Articles

Art in the press

الشيخ العلامة عبد الله العلايلي 1914 – 1996

مقتطف من كتاب الدكتور صالح زهر الدين، موسوعة رجالات من بلاد العرب

في احدى المقابلات مع الشيخ عبد الله العلايلي، سئل عن رأيه بالأديب الكبير رئيف خوري، فأجاب "أن رئيف خوري كان بحق نفحة عبقرية و كفاية نادرة، و لو ساعفه العمر أكثر مما قدر له لأتى العجب العجاب..."

و باعتقادنا نحن، أنه لو قدر لرئيف خوري عمر أطول مما وصله، و رأى مكانة عبد الله العلايلي ومنزلته في عالم الأدب و الفقه و السياسة و اللغة و التواضع و الوفاء، لخلته يقول فورا: اذا كان الشيخ العلايلي قد وصفني بأنني "نفحة عبقرية"، فلا يسعني الا أن أقول ان العلايلي هو العبقرية بعينها، بل هو كل العبقرية.

و بالفعل، فقد شغل العلايلي نفسه سنوات طويلة بالبحث و الدرس، و الأدب و الفقه، و الشعر و اللغة، كما بالتاريخ و السياسة و الوطنية و العروبة و الدين، فكان في جميعها مجلا... و طبيعي بعد كل ذلك، أن يصبح مالىء الدنيا وشاغل الاخرين من الناس. و هو يستحق ذلك ولا شك، لأنه أهل له. لقد كان، في الحقيقة، ميزان الأتزان العلمي و المعرفي و التواضعي...

واذا كان البعض قد قال فيه انه "طائر غرد خارج سربه"، الا أننا نحن، نستطيع أن نقول فيه، بعد دراستنا لسيرته و مؤلفاته ومآثره، أنه "غواص بارع في فن الغوص لالتقاط الدرر من القاع"، ولا يصح فيه القول انه "سباح عكس التيار" فقط. فبين الغوص و السباحة بون شاسع، هو ذاته الفرق بين سطح المحيط وقاعه... ومن غير المعقول أن تتخذ الدرر مكانها فوق السطح، لأن القاع هو المكان الطبيعي لها، ولا تتوطن وتستقر الا فيه...

وفي ضوء ذلك، ترتسم أمام ناظري صورة العلايلي، وكأنه يقول مخاطبا ً الانسان، أي انسان:

غص في لجى اليم واستخرج لآلئه    ان اللآلىء في الأعماق مرقدها
من لا يجيد فنون الغوص عن كثب    هو كالسفينة فوق الموج قائدها

كان العلايلي رجل قيم ومثل ومبادىء. تشبث بها كما يتشبث البؤبؤ بالعين، وكما يتشبث الدم بلونه الأحمر، والثلج ببياضه، وظل أمينا ً لها دون أي تناقض بين فكره وممارسته، بين ايمانه النظري والتطبيق العملي... وطبيعي أن لا يقدر  على ذلك الا الرجال الرجال... وما أقلهم في عصر ارتياد الفضاء، وكأن الأرض - على اتساعها - لم تعد صالحة لاثبات الرجولة وتكريسها.

تميز الشيخ العلايلي بانحيازه الدائم والمبكر لثقافة التغيير الجذري رافضا ً الجمود والسكون والتعبد في محراب الماضي والتراث، ذلك لأن الحياة لا تغنى الا بالتطور، ولا تتقدم الا بالحركة الفاعلة وليس بالقوالب الجامدة والجاحدة في الوقت نفسه... فكان واضح الرؤية والرؤيا، صادق الايمان في أدق مرحلة من عمر المسلمين... كما كان ثائرا ً على كل شوائب المجتمع اللبناني، حيث أشهر سلاح الموقف بصلابة في وجه الفساد والافساد، وكان لكلمته ومقالته تأثير الرصاص والمدفع في أيام الحرب والقتال، مع أن الرصاص والمدفع كانا أخرسين يومها...

ولد عبد الله العلايلي في بيروت سنة 1914، عام الحرب العالمية الأولى. وهو عبد الله بن عثمان بن عبد الله العلايلي. ينتمي الى أسرة بيروتية قديمة. ويرجح آل العلايلي أن أصل الأسرة يعود، قديما ً الى قرية الأناضول قريبة من الحدود السورية. أما الشيخ العلايلي نفسه فيفترض أن أصل الأسرة يعود الى دمياط في مصر، باعتبارها عائلة قديمة يرجح تاريخها الى حوالي ستمائة سنة. ويحملون وظيفة نقابة الأشراف منذ ذلك التاريخ. لذلك فان أسرة العلايلي هي من أقدم الأسر الطارئة على بيروت، حيث يعود تاريخها الى حوالي أربعة قرون. ولعائلة العلايلي فرعان: فرع في بيروت وفرع في صيدا.

