Articles

Art in the press

معرض الفنان عمر الانسي - المعرض العدد الخامس والثلاثون شباط- نيسان 1932 ص 11.

 

ليس من الهينات معالجة موضوع حر كالتصوير لا قاعدة له ولا رابط. فلكل ذوقه ولكل عقليته، وليس من المستغرب ان يرضى الانسان بذوقه وعقليته.

الاستاذ عمر الانسي مصور يدوي بارع، ضرب بقسط وافر من فن رفايل، اقام في الاسبوع الماضي معرضاً خصوصياً في مدرسة الصنائع والفنون اللبنانية عرض فيه طائفة كبيرة من صوره يبلغ عددها نحو الثمانين تحفة وقد صبغ الاستاذ انسي صوره الجديدة هذه بصبغة محلية وطنية، فجاءت مجموعة قيمة لمشاهد قرى الاصطياف في الشوف كسوق الغرب، وكيفون، وبيصور، وغيرها من القرى.

ومن غريب ما حدث للاستاذ انسي وهو في بيصور يبحث عن مناظر طبيعتها الرائعة لينقلها الى القماش ان اهل القرية كانوا ينظرون اليه نظرات ريبة وخوف وينفرون منه كلما شاهدوه متنقلا بين الاحراش والاودية وفوق الاكمات اعتقاداً منهم انه من رجال الشرطة السريين وقد جاء يتحقق في مقتل ذبيحة تلك القرية.

اتفق له يوماً ان اقبل نحو عين القرية ينظر الى الفتيات يملأن جرارهن ماء منها، فما ان رأينه قادماً عليهن حتى نفرن منه وهربن عنه لا يلوين على شيء.

قلنا ان الانسي صبغ صوره الجديدة بصبغة محلية وطنية. فهذه صورة امرأة عارية واقفة على احدى شواطىء اوروبا ومن ورائها البحر وبيدها عناقيد البرتقال، رمز بها الانسي الى الدولة الفينيقية التي حملت قديماً مدنيتها الى الغرب واستعمرته وعلمته، فاستفاد منها وكانت له اليوم هذه الحضارة الجبارة التي نعرف.

phoenicia

وهذا امرؤ القيس وقد نزل عن ناقته الى شاطىء غدير تستحم في مياهه ثلاث حسان بينهن عنيزة صاحبته فسرق اثوابهن واخفاها، ووقف ينتظر خروجهن الى الشاطىء ليتمتع بمنظر عريهن، وهن مترددات يتشاورن فيما بينهن بما يفعلن.

el-kays

وهذه بضع فتيات محجبات متهافتات على النظر الى صورة فنية تمثل نساء عاريات.
وهذه جبال لبنانية تغمرها الغيوم في الوان زاهية زاهرة تلاعبت بها ريشة الانسي ما شاء لها الفن.
وهذا برج الحمام في رأس بيروت ، وهذه بعض منازل العاصمة اللبنانية، وهذا غياب الشمس، وهذه الفاكهة والازهار والشلالات، الى آخر ما هنالك من لوحات زيتية وغير زيتية تدل على غزارة المادة في دماغ الانسي ولباقة ريشته الفنانة الساحرة.

وقد زار هذا المعرض عدد كبير من الرجال الرسميين من وطنيين وفرنسويين وغواة فن، واشترى نفر غير قليل بعض الصور، وفي مقدم هذا النفر مدام بونسو التي اعجبت بفن الاستاذ الانسي ايما اعجاب واثنت على نشاطه الثناء الطيب.

واذا كان لنا من ملاحظة نبديها في هذه المناسبة فهي ان اقامة امثال هذه المعارض الفنية في امكنة بعيدة عن قلب المدينة ليست مما يشجع الناس كثيراً على زيارتها، فتبقى مجهولة الا من الغواة وتظل فائدتها محصورة بينهم لا تتعداهم الى غيرهم ممن هم في اشد الحاجة الى فهم فن التصوير وتذوقه، فليس كالتصوير مثقفاً للنفس، ومهذباً الاخلاق، وملطفاً للشعور والاحساس.

"جوابة"