Articles

Art in the press

من كتاب: كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت لفيصل سلطان - الفارابي

غياب رضوان الشهال الفنان باللغة والخط واللون 

جمالية الفنون التقليدية وموضوعي الانسان والطبيعة
1988/10/20 السفير

خسرت الأوساط الثقافية والفنية اللبنانية والعربية الكاتب والشاعر والفنان رضوان الشهال (1915- 1988)، الذي رحل منذ أيام في طرابلس من عمر يناهز ال 73 عاما ً مخلفا ً وراءه مجموعة من المؤلفات والمقالات (كان آخرها كتاب بعنوان "عن الشعر ومسائل الفن "أصدرته وزارة الثقافة السورية في العام 1986) اضافة الى مجموعة متنوعة من الرسوم واللوحات (محفورات – بتقنية – الغراتاج، ومناظر ووجوه بالألوان المائية والحبر الصيني) موزعة ومشتتة ضمن عدة مجموعات خاصة (في بيروت وطرابلس ودمشق والقاهرة) كما قام بتزيين عدة كتب أدبية لمارون عبود وميخائيل نعيمة وسعيد عقل وبعض الكتب التربوية أبرزها كتاب "المصور في تاريخ لبنان" الصادر في الستينيات في بيروت وحاز على جائزة سعيد عقل عن مجموعته الشعرية جرار الصيف.

رضوان الشهال، الذي اكتشف موهبته الفنية من خلال تشجيع العائلة (كان والده مولعا ً بالحفر على الخشب) ومن خلال بعض الحصص الفنية القليلة التي أخذها خلال دراسته (في مرحلة ما بين الحربين) في المدرسة البطريركية في بيروت على يد أستاذ فرنسي، ساهم الى حد بعيد باطلاق موهبته من خلال تشجيع تلاميذه على مطالعة المجلات الفرنسية التي كانت تنشر الأعمال الفنية بالأخص مجلة الالستيراسيون، وهذا ما جعل الشهال – كما يقول في حوار نشرته "السفير" في العام 1981 – يواظب على مطالعة المجلات الأجنبية وبالأخص "الباري ماتش" ويبني من خلال ذلك مواقفه وتجاربه وثقافته الفنية التي اتسعت آفاقها اثر سفره الى القاهرة في العام 1936 للعمل ولفترة قصيرة كرسام في قسم الاعلانات في "دار الهلال" نفذ خلالها العديد من الرسوم لوجوه الشخصيات السياسية والأدبية المعروفة في تلك المرحلة.

ونتيجة لهذا الانفتاح على الثقافة الفرنسية رسم رضوان الشهال مجموعة من الوجوه بأسلوب تكعيبي. الا أن هاجس الغوص في مغامرة الحداثة سرعان ما أفلت من يديه اثر عودته الى بيروت (بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية). فقد اكتشف أن الاتجاه الانطباعي (الذي كان يحتل واجهة الصدارة في الفنون اللبنانية في مرحلة مطلع الاستقلال) هو الأكثر توافقا ً مع مزاجه ومواقفه الجمالية، لذلك نراه ما بعد تلك المرحلة ينصب نفسه كمدافع رئيسي عن الاتجاه الانطباعي حين بدأت موجة الحداثة بالظهور في الخمسينيات وبالهيمنة على الحياة الثقافية اللبنانية في الستينيات ومطلع السبعينيات.

وفي عودة الى بعض المقالات التي نشرها في مجلة "الطريق" في الستينيات فاننا نلمس في مواقفه الجمالية ما يشبه الدفاع الكامل عن الواقعية الاشتراكية بالأخص خلال مناقشته لكتاب روجيه غارودي "واقعية بلا ضفاف".. فقد اعتبر الشهال أن غارودي يدافع في هذا الكتاب وبحرارة عن التيارات الانقلابية في الفن بعد اعتباره لها بمثابة أعمال نموذجية تمثل روح هذا العصر، لذلك فقد اعتبر هذا الموقف محاولة لتجاوز أبعاد المادية الجدلية من خلال تجاوز مبدأ الموضوع الواقعي في الفن. فهو يقول – في مقال نشرته مجلة "الطريق" كانون الثاني العام 1967 – حين تدرك أن الموضوع في واقع اللوحة، هو دائما ً موضوع فني وانه هو الذي يحمل في ذاته حضور الفنان. ويحمل بالتالي كل الحقيقة الاستاطيقية، ندرك فورا ً وبصورة آلية، أن الشطب على هذا الموضوع لا يمكن أن يعني غير الشطب على الحقيقة الاستاطيقية نفسها وعلى حضور الفنان الذي حملها في داخله.

هكذا وقف رضوان الشهال (طوال حياته) وبقوة الى جانب الفنون التقليدية وانتقد موجة الحداثة والمعاصرة والفنون الثورية الجديدة واعتبرها بمثابة سكة العصر، لأن الفنان الحديث لا يمكن أن يفصل عن التراث الانساني. فالانسان والطبيعة يبقيان الموضوع الخالد مهما اختلفت الآراء والمواقف والتجارب التشكيلية. وفي كتابة عن الفنان رشيد وهبي (فنان الطبيعة والانسان، الصادر في بيروت العام 1982) يكتشف رضوان الشهال أن "لوحات رشيد وهبي مسكونة بأرواح خفية نابضة بالحياة. منها ما يغني ويعزف ومنها ما يتموج ويترنح ويرقص. ومنها ما يرتقي بنا الى مناخات عجيبة تتركنا أو نتركها ونحن في حالة من الذهول الشعري. يقينا ً أن هذا كله انما يحدث بتأثير مباشر من ذلك النسيج التجريدي الساحر الذي تنسجه ريشة رشيد وهبي على مساحات اللوحة، وفقا ً لسياق نغمي منضبط بأصول وقواعد ومعادلات ما أشد ما تذكر بما هو معهود في تقنية الفن الموسيقي من أصول وقواعد ومعادلات".

هكذا اعتقد رضوان الشهال، "ان الاتجاهات التجريدية يمكن أن تدخل في نسيج العمل الفني الواقعي كظاهرة للمسات شعرية منسوجة بمادة الواقع الموضوعي، مما يحفظ للموضوع ملامح أساسية من هويته الفنية وماهيته الملموسة".

فالواقع الانساني والطبيعي بالنسبة اليه يبقيان المحطة للانطلاق نحو المستقبل ونحو الجديد والحداثة وهما كما يقول "أثمن وأبهى ما نملك من ثروات".