وهكذا، ولد الشيخ العلايلي في عائلة من الطبقة المتوسطة تشتغل في التجارة. وقد لخص عبد الله العلايلي طفولته بجملة واحدة اذ يقول: "الكآبة كل طفولتي". ولا عجب، فقد شهد وأبصر الجوع والسغب أيام الحرب العالمية الأولى. "الكآبة كل طفولتي، فقد اتفق وكنت أيام الحرب العالمية الأولى، أبصر مقصلة الجوع والسغب المتجل، فلا بد أن تغشتني الكآبة في أعماقي لا كسديل أو ستار، بل كقماط يلتفني من أنحائي" (هذا ما جاء في مقابلته مع زينب حمود، التي نشرتها جريدة "الأنوار" البيروتية في 2/12/1979 تحت عنوان:"التاريخ والطفولة").

أمضى نشأته الأولى بين كتاتيب بيروت. وكانت المدرسة الوحيدة آنذاك مدرسة الحرش. درس في كتاب المعلم عيسى كتوعة ثم انتقل الى كتاب الشيخ نعمان الحنبلي في خندق الغميق وكان يطلق عليه أيضا ً اسم المدرسة السورية، وانتقل بعد ذلك الى كتاب الشيخ مصطفى زهرة في منطقة زقاق البلاط.

ثم نقله والده الى مدرسة الحرش التي أسستها جمعية المقاصد الاسلامية، وفي هذه المدرسة تلقى مبادىء القراءة والعلوم حتى عام 1924 حيث رافق الشيخ عبد الله أخيه الشيخ مختار الى الأزهر الشريف في مصر حيث تلقى العلم فيه حتى عام 1936. وكان تعاطيه تعاطي الأزهر بنظامه القديم والجديد. كان الأزهر يعتمد في أيام الشيخ عبد الله في جوه التعليمي على توسعات في النحو والفقه والحديث والقرآن. وكان الأزهر ثلاثة أقسام: أولا ً: القسم الابتدائي لمدة أربع سنوات. ثانيا ً: القسم الثانوي لمدة أربع سنوات. ثالثا ً: القسم العالي لمدة أربع سنوات. بعد القسم العالي يعطى المرء العالمية. وكان الخريجون كثرة الى درجة كانوا لا يجدون قوتهم. لهذا السبب أراد الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر أن يفتح أمامهم حقولا ً جديدة. فقسم الفرع العالي الى ثلاثة فروع أو ثلاث كليات: كلية اللغة العربية - كلية أصول الدين - وكلية الشريعة. وهكذا فتحت أمام الشيوخ مرافق العيش بعد التخرج.

تتلمذ الشيخ عبد الله العلايلي في الأزهر على نخبة من علمائه، أمثال: أبو الفضل الجيزاوي، الذي صار فيما بعد شيخا ً للأزهر، والشيخ السمروطي، والشيخ محمد بخيت، والشيخ الدجوي، والشيخ سيد علي المرصفي. ويقول العلايلي عنهم: "درست عليهم في الأزهر علوم اللغة والدين. وكان كل منهم علما ً بذاته. وكأن أكثر من يخلبني من يمكن أن يزاحم بركبتيه أمثال المبرد وأبي العباس ثعلب، وهو سيد علي المرصفي الذي درست عليه "الكامل" للمبرد...".

فضلا ً عن ذلك، فقد أقام العلايلي صداقة حميمة مع كبار المفكرين والأدباء المصريين من أمثال: الشيخ أمين الخولي، واسماعيل مظهر، ود. أمين بقطر والمؤرخ عبد الحميد العبادي، وطه حسين، وأحمد حسن الزيات، واللغوي والشاعر المرموق علي الجارم، ود. ابراهيم مصطفى، وحافظ ابراهيم، وعباس محمود العقاد وغيرهم...

تأثر عبد الله العلايلي بالجو النضالي في مصر، باعتباره شهد المخاض المصري الاستقلالي وحركة التيارات المصرية على اختلاف مشاربها وأيديولوجياتها. وعلى هذا الأساس تشكل وعيه الذي كان له أثره الكبير لاحقا ً على كتاباته ونمط تفكيره.

وفي الوقت نفسه كان قد بدأ الكفاح الفلسطيني ضد الصهيونية. وحضر الشيخ عبد الله انعقاد أول مؤتمر دعا اليه رئيس البرلمان المصري بهي الدين باشا بركات، وهو "المؤتمر البرلماني الاسلامي لقضية فلسطين".

