Articles

Art in the press

يحضر الملصق وتغيب القضية - ملصق زيتي للفنان المصري حلمي التوني - وآخر مشغول بمواد مختلفة للفنان الأردني غازي نعيم

بقلم احمد بزون

تنظم وزارة الثقافة البحرينية تحت إشراف الشيخة "مي بنت محمد آل خليفة" وزيرة الثقافة معرضا فنيا، للفنانة التشكيلية بقليس فخرو و ذلك من 7 إلى 26 نوفمبر لخصت فيها تجربة أعمالها من 2005 إلى 2009 و عبرت فيها عن نضج شامل و بساطة فنية امتزجت فيها الظلال و الألوان.

و تعد الفنانة بلقيس فخرو من رواد الفن التشكيلي العربي و الخليجي خاصة، فهي رائدة في أسلوبها و توجهها تعتمد على الألوان الزيتية و المضمون المتعلق بالأرض و المتغلغل في عمق التراث و الإنسانية و الواقع و قد استطاعت أن تجوب العالم بأعمالها مقدمة تجربة مختلفة و متجددة في الفن الإنساني وهي لا ترى صراعا بين أسلوب رسمها أو التلوين على الألواح و الطريقة التجريدية لأنها في تكامل لا متناه.

palestinian-art

لا يكفي أن نرى الملصقات لنفهم أين صارت القضية، فالذي رأى افتتاح المعرض ينتبه إلى أن الملصقات في مكان والقضية في مكان آخر. كأن الملصقات المعلقة على الجدران باتت ذكرى، أو، على الأقل، باتت خرساء، تلك التي رُسمت وصممت ذات يوم لتحرك الدم الفلسطيني والعربي، وتهزّ العين والقلب والعقل معاً، بل تلفت العالم إلى ما يجري في تلك البقعة من العالم التي هي فلسطين.

كانت القاعة فارغة، بالقياس إلى الزمن التي رسمت فيه الملصقات، زمن كان يحلم الفلسطينيون والعرب بثورة تقلب موازين المنطقة وتعيد الحق إلى أهله. كان في افتتاح المعرض الذي حمل عنوان "ملصق وقضية" ما لا يزيد على خمسين شخصاً، بينهم مسؤول فلسطيني واحد، وعدد قليل من الفلسطينيين، أما الصحافيون فشكلوا نصف الحضور. كان للفراغ صدى غريب، يجعلنا نعضّ أصابعنا ونتساءل: لمن هذا المعرض؟ ومن أجل ماذا بَذَل نعيم فرحات كل هذا الجهد، الذي من خلاله استطاع تأمين هذا الكم من النسخ الأصلية للملصقات، التي ملأت القاعة الشرقية في قصر الأونيسكو في بيروت، وتبقى معلقة لغاية 27 الجاري.

إنها، قبل أي شيء مناسبة "القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009"، وقد تعهدت وزارة الثقافة في بيروت مواكبة الحدث بمجموعة من الأنشطة، تساهم في تنظيمها وإطلاقها، لكن لا وزير الثقافة كان، فجلسات البيان الوزاري لم تستغن عنه، ولا المدير العام، الذي كان على سفر، ما جعل رئيسة دائرة المعارض في الوزارة ديما رعد، التي أعدت ونظمت المعرض، تتولى الافتتاح، بحضور نائب واحد هو مروان فارس.

مفارقة

المفارقة ليست في الغياب الفلسطيني الرسمي، أو "الثوري" أو المدني، ولا بالغياب الرسمي اللبناني أو المدني، إنما بأن هذا الفراغ ملأه ممثل للنائبة ستريدا جعجع. إذاً، كان حضور ممثل عن القوات اللبنانية، خصم الأمس أو عدوه، فاقعاً في هذا المعرض. لا أدري إن كان لهذا الحضور معنى غير فعل الصدمة، أو لنكن متفائلين: التكفير عن ذنوب، بل جرائم، ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، أو لنقل التراجع عن نظرة القوات العنصرية للشعب الفلسطيني؟ إضافة إلى ذلك فقد دعم هذا الحضور اللافت وزير الثقافة سليم وردة، الذي يمثل القوات اللبنانية في الحكومة، بكلمة قدّم بها كاتالوغ المعرض، مذكراً فيها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

