Articles

Art in the press

لمحة عن الموسيقى الشرقية لنجيب شلفون

بقلم الموسيقار الاستاذ/ نجيب شلفون - المعرض العدد الثالث والأربعون - تموز 1935

ورد فى " الميتولوجيا " اليونانية وهى المعروفة بخيالات اليونان أو علم الأديان والخرافات القديمة أنهم كانوا ينظمون أناشيد كثيرة باسم " سيبيل " ألهة الكرة الأرضية الملقبة بابنة السماء والتى كانت تعرف عندهم بأنها زوجة زحل إله الزمان وام المشترى إله الألهه. ونبتون إله البحروبلاطون ملك الجحيم وإله الموتى .

ولا شك أن الآلات الموسيقية قديمة العهد إلى حد لم تستطع أن تصل إليه التواريخ حتى اليوم وكانت أقدم الشعوب تجهل مصادرها الحقيقية فتلفق الروايات وتزعم فى أصولها مزاعم مختلفة ، أكثرها السحروالعبادات.

وقد كانت الآلات القديمة تصنع على أشكال وصور غريبة تبرهن على علاقاتها بالسحر والعبادت أما الموسيقى الشرقية فلم تزدهر فى الماضى البعيد ولم يكن لها رابطة وقواعد إلا فى عهد مجد الفرس وحضارتهم ولم تظهر ظهوراً فعليا إلا فى عهد ملكهم سابور بن أردشير الذى حكم من سنة 241 إلى 272 ميلادية فى الدولة " الساسانية " وبرهانى على ذلك استعمال أسماء أكثر النغمات والدوسات باللغة الفارسية إلى يومنا هذا.

ولما فتح العرب بلاد الفرس، والمشهور عن العرب انهم أهل مرح وطرب ، تغنوا بالموسيقى الفارسية وتعلموا قواعدها وأصولها وبحثوا عن انغامها ولكنهم لم يقفوا حيالها صامتين بل أضافوا طائفة من أنغام على الفارسية وهكذا فعل الاتراك من بعدهم.

إلا أن الاتراك كانوا حظهم أوفر فى نشر الموسيقى الفارسية وموسيقاهم التركية أيضاً فى مستعمراتهم بعد فتوحاتهم العديدة التى نص عنها التاريخ سيما تقارب اللغتين الفارسية والتركية والكل يعرف أن اللغة التركية تتألف من 60 فى المئة من اللغة الفارسية و30 فى المئة من اللغة العربية و10 فى المئة من لغات أخرى قريبة الجوار إليهم . وكل ما أخذوه من هذه اللغات حرفوه وسكبوه فى لهجة تركية.

وهذا ما ساعد على انتشار الموسيقتين الفارسية والتركية واصبحت الموسيقى العربية نسياً منسياً وفى جميع العصور. منذ الخليقة حتى يومنا كان الحكم للقوة فلما غرب نجم العرب اندثرت موسيقاهم وكادت تمحى من عالم الموسيقى لولا بقية الكتب الخطية الموجودة فى المقاصف ودور الكتب الحكومية للدول الشرقية.

كثير من العلماء فى جميع الأقطار بذلوا الجهود الكبيرة فى سبيل تدوين تاريخ اصول العمارة العربية وكل مايتعلق بعلومها وقواعدها ومراحلها وتطوراتها المختلفة فى مؤلفات فاخرة مستعينين على ذلك بجهود ومباحث علماء الآثار الكبيرة وبموارد الجمعيات العلمية الزاهرة.

فقد درسوا الصناعات فى الأمم العربية فى دقة وامعان وبحثوا فى قواعد فن الجمال فأخرجوا للنور فنون الزخارف التى ازدهرت فى تلك العصور وانتشرت من جبال الصين إلى مساجدالأندلس.

كذلك في ما يتعلق بالفنون العربية فقد نقلوا إلينا كل ما صنع منها تقريباً منذ العصور السابقة للإسلام ( عصر الجاهلية ) حتى العصر الحديث.

العلامات الموسيقية

الموسيقى بالمعنى الفنى الجميل هى أصوات مختلفة متنوعة يشترط فى تكوينها الائتلاف والتناسب والتوازن والحلاوة.

ولكى تكون الموسيقى مؤتلفة وجب أن تصاغ طبقاً للقواعد الرياضية الخاصة بإئتلاف الاصوات.

ولا يتم الجمال الفنى الموسيقى بإئالاف الاصوات فقط بل هناك شرط جوهرى لا مندوحة من العمل به وهو التوازن وتحديد الأزمنة وأحكام مسافاتها. وأقرب الأشياء شبهاً للتوازن الموسيقى هو التوازن الشعرى. فللشعر أوزان لفظية وزمنية أيضاً يدركها العقل فى مقاطع الكلام ويشعر بما بينها من التساوى فى القصر والمد. وللموسيقى أوزان زمنية تتوالى فى اللحن أو فى المعزوفة جملاً متساوية فى ازمنتها مختلفة فى أنغامها . وبا متزاج الأصوات المؤتلفة بالزمنة الموزونة الفنية المحكمة تتكون الموسيقى بمعناها الفنى.

اذن ، فالموسيقى مع مافيها من علوم وقواعد وأنواع تتكون من عاملين جوهريين هما الصوت والزمن. فالصوت وما فيه من طبقات مختلفة والزمن وما فيه من أحكام وفن ومد وقصر . تلك هى الموسيقى بما فيها من حلاوة وجمال.

والموسيقى هى فن الأصوات . وفن الاصوات هو لغة العواطف . وهذه اللغة تكتب وتقرأ كما تكتب وتقرأ سائر لغات الكلام.