وفي سنة 1937 انتسب العلايلي الى كلية الحقوق، وكان في الوقت نفسه يعمل في تأليف كتابه "مقدمة لدرس لغة العرب" الذي أصدره في القاهرة عام 1938. وفي العام 1940 اضطر للعودة الى بيروت بسبب اشتداد الحملة الايطالية - الألمانية على مصر. وبعد عودته تسلم مهمة التدريس في "الجامع العمري الكبير. استمر فيه مدة ثلاث سنوات يخطب في المصلين، ويدعوهم الى نبذ الطائفية، فكان الألوف يتجمعون لسماع خطبه ودروسه التي كانت تحمل جديدا ً في الفقه وفي الموقف السياسي...".

اضافة لذلك، كان العلايلي قد أطل على الناس بكتابين في شكل رسالتين طبعتهما الجالية السورية اللبنانية على نفقتها. الأول بعنوان: "سوريا الضحية" هاجم فيه معاهدة 1936 مع الفرنسيين، والرسالة الثانية بعنوان: "فلسطين الدامية".

والواقع أن الشيخ عبد الله العلايلي يصور (في احدى مقابلاته مع السيدين: فرحان صالح وعلي سرحان) نشاطاته الفكرية والسياسية وتطورها في فترة الأربعينات تصويرا ً حيا ً، فيقول:

"... لو أخذنا الأربعينات في شقيها الأول والثاني - شقها الأول ما قبل الاستقلال، وشقها الثاني ما بعد الاستقلال - ففي كل منهما كانت لي مواقف هائلة جدا ً. من سنة أربعين وحتى سنة أربع وأربعين ، هذه المرحلة يمكن تسميتها بأنها انتفاضة لدي ضد الانتداب. ولعلها كانت أعتى الانتفاضات، ليس بالنسبة لي فقط، بل بالنسبة لكل من وقف مرشدا ً أو مناديا ً على نحو ما للتحرر.

ولذلك لم يكن هناك من صوت يعادل صوتي أنا في ذلك التاريخ. فسلسلة "اني أتهم" التي طلعت يومها، كانت تحصد كل شيء.. وكان صداها كبيرا ً جدا ً الى درجة أن الناس كانت تتهافت عليها أكثر من تهافت الجائع على الرغيف. في ذلك التاريخ كان الهمس الخائف الجبان يعتبر أيما شجاعة. كان أجرا ً صوت انطلق، هو صوتي أنا في سلسلة "اني أتهم"... انها ردة فعل واعية على تفكك المجتمع اللبناني يومها فضلا ً عن شبح المجاعة. وبعدها تتالت مؤلفات الشيخ العلايلي، كما تتالت مواقفه المميزة لبنانيا ً وعربيا ً وانسانيا ً. لكن وضع لبنان - داخليا ً وخارجيا ً - وكذلك وضع العرب، في تلك الفترة، شكلا ً هما ً كبيرا ً للشيخ، وأخذا قسما ً هاما ً من وقته وجهده، باعتبارهما يستحقان ذلك.

فعن الدعوات الانعزالية وفكر الانفصال للبنان عن محيطه العربي قال العلايلي (في كتابه "دستور العرب القومي" ص5) ما يلي:

"ان الشهوات الانفصالية التي تأسست على أصولها أحزاب خاصة لم تكن في الواقع سوى صدى دول الانتداب". ولأنه - كما قال - "في القضية الوطنية تعود الناس مني أن لا أصانع"، فانه يؤكد (في دستور العرب القومي" أيضا ً.ص 118) أنه "لو أردنا أن ندرس  على سنة المنطق الصحيح فكرة أنصار الانعزال في لبنان لوجدنا أنها فكرة الطامعين فيه بالمراكز العليا والألقاب، يريد هؤلاء... أن يحافظوا على الانفصال وان كانت أدق مصالح لبنان العامة توجب اندماجه".

وفي مقالة له بعنوان: لماذا أنا قومي عربي؟ (نشرت في مجلة "الأديب")، كتب العلايلي يقول: "فليخفف أصحاب النظرة الاقليمية من حدة منطقهم، فاني لأظن مع أبي العلاء أن أديم الأرض التي يسكنوها ليست الا من أجساد العرب في ثلاثماية وألف من السنين عدا ً، نحن لا ننكر أن السلالات الأخرى كان لها مثل هذا النصيب، ولكن في طبقة أكثر غورا ً في الأرض، فان أبوا الا التمسك بمنطقهم رجعنا بهم الى تحكيم القانون في الملك غير المشاع المؤلف من طبقات، وهو يقضي بأن يداعوا بملكية طبقة ذهبت في أحشاء الأرض، وأما هذه الطبقة السطحية الظاهرة، فليس لغير العرب ملكية فيها". ويضيف العلايلي قائلا ً:"ان الصفة القومية العربية، في كل بقعة، أقدم وأرسخ من كل صفة قومية حية في العالم". لذلك شغلت قضية سوريا ولواء الاسكندرونة، والنكبة الفلسطينية، ومشاريع تجزئة الوطن العربي، جزءا ً كبيرا ً من همه الوطني والقومي والانساني، ولعل ما كتبه عن "سورية الضحية" وعن "فلسطين الدامية" يدل دلالة واضحة على ذلك. وهذا ما يعطينا بالمقابل، التفسير الحقيقي لحملته القلمية والخطابية العنيفة على الأنظمة العربية التي اتهمها بالتواطؤ مع بريطانيا وأميركا في المواجهة بين العرب والصهاينة في فلسطين...كما حمل قادة العرب أنفسهم مسؤولية ضياع فلسطين، حيث قال:

"...وللفلسطينيين اذا ً حق ثابت في كل سلاح تملكه الأقطار العربية، ولهم حق واجب في دخل كل منها...فهؤلاء (الفلسطينيون) لم يهزموا يوما ً وانما انهزم قادة العرب يوم جعلوا من أنفسهم ضمانة... حتى الهجرة الكثيفة كانت بتحريض هؤلاء لعودة قريبة كما زعموا، ولم تكن أبدا ً نتيجة للهول الاسرائيلي وهربا ً من جحيمه، وهم الذين تحملوا بصدورهم هولين من قبل: الهول الانجليزي والهول الاسرائيلي جميعا ً، على أن اسرائيل لم تكن تملك يومذاك من القوة ما يبرر هذا التهجير... اذا ً في الأمر تواطؤ من جهة وعدم جدية القادة العرب أيا ً كانوا وكيف كانوا، من جهة أخرى، وليس بحكم الرابطة القومية بل بحكم الضمان...".

وبالفعل، وعى الشيخ العلايلي باكرا ً طبيعة المشاكل العربية عامة واللبنانية خاصة، وهذا ما جعله رياديا ً في هذا المضمار، وأشار الى مكونات هذه المشاكل وعواملها، فقال: "أما العرب اليوم فقد زاد التأجيج بينهم وهذا ما لا ينكر، نتيجة عوامل عديدة ومن أهمها:

1- التسميم الأجنبي بعد الانتداب.
2- حزبية المناسبات الفاشلة.
3- الثقافة المأجورة.
4- فقد التناسق الثقافي.
5- اختلاف المحرضات الطبقية وانصباغ الفكر والهدف الاجتماعيين بألوانها.
6- تطويعنا ماديا ً وأدبيا ً على قوانين ليست انعكاسات لأصدائها وأصداء بيئتنا.
7- فقد الظمأ الاجتماعي وهو رمز الانحلال.
8- التمدن المغرور في العادات والسنن ومناهج السلوك...".

هذا، وانطلاقا ً من قول الفيلسوف ديكارت "أنا أفكر اذن انا موجود"، ربط الشيخ العلايلي ربطا ً محكما ً بين اللغة القومية والفكر القومي قائلا ً: "أنا أفكر بفكر عربي، فاذن أنا موجود عربي". كما أن لغتنا التي نجتهد في مد أديمها اليوم (كما يقول العلايلي) تتصل بقوميتنا، أو هي نقطة ارتكازها. ويضيف في مكان آخر قائلا ً: "وأنا ما فتئت، منذ أدرت القلم وتعاطيته، أعمل في حقل اللغة، وحين أردت أن أنشر في الناس شيئا ً، فكان موضوع اللغة أول ما نشرت، ورغبت في أن أذيع على أسماع الناس حديثا ً فكان موضوع اللغة أول ما أعالج، لأن اللغة، أحد وجهي الفكر... فاذا لم تكن لنا لغة قومية تامة صحيحة فلن يكون لنا فكر قومي تام صحيح. ففرض انسان بدون لغة معناه فرض انسان بدون فكر...".

على هذا الأساس، تبدو اللغة عند العلايلي ككائن اجتماعي وفكري ثابت تعبر عن حقيقة ثابتة في المكان، وعن وحدة عددية تقيس شعور الأفراد قياسا ً متريا ً، لذلك أضحت اللغة ضرورة  اجتماعية ونفسية معا ً أهم بواعثها الفكر وعلاقاته ودلالاته واشاراته المجازية... انها بذلك مؤسسة ترتبط ارتباطا ً مباشرا ً بنشاط الانسان... ولعل كتابه "دستور العرب القومي" يعبر تعبيرا ً حقيقيا ً عن هذه المسألة بكل تفصيلاتها، باعتباره انخراطا ً كاملا ً لتحديد أسس ومفاهيم القومية العربية انطلاقا ً من دور اللغة والمقومات الأخرى، وأخذا ً بعين الاعتبار الأفكار والنظريات المبذولة في ثقافات الأمم المعاصرة. ثم يأتي كتاب "أين الخطأ" ليعالج العديد من المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المطروحة في مجتمعنا اللبناني خاصة، ومجتمعاتنا العربية عامة، انطلاقا ً من نظرة الأحكام الشرعية والدين الاسلامي اليها، ولكن بذهنية مرنة متفتحة على حاجات العصر والتطور...

والجدير بالذكر، ان هذا العالم المفكر، ذا التفكير الديني، منذ نعومة أظفاره، كان توجهه الأول في الكتابة السياسية والعمل السياسي في اتجاه الدعوة الى توحيد الأمة العربية والتركيز على ابراز المثل القومية والمقومات لمفهوم القومية العربية وعلى معالجة الهموم القومية؛ أكثر مما كان في اتجاه الدعوة لتوحيد الأمة الاسلامية أو التأكيد على الرابطة الدينية في شد أواصر أبناء المجتمع الذي عني بمعالجة همومه وقضاياه... مع العلم أن الشيخ العلايلي يعتبر أن "الاسلام يحترم الانسان لذاته ويؤمن بالانسان الشامل ككل... وأن الجميع (جميع الناس) شركاء في "في الناسية المحمدية"، وبذلك يستوون في قدر مشترك جامع" (وما أرسلناك الا للناس كافة). كما أن في مدخل كتابه "أين الخطأ" يذكر العلايلي أيضا ً أن "الاسلام في جوهره حل من الحلول الكبرى وفكروية (أيديولوجية) متكاملة ومنهج كلي يضع في خط الحل الواحد الممتد الحياة وما يختلف فيها والتحرك الانساني وما يستشرف اليه". لذلك، فالاسلام عنده له جانبان: جانب ديني غيبي، وجانب عملي أيديولوجي هو ما يمكن أن نسميه بالشريعة، أو بالمعاملات، وله علاقة بتنظيم المجتمع...

اضافة لذلك، يستغرب البعض اهتمام العلايلي بالفن... كما يتساءل البعض الآخر عن موقف الشيخ العلايلي من هذا الموضوع، وعلاقته به. وجوابا ً على ذلك نقول بأن الفن في مفهوم الشيخ العلايلي يعني الحياة، بل هو الحياة بكل ما فيها من دفق ومد وسكب. والفن الحقيقي (بنظر العلايلي) هو الذي يبعث فينا الظمأ الفكري ويحثنا على الولوج في خباياه لاكتشاف كنهه كلما أمعنا النظر اليه من جديد، فيقول: "وأنا من زاوية حسي أفكر بأن الأثر الفني تنحصر قيمته في مقدار ما يظمىء، لا في مقدار ما يروي، ويكون الظمأ فيه عنوان حياته، وأنه يتجدد تجددك كلما طالعته بالتأمل وطالعك بالعطاء. أما الأثر الفني المروي، فيجيء الري فيه عنوان توقفه أو انقطاعه عن الامداد". وغاية الفن هي تحريك المؤثرات وحثها على الاستجابة لكل شيء جميل، كما أنها توحد الفرد في المجموع ليستمد قوته من التلاحم بينه وبين الطبيعة أو من شدة الأواصر بين الكون والكائن، بين الفرد والكل، بين كل جزء من اللحظة والديمومة. والفنون الجميلة عند الشيخ تؤدي المؤدى نفسه وتؤول الى هدف واحد وان اختلفت أسبابه وأدواته يقول: "القلم مذ كان شرع للتاريخ أبوابه، وأملى الحضارة حرفا ً حرفا ً... والقلم كصنوه الازميل، كلاهما يمشي مشيته الخالقة، هذا على الطرس لينطق، وذاك على الحجر لتشع فيه نابضة الحياة ثم يؤولان الى أنهما من التاريخ وجه ولسان، مشاهد وحكاية".

ولأنه كذلك، فقد برع الشيخ عبد الله العلايلي بأدبه وفكره وفنه وشعره ونقده ونثره، وكان أديبا ً مرموقا ً صور الواقع تصويرا ً حيا ً (كلوحة فنية جميلة) وتفاعل معه تفاعلا ً حاذقا ً، وهذا ما أدركه هو بنفسه حين قال: "لم أتعود... الا أن أكون مرآة تعكس ما يتواقع عليها من أحداث" وهذه هي ميزة الأديب الحقيقي.. والثائر المصلح في الوقت نفسه الذي يرفض "السكون الموميائي" لأنه موت حقيقي شبيه بمومياءات المتحف التاريخي القديم...

هذا، وقد تميز الشيخ العلايلي بمواقفه السياسية وبمساهمته في العمل السياسي من خلال مشاركته بعض الأحزاب والحركات ومناصرته لقضايا الشعوب وحقوقها. وقد تجلت المساهمة السياسية للشيخ العلايلي بما يلي:

1- عصبة العمل القومي.
2- حزب النداء.
3- حزب النجادة.
4- عصبة تكريم الشهداء.
5- حركة التحرر الوطني.
6- حركة أنصار السلم.
7- الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة كمال جنبلاط، وجاء دستور الحزب المعروف "بالميثاق" ثمرة الجهد المشترك بين العلايلي وجنبلاط.

فضلا ً عن ذلك، فقد ساهم العلايلي بوضع المعجم العسكري بتكليف من اللواء فؤاد شهاب، وكذلك في تأسيس الجامعة اللبنانية في بيروت، وكان مؤيدا ً للانقلابات الشعبية ضد الحكام والأنظمة، لذلك بارك أولا ً الانقلابات العربية ثم انقلب عليها وهاجم قادتها الذين تميزوا بالصفة العسكرية وطبعوا الانقلاب بطابعهم.

واذا كان البعض يأخذ على العلامة الشيخ عبد الله العلايلي "اشتغاله بالسياسة" ويشعرون "بالأسى" لاعتقادهم بأنه أضاع في مجال الكتابة السياسية، وقتا ً ثمينا ً كان من الأجدى أن يصرفه في مجال الكشف عن التراث اللغوي والمعجمي والفكري والديني في سبيل توضيحه وجلاء غوامضه واستصفاء الجوهري من بين ركام المتوارث العقيم فيه واستخلاص المبادىء والأسس القابلة لمواجهة الحاجات المتجددة والمتغيرة في مجتمعاتنا... فالى هذا البعض نقول: وهل كان الشيخ العلايلي غير مجل سياسيا ً ووطنيا ً وقوميا ً، كما كان في مجاله اللغوي والفقهي والأدبي؟. وهل حط من قدر السياسة والوطنية والقومية عندما التزم قيمها ومبادئها؟. الم يكن رفيق كمال جنبلاط في دربه ورؤيته وتقييمه للسياسة بقوله ان "السياسة أخلاق ومبادىء، ومتى خرجت عن هذا الاطار فقدت معناها وقيمتها"؟. وهل حطت السياسة بالمقابل من قدر عبد الله العلايلي ومستواه بعد انخراطه فيها؟. ألم يكن الانسان هو البداية والنهاية في اهتمامات الشيخ؟. ومتى كان الانسان "العلائلي" غير سياسي وغير وطني وغير قومي في الوقت الذي يستمد فيه ذلك من روحيته الاسلامية، واسلاميته الانسانية المنفتحة؟. ان العلايلي السياسي لم يبخس السياسة حقها ولم يحط من قدرها بل ان السياسة شعرت بوجودها الحق وقيمتها الحقة عندما كان العلايلي أحد أبنائها الأصيلين والمخلصين لها، باعتباره لم يكن "تاجرا ً ولا مقاولا ً" في ميدانها، بل أحد فرسانها الذين تفخر بهم كما يفخرون بها.

أما على صعيد التاريخ، وكيف فهمه الشيخ العلايلي، فانه أشار الى ذلك في "مقدمة لدرس لغة العرب" (ص7) قائلا ً ان "التحرر من الانفعال بالتاريخ - كما يقولون - ميزة العبقري، وظاهرة النابغ". ولقد كان العلايلي فعلا ً عبقريا ً في ذلك، ونابغة أيضا ً... وظاهرة النابغ - كما يقول العلامة الدكتور أسعد علي - أن يشرب السم كسقراط، وان يتحمل المشقة كالمتنبي، وألا يؤمن بالأسوار كالعلايلي.

ولذلك نرى الشيخ العلايلي قد دون على الغلاف الأخير من كتابه "مقدمات لفهم التاريخ العربي" يقول:

"أفضى الى ختم الزمان ففضه    و حبا الى التاريخ في محرابه
وطوى القرون القهقرى حتى أتى    فرعون بين طعامه وشرابه"

كذلك آمن العلايلي بدور المرآة في الحياة والمجتمع، ولم يبخس النساء حقوقهن، لذلك كان كتابه "مثلهن الأعلى السيدة خديجة" الذي قال عنها فيه بأنها "راعية النبوة والنبي... تلك التي عن يدها جاء العطاء العبقري".

مجمل القول، ان أعمال العلايلي الفكرية هذه تعبر عن نظرية تعكس وحدة الرؤية، ووضوح الربط بين الأحكام والأدلة التفصيلية، في مسعى شمولي يمتلك أشكال التغير في الظواهر امتلاك المجتهد، ويكتنه مسار الفواعل الحضارية اكتناه المتبصر سببيتها، وصيرورتها.

فالنظرية بدءا ً، تتشكل من مجموعة ثوابت، أعملها الشيخ بيسر ورفق في معالجة القضايا على اختلاف أنواعها، من فقهية ولغوية وسياسية واجتماعية...

وتحاول استخلاص هذه الثوابت، محاولة أولية:

أ- تحتكم الظواهر الى التبدل والتغير، باتجاه التطور والارتقاء الى الأعلى فالأعلى.
ب- لاحقيقة مطلقة في العالم الاجتماعي؛ فالقطع والجزم مرفوض في مسائل المعرفة.
ج- الثقة بالعقل البشري، وبقدرته غير المتناهية.
د- القول بوحدة العالم هو أقرب الى وحدات عامة أو هو وحدة تفاعل، لا وحدة تماثل؛ وما ذلك الانتاج الا اتصال أسباب العمران، والثقافة والتربية، والاختلاط اللغوي والفكري، والتشابك المصلحي والقانوني.
ه- القول بموضوعة وحدة العالم تفاعليا ً، لا يعني الانجرار الى وهم يجعل منها وحدة تلغي الفروق الموضوعية بين مختلف بلدان العالم ومجتمعاته؛ فهو تفاعل يستوعب الأمور، القومي منها والعالمي كليهما، ويكسب رؤية الوحدة التفاعلية منطقا ً وظيفيا ً علميا ً، يعزز منطقها النظري، الواعي.
و- التعامل مع قضايا الفكر بصدق علمي، يتصف بالترفع عن مهادنة مطالب النفس ومشاعرها الخاصة؛ لأن الصراع يفقد روعته في عصبية الرأي ونزعات الشخصية.
ز- كل الاصلاحات مستحيلة دون معاودة النظر الى اللغة؛ أي: اطلاق الحرية للعلاقة الوثيقة بين الفكر والأداة التعبيرية.
ح- الربط بين التطور الحضاري والتطور اللغوي.
ط- ليس محافظة التقليد مع الخطأ، وليس خروجا ً التصحيح الذي يحقق المعرفة...

كما يقول أيضا ً: "لست أؤمن بالأسوار هذه قاعدة كل تحرك عندي، لأن الايمان بها ايمان بالتحديد والجمود، فسبيل أبناء الحياة أنهم يتحركون وعذرهم أنهم يحسون بتبعة الحياة". ذلك لأن الشيخ العلايلي كان من ألد أعداء الركود، لأن الركود يعني الموت. وكما يقول الدكتور أسعد علي في شهادته بالشيخ: الأسوار توابيت الاعتياد التقليدي. قبور المطامح والعواطف. جليد العقول والخواطر. والكفر بالأسوار صراع عنيف مع مقدسات التقليد.

على هذا الأساس، نصل الى نتيجة مفادها أن الشيخ عبد الله العلايلي لم يكن مجرد شارح، أو ناقد، أو معقب على ما يقرأ من نصوص وشواهد في اللغة وحسب، انما كان ذا بصيرة نادرة، ما عهدنا مثيلا ً لها الا في أئمة اللغة القلائل. وهو يجاوز في نظراته الشمولية العديد منهم؛ جامعا ً بقدرة عجيبة بين رصد الكليات النوعية من مسائل اللغة والفقه والاجتماع والحضارة والنفاذ بمهارة الى أدق التفاصيل والجزئيات، لكل مسألة على حدة، ثم تراه بمنهج من يوحد الأشياء، يقرن الأسباب بالمسببات ويقيم علائق المسك بين اللغة والحياة في اطار المجتمع المتفتح على انساق الحضارة، بتطور عهودها، وتنوع أشكالها.

كذلك فقد شمل في بحثه جملة المسائل اللغوية، ناظرا ً اليها نظرة المتفحص عللها، المحدد علائقها، الراصد حلولا ً لعثارها.

يضاف الى ذلك، انه أطلق محظورا ً، من قيد أو اسار فرضه النحاة دونما مسوغ مقنع، ألا وهو السماع؛ لكنه أباحه للواضع، على قانون العربية في أشيائها النادرة، كما أباح القياس للمستعمل، على قانون التصريف والاشتقاق... كما بث في أعماله النظرية والتطبيقية جملة تساؤلات واشكاليات، وعناوين دراسات أكاديمية، تمثل برنامج بحث معمق للباحثين على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم.. كما مثل بشخصه ومنهجه، نموذجا ً للعالم الثائر على الجمود، الراغب في التجديد، في شتى مناحي الفكر، لغة وفقها ً وقومية واجتماعا ً... وشكل بتجربته خميرة عطاء لبني أمته ، وقدرة امكان لا تنضب، فعسى أن نفيد من أثره وآثاره.

يبقى أن نتطرق الى بعض شهادات الأعلام والمفكرين والباحثين، لنرى الشيخ عبد الله العلايلي في مرآتهم، التي ستعكس بدورها حقيقة الصورة، وصورة الحقيقة، على الشكل التالي:

شهادة أحمد ابو سعد:

"... ان ميزتين تسترعيان انتباهي عنده (العلايلي)، ولعلهما أبرز مميزاته وهما ميزة الفقيه المجدد واللغوي الامام، فيهما كليهما هدم ما تعارف عليه الناس، وأحدث ما يشبه الزلزلة في زعزعته المفاهيم السائدة في اللغة والدين...".

