا اليوم أملك نحو 80 بالمئة من أعمال صنع في فلسطين، هناك أعمال لم أتمكن من الحصول عليها، إما بسبب بيعها قبل حصولي على المجموعة، أو لأن أصحابها يرفضون بيعها لأسباب خاصة أو عائلية".

ومن الأعمال المميزة التي يملكها فرحات مجموعة من خمسة فساتين، لنسخة أعدتها الفنانة الفلسطينية ماري توما، وتمثل حق المرأة الفلسطينية في العودة. عرضت هذه المجموعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعرضت هناك لحريق مفتعل، فأعدت نسخة بديلة وهي موجودة اليوم في متحف بعاصمة كاليفورنيا Crocker Museum .

ومجموعة "أنا حمار صنع في فلسطين" للفنان الفلسطيني أشرف فواخري وهي من 47 قطعة. وأدراج جوازات السفر التي كان يستخدمها الإسرائيليون في حجز جوازات سفر الفلسطينيين لتيسير بركات الذي مثل حكاية والده بالرسم في داخل الجوارير. وأعمال لكل من: زهدي العدوي (المخدات)، رنا بشارة (شوكولا على زجاج)، راجي كوك، مرفت عيسى، سامية حلبي (إكليريك كانفا وورق بطول 154 إنشاً وعرض 85 إنشاً)، جون هلكا، رلى حلواني (مجموعة لوحات نيكاتيف)، مصطفى الحلاج (8 جداريات بطول 37 إنشا وعرض 14 إنشاً لكل واحدة)، جواد إبراهيم، نويل جبور، سليمان منصور، عبد الحي مسلّم (صبرا وشاتيلا بعرض 24 إنشاً وارتفاع 33 إنشاً)، عبد الرحمن مزيّن، محمد ركوعي، محمد أبو سال، نيدا سنوكروت، إفيرا تمار، عدنان يحي (USA1998) وهاني زوروب. ويقتني كذلك مجموعة لمحمد سعدون (عراقي) عن الأبواب التي دمرها الاحتلال الأميركي، وعن الكتب المحرمة التي تمثل قمع الحريات.

أما أعمال الملتقى الفني التشكيلي فتعود للفنانين: جيوفاني فرانكو (إيطاليا)، إدوين فوتيه (هولندا)، ميري أبراهامسن (النروج)، أيمن غرايبه (الأردن)، هيلدا حياري (الاردن)، سهيل بقاعين (الاردن)، عبدالله نواوي (السعودية)، نبيل نجدي (السعودية)، طه الصبّان (السعودية)، عبد الجبار اليحيا (السعودية) طلال معلا (الامارات)، علي سليمان (لبنان)، علي السرميني (سوريا)، ممدوح قشلان (سوريا)، مجيد جمول (سوريا)، عبد المنان شما (سوريا)، عبد السلام عيد (مصر)، محمد عبلة (مصر)، عباس الكاظم (العراق)، هيمت محمد علي (العراق)، عمران القيسي (لبنان)، حكيم العاقل (اليمن)، يوسف احمد (قطر)، جعفر دشتي (الكويت)، ثريا البقصمي (الكويت)، حسين عبيد (مسقط)، إلهام الفرجاني (ليبيا)، عبد الرحيم سالم (الامارات)، بلقيس فخرو (البحرين)، محمد الحسن علي عثمان (السودان)، عبد الوهاب الدرديري (السودان)، محمد العامري (الأردن)، يوسف عون (لبنان)، جميل ملاعب (لبنان)، محمد عزيزة (لبنان) آنج خليل (لبنان)، سمير أبي راشد (لبنان)، ليلى الزين ضاهر (لبنان – الامارات)، فضل زيادة (لبنان)، فاطمة الحاج (لبنان)، عدنان المصري (لبنان)، عزت مزهر (لبنان)، وجيه نحلة (لبنان)، يوسف غزاوي (لبنان)، فيروز شمعون (لبنان) وغولين دربوغوسيان (لبنان). وقد فقدت بعض أعمال المحترف، إما بسبب العدوان على معتقل الخيام الذي دمر بالكامل، فدمرت معه المنحوتات، وإما بإهداء بعضها لفاعليات سياسيية واجتماعية وعربية. ولشرائها، قام فرحات ببيع أراض يملكها في بلدته عربصاليم، وكذلك سيارة جديدة.