وكى نقرأ الموسيقى ونفهم معانيها وجب علينا ان نعرف العلامات الموسيقية والاصطلاحات الفنية والقواعد العلمية التى وضعت لها.

وهذه العلامات هى للموسيقى تماماً كالحروف الأبجدية للغات والكلام.

وليس علم كتابة الموسيقى من العلوم الحديثة بل هو علم قديم عرفته أقدم الأمم وعملت به اعرق الشعوب مجداً ورقياً.فالهند من قديم الأجيال كان لها علامات تكتب بها موسيقاها. والعرب كانوا يستعملون بعض حروف الهجاء فى تدوين موسيقاهم.

وشعوب أرمينيا لا يزالون حتى اليوم يستعملون علامات موسيقية خاصة بهم غير العلامات الإفرنجية المعروفة.
على أن أكثر تلك العلامات قد اندثرت آثارها عند أكثر الشعوب لا سيما ما كان منها معروفاً عند العرب والظاهر أنه لم يكن كثير الانتشار بينهم بل كان معروفاً من بعض الموسيقين الكبار والدليل على ذلك أن الكتب الخطية النادرة التى وضعت لهذا العلم قد اختفت واندثرت ولم يبقى منها أثر يعلنها للوجود ولو ان ايدى الأجيال حفظت لنا منها كتاباً واحداً لاستطعنا أن نفسر ما ورد فى كثير من الكتب القديمة عن معجزات الموسيقى ونبوغ الفن.

الأغانى

الموشحات:

خير أنواع الموشحات الموشحة الأندلسية ولها ضروب مختلفة القافية. فالموشحة ما كانت ملحنة وبها ألفاظ تركية جعلها الملحن حشواً مثل "جانم ، امان ، وبيرم وبليارم وكوزوم". ولا يتوقف تلحين الموشحة على نظم خاص بل حسب الملحن أن يقنع بيتين أو ثلاثة حتى لا يتسرب الملل.

المواليا:

هى نوع من الشعر العامى فمنه المربع أى المؤلف من اربع شطرات . والمخمس والمسبع إلخ. ومنه الأخضر وهو ما فهمت معانى ألفاظة. ومنه الأحمر وهو ما يستلزم فيه الناظم نوع الجناس.

الأدوار:

الدور هو ماركب من مقطوعتين الأولى مذهب والثانية دور وقد سمى باسم المقطوعة الثانية لأن عناية الملحن لا تدرك إلا فيها.

فالمذهب يمر عليه المغنى بمرافقة أصوات مساعديه ولهذا يسمون " بالمذهبجيه" والدور يكون مركزه عادة بعد الموال يؤذن السامع بأن الفاصل أو " الوصلة" انتهت .

ونظام التلحين لم يتغير من سبعين سنة على الأقل فقد لا تعيش بعض الأدوار . والسر فى ذلك قد يجهلة ناظموا الأدوار . فالناظم هو بانى القصروالملحن هو النقاش والمزخرف الذى يزيد فى رواء وبهجة ذلك القصر وقد يقال ان الدور مات من الملحن وهو برئ والذنب ذنب الناظم اذ النظم له الشأن الأول فى المعانى اللفظية والموسيقة لها الشأن الثانى فى المعانى الموسيقية.

الاصطلاحات التى أرغب ان يفكر فيها ، بل وأقدمها راجياً من ناظمى الأدوار أن يتنازلوا بقبولها والعمل بها هى:

يتحتم على ناظم الدور بأن يأتى" 1 " بفرش وغطاء " 2 "واستدراج " 3" وحبكة "4"وسلسلة " 5 " وقفلة " 6 " عليه إيجاد الألفاظ التى فى نطقها موسيقى حيث لا موسيقى " 7" استعمال الكلمات الموفور فيها حروف العلة " الألف والواو والياء " والابتعاد قدر المستطاع عن الحروف الحلقية كالخاء والحاء والعين وما شاكل ذلك. فحروف العلة تلجأ اللسان إلى أن يدور فى الفم فيخرج ألفاظاً شبيهة بالألفاظ الموسيقية.

الطقطوقة:

هى أغنية ذات مذهب. وأربعة أو خمسة أدوار أو أغصان كما يسميها بعضهم .

ولم أستطع ان أعلم تماماً من اخترع أول طقطوقةولا فى اى عصر ظهرت الطقاطيق وقد استغربت من الكثيرين الذين كتبوا فى بعض الجرائد السيارة فى مصر ينسبون إلى المرحوم عبده أفندى الحمولى اختراع الطقاطيق مع أنه لو فرضنا وجارينا ذلك واراد محبذوالطقاطيق أن ينسبوها لإمام الموسيقين كى يدعموا بذلك عملهم مستشهدين ببعض الأغانى الصغيرة التى غناها عبده الحمولى ومحمد عثمان وخلافهما أمثال " من حبك أولى بقربك " أو " كنت فين يا حلو غايب عن عيونى لك زمان " ، فهذه مقطوعات غنائية أدبية فنية وليست كالطقطوقه التى فى عصرنا وهى عبارة حشو من الألفاظ البذيئة الخالية من الفن لا غرض منها إلا أن تملأ النفس حواساً أثيمة وتملأ المخيلة بمشاهد مخجلة .

ولقد كان الأجدر بنا نبذ هذا النوع والإقبال على الأنواع التى جعلت الموسيقى فناً من أرقى الفنون وعلماً من أكبر العلوم ولغة من أبلغ اللغات .