شهادة أحمد حاطوم:

"الشيخ عبد الله العلايلي رمز لغوي متأصل، جذوره في جذوره، يرتدي اللغة وترتديه، هي لباس له وهو لباس لها، لفظ يتجسد بمضمون، مضمون يغور في لفظ، بيت من الشعر الصافي، وليس ثمة ما يفصل".

شهادة ألكسندر سميرنوف (مستعرب سوفياتي):

"يأتي اسم الشيخ العلامة عبد الله العلايلي في طليعة العلماء العرب المعاصرين الذين يستند الى أبحاثهم ومؤلفاتهم الباحثون السوفيات في حقل الاستعراب".

شهادة الشيخ أمين الخولي:

"العلايلي طليعي، حاول أن يقوم وحده بما تقوم به الجموع الحاشدة".

شهادة الأب أنستاس الكرملي:

"الشيخ العلايلي أحد الموهوبين في صناعة الكلام... وأصيل من أصلاء جيله، ضرب بسهم وافر في محاولة لاعادة تأسيس الموروث اللغوي العربي واستكماله. فمقدمته التي أخرجت للناس عام 1938 تفتح أبوابا ً في العربية كانت طلاسم الى هذا اليوم".

شهادة الشاعر بولس سلامة:

"ان فوق عبد الله العلايلي اللغوي العريق، الأديب الجليل، الفقيه العبقري المجدد، الموجه الأخلاقي البصير، التقي المتحرر، الخطيب الكبير، عبد الله العلايلي الانسان...".

شهادة رئيف خوري:

"...ان عمل الشيخ العلايلي ليس مجرد امتداد لجهود أولئك النخبة الأعلام، وانما هو ثورة وخلق جديد انتفع فيه الشيخ العلايلي بجهود من سبقوه، الا أنه زاد عليها تجارب عصره ولا سيما ما كان من اطلاع على مناهج الغربيين في معاجمهم. وفوق ذلك زاد قدرة وعبقرية في اكتناه أسرار اللغة وسبر أغوارها وتجليتها على أضواء جديدة وكشف احتمالات جديدة في تطويرها...".

شهادة د. رياض قاسم:

"العلايلي لغوي مميز، سطع نجمه في الأربعينات... انه عقل مبدع وفكر ثاقب، تميس اللغة بين يديه وتندى خضراء في الكلمة".

شهادة د. علي شلق:

"الشيخ عبد الله مفكر حر؛ كأولئك الذين مهدوا للثورة الفرنسية: مونتسكيو، فولتير، جان جاك روسو، فهؤلاء يرون أن الشمس تشرق على الجميع: والهواء يهب على كل الموجودات، وكذلك الماء لكل من طلبه، والتراب لكل من يزرعه... لم يكن الشيخ عبد الله هامشيا ً بالنسبة الى ما يجري في الوطن العربي، بل كان شاهدا ً نابها ً في عرض موقفه بكل جرأة وكبرياء، ووعي الزمن. كما أنه لم يكن مسطحا ً في فهمه احداث العصر، عربيا ً نافذا ً الى أبعاد المصير... الشيخ عبد الله بذلك يشبه رواد الثورة الفرنسية، وكان يستهدف عن روية، وعمق وأحالة ذاتية ترسمه يحمل على ظهره بيته الذي اسمه الحرية، ولا يستظل في رحلته الفكرية الا تحت غصون شجرة الوفاء للثقافة والأمة، والانسان... لم يعد عبد الله العلايلي فردا ً من لبنان، بل أصبح قيمة، وكوكب مجرة، يسكن انسانه العالم".

شهادة كريم مروة:

"...فالشيخ العلايلي لم يكن رجل دين من النوع الذي ساد طويلا ً في بلداننا بل هو كان، ولا يزال، رجل علم ومعرفة وفكر وجدل، ورجل سياسة من النوع المفتقد لدى الكثيرين من رجال السياسة، في الماضي، لا سيما في زمننا الراهن، زمن بؤس السياسة... وقد يكون العلايلي من القلائل بين المفكرين من وحد، في الممارسة، بين فكره وحياته العملية...".

شهادة مارون عبود:

"... حقا ً، ان وراء عمامة الشيخ عبد الله العلايلي لعلما ً جما ً وتفكيرا ً فذا ً يوغل صاحبه في الغابات البكر، ليكتشف الكنوز المرصودة في المجاهل. لقد حطم الشيخ عبد العلايلي ذرة الكلمة وأرانا القوى الكامنة في الحروف، وأي شيء في الكون أقوى من الكلمة التي قالت العوام فيها: من وطأ كلمة وطأ جبلا ً... انه عمل تعجز عنه الجبابرة والعمالقة، ولكن الأمثال تصدق دائما ً: الرجال لا تقاس بالذراع".