لا نستطيع العبور فوق تلك الوقائع الساطعة، في معرض كان علينا أن نتطلع إلى واقعه الفني ومستواه الإبداعي في الدرجة الأولى، وإن كان الحضور الفني للأعمال الموقعة أهم بكثير من حضور المشاهدين، فالملصقات المعلقة فاقت عدد الحاضرين، وتفيض على حاجتهم إليها، فهي قبل اليوم مرت على أجيال من المشاهدين، وما زالت صالحة للتفاعل مع أجيال أخرى. لا نستطيع التحدث عن أن فعلها ما زال مدوياً، فالظروف اختلفت اليوم عنها في الأمس، والاتجاه الإسلامي الذي يعمّ المخيمات الفلسطينية وأرض الشتات لا تعنيه ملصقات المرحلة الغابرة. هكذا فالملصق قد يعوم في مرحلة ويتوارى في أخرى، أو يتحول إلى خطاب صارخ مرة ويخرس مرة أخرى، ووجود البندقية في رسم الملصق لا تكفي ليكون صاخباً، ولا الحجر الكبير الذي تحمله قبضات قوية، ولا الكوفية التي تحتل مساحة الملصق، ولا صهيل الأحصنة أو صياح الديكة... فالعلاقة لا بد من أن تكون تفاعلية بين الملصق والمتلقي. وعليه، فالمواطن المتبلد لا يهزه ملصق يطلق الرصاص ولا حتى مجزرة.

في تلك القاعة التي تبخر جمهورها بعد نصف ساعة، كانت الملصقات المعلقة آتية من ذاكرة الثورة، من قرقعة السلاح وإيقاع ثورة الحجارة، ونابتة أولاً وأخيراً من الجرح الفلسطيني الذي لا يزال مفتوحاً ونازفاً. أما الرموز المستخدمة في الملصقات فلا تزال صالحة للحاضر والمستقبل: من الحمامة إلى البندقية، ومن الكوفية وثوب المرأة الفلسطينية إلى العمارة المقدسية، ومن قضبان السجن إلى العلم المحلق في الفضاء. رموز لا يكفي وجودها ليكون الملصق ناجحاً ومؤثراً. هي رموز تساعد في بناء الخطاب المباشر للملصق، الخطاب الذي لا يعصى على فهم الجمهور العريض، لكنها لا تكفي كي يستمر الحضور الفني للملصق. فالإبداع في الملصق هو في جعل خطاب الملصق يستمر، ويعبر الأجيال، فالملصق بهذا المعنى، لا ينتهي تأثيره بانتهاء حادثة أو حتى ثورة، إنما قد يتخطى واقعه وزمنه وبلده ليمتلك صفة إنسانية تتنقل طويلاً بين الشعوب.

يتوزع معظم ملصقات المعرض فنانان أساسيان هما غازي نعيم وزهدي عدوي، بينما يتوزع عددا قليلا منها فنانون قلة يساهم بعضهم بملصق واحد. وقد حضرت ملصقات لكل من حلمي التوني وعلي فرزات وسليمان منصور وأديب خليل وعوض عمايري ومحمود أبو صبح ومحمود الكردي وموفق عرايشي. ولكل فنان تشكيلي أسلوبه أو اتجاهه الفني أو مستواه الذي يسحبه إلى الملصق. لذا نجد أنفسنا أمام مستويات تتفاوت بتفاوت الفنانين، بل أحياناً يتفاوت مستوى ملصق وآخر للفنان نفسه، فواحد يغرق في التبسيط الساذج، وآخر تلمع الفكرة في ملصقه من بعيد. هنا نرى الرمز مثلجاً بلا أي حرارة، وهناك نرى التعبيرية أو التأثيرية في أقصى درجاتها. بعض الأعمال يبتعد عن روح الملصق كما ملصق عوض عميري حيث يعتمد أسلوب التورية.

لا شك في أن فلسطين هي الأكثر جاذبية لفن الملصق، وهي المسرح الأهم في المنطقة، لذا يهتم فنانون عرب شاركوا في هذا المعرض، وفنانون أجانب أيضاً لم تتوفر أعمالهم في المعرض، مع فنانين فلسطينيين بإطلاق الملصق الفلسطيني، الذي بات عمره أكثر من نصف قرن.

كان مهماً بالطبع أن يقام مثل هذا المعرض، لا لنتذكر فن الملصق الفلسطيني، أو لنعود معه بشيء من النوستالجيا الحزينة إلى فضاء الثورة الذي كان رحباً ذات يوم، بل لنختبر أين أصبح جمهور الثقافة الفلسطينية، أو جمهور الثورة التي مرت بدنيا العرب ذات